العدد 5370 بتاريخ 20-05-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... الحُبُّ في عالمٍ موازٍ

محمود حسانين - قاص مصري

عندما سألها عن اسمها الحقيقي، انتظر طويلاً لكي تجيب، كانت بينهما حكايات نسجها الواقع الجديد الذي يعيشان فيه، كم تضاحكا بدون صوتٍ يسمعه كلاهما، كم تهامسا دون أن يشعرا بسخونة الأحرف وهي تهرب من على أطراف الشفاه، كم تصافحا على أملٍ بلقاءٍ قريبٍ دون أن تلمس بشرتهما تيارات الدفء والحنين، لقد كانت تُفرغ له كل شجونه وهمومه، كانت تشحن له كلَّ طاقات العزيمة والإصرار، أرادها في كل لحظات حياته، تهامسا في مكتبه بين الموظفين الفضوليين، تضاحكا في المواصلات وأعين الركاب تختلس منهما نظرات الحسد، تصافحا كثيراً على أعتاب الولوج إلى منزلهما، ورجفات قلبيهما تخفق من رهبة من حولهما، كم صارت أحاديث المساء لها رونق يضيء أكثر من ضوء "التابلت" الخافت الذي يقرأ كليهما عليه، ألحَّ على معرفة اسمها، ثرثرت، أصر بكل حزم، هربت من السؤال، عاودت الثرثرة الليلية، عزم على المعرفة، بعد طول انتظار كأنه الدهر، أضاءت له حروف اسمها ظلمات الليل برقت في عينيه الأحرف الثلاثة: "شهد" لم يعرف لماذا ارتعدت روحه وهو ينطق الاسم!


يتذكره يعتصره الألم عندما تطوف صورته بخلده، يعلم كم كانت "شهد" له، يعلم كم كان يحبها؟ فكثيراً ما كان يحكي له عنها، كم أصرَّ على أن يريه إياها، يعلم جيداً من هي "شهد"، ويعلم من كان هو بالنسبة له؟ هل هي نفسها؟


استغرقه التفكير حتى لم يستطع أن يبوح لها عما بداخله، بعد فترة صمت ألحَّت عليه بالسؤال عما جعله يصمت طويلاً، صار لا يكلمها ولا تعرف ما ألم به، ساعات تحولت إلى أيام وهو لا يجيبها، كادت أن تجن وكاد هو أن تصيبه لوثة الذكريات بالمرض، أتكون هي...؟ ولمَ لا، ففي هذا الكون تكون الصدف على غير موعد مع أصحابها، كاد أن يخنقه الشعور بذنب لم يقترفه، لم تستطع هي الصبر أكثر أصرت على معرفة ما به بدون مراوغة صارحها، كانت لا تدرك أنه يعرفه، وأنه مَن رأته يوم أن جاء معه، إذا هي القدرية التي جمعت بينهما مرتين، في ألم وصمت القبور، ضغطت أصابعهما على نفس الأمر، ظل أصدقاؤه يسألونه بإلحاح، عن صورة الحداد التي على حائط "الفيس بوك"، لم يجب، بالفضول الأنثوي صار أصدقاؤها يلحون في السؤال عن صورة الحداد التي وضعتها على حائطها، وهي لم تجب، بين عالمي الافتراض والواقع، ارتفعت مع قوة استدعاء الذكريات، صورته بشريط أسود، تحلق عالية ترفرف، وكل منهما يذرف الدمع على فراقه.



أضف تعليق



التعليقات 4
زائر 1 | 2:26 م القصة تحمل بين سطورها نوستالجيا الفقد والحنين رد على تعليق
زائر 2 | 7:17 م شيزوفرينيا الحب رد على تعليق
زائر 3 | 1:54 ص كم هي رائعه ولكن لوعة الفراق والصمة كريه رد على تعليق
زائر 4 | 9:51 ص لغةٌ شعريةٌ خلابة، قصة تضرب على أوتار الحنين، الماضي الذي لا يعود، والرفاق الذين غادروا مُخلفين ندبات في أروقة الروح. رد على تعليق