العدد 212 بتاريخ 05-04-2003م تسجيل الدخول


الرئيسيةالحرب
شارك:


مشاهدات ميدانية من أرض المعركة

المسيّب - العراق الأوسط، روبرت فيسك

يشهد الشارع المؤدي إلى الجبهة في العراق الاسوط حركة دائبة للسيارات المسرعة والآليات والدبابات والشاحنات المحملة بالجنود، وكذلك العربات المخبأة في بساتين النخيل وقطار العربات المصفحة ومئات المواقع للمدفعية المنتصبة وراء الحواجز الرملية التي اقيمت للدفاع عن العاصمة. ومن يراوده الشك في ان الجيش العراقي لا يستعد للدفاع عن عاصمته فعليه الذهاب إلى الشارع الرئيسي جنوبي بغداد.

وكنت أتساءل بيني وبين نفسي: كيف يمكن للاميركيين ان يشقوا طريقهم عبر كل هذه الدفاعات؟ فأنت ترى العراقيين أمامك منتشرين ميلا بعد ميل، وتشاهد الخنادق والحواجز والغرف المحصنة تحت الارض وبساتين النخيل ذات المدفعية الثقيلة. والشاحنات المحملة بالجنود المقاتلين بقبعاتهم الحديد. وانا اعتدت على رؤية الجنود العراقيين وهم ينتشرون هكذا منذ الحرب العراقية الايرانية التي امتدت بين 80 و1988. والاميركان ربما يقولون انهم يدكّون الدفاعات العراقية، ولكن لم تظهر اشارة قوية على ذلك حتى يوم الاربعاء الماضي.

ذلك ان الصحافي الغربي يرى هنا على ارض الواقع استعدادات الجيش العراقي اكثر مما يحاول نقله المراسلون الغربيون المرافقون للقوات الاميركية البريطانية. فهم يتحدثون بقدر من الثقة بالنفس لا يقل عن الثقة لدى الحكومة العراقية، والتي هي بحاجة إلى الدعاية ضد اعدائها.

على الطريق تشاهد بعض مناظر الحرب... اجزاء من بندقيتين تحولتا إلى رماد على اثر قصف جوي مباشر بالصواريخ. وهناك مواقع للهواتف تم تدميرها حول مدينة الحلّة، إلى جانب قصف ستة مراكز اتصالات في بغداد، فيما يبدو انه اغلاق لنظام الاتصالات ببغداد. وعلى سكة الحديد إلى الجنوب كان هناك قطار ـ يقل حمولة عسكرية ـ تم قصفه من الجو، واصابت القنابل عربتين عسكريتين وحوّلتهما إلى قطع متناثرة فوق الجسر.

كما كان هناك حطام لعربة اميركية الصنع قديمة، يعتقد بأن الجيش العراقي غنمها سليمة من الجيش الايراني في الحرب الثانية.

واذا كان هناك دليل على نجاح الاميركيين جنوبي بغداد، فهو وجود مئات العربات - حرفيا - العسكرية لم تلمس من مئات الاميال جنوب العاصمة، تم التمويه عليها جيدا لتجنب الهجمات الجوية. والجيش العراقي اثبت قدرته في مجال التمويه والتعمية مثله مثل الجيش الصربي في كوسوفو. فبساتين النخيل عندما تمعن النظر فيها ستلاحظ وجود بعض الاسلحة المضادة للطائرات، فيما اخفيت العربات تحت الجسور التي لا يود الاميركان والبريطانيون تحطيمها لانهم يريدون استخدامها اذا نجحوا في احتلال العراق.

وفي تقاطع مروري رئيسي، نصب مدفع مضاد للطائرات على عربة مصفحة يشغلها جنديان وهما يراقبان السماء الزرقاء الشاحبة في الصيف المبكر.

وفوق وسط الحلة، موطن بابل السومرية، كانت هناك طائرة اواكس اميركية يمكن مشاهدتها وهي تحلق على ارتفاع شاهق في السماء، ووراءها نقطة بيضاء صغيرة تشير إلى قرص المراقبة الضخم فوقها، ويتابعها بانظارهم رجال الميليشيا والجنود.

وعندما تسير على الطريق الرئيسي جنوبا، ستنكشف لك الكثير من الاوهام والصور الخادعة، فهناك الاسواق في هذه البلدات الصغيرة على الطريق إلى بابل، وبسطات التفاح والفواكه والخضراوات، والشوارع مزدحمة بالباصات والشاحنات والسيارات الخاصة، التي تزيد كثيرا على العربات العسكرية او المحملة بالجنود.

وفي مدينة الاسكندرية كانت المقاهي والمطاعم مفتوحة. ولايزال اللحم (الكفتة) يباع، إلى جانب كرات اللحم والبطاطس، فيما تنتصب اجهزة استقبال البث التلفزيوني التي يحتاج إليها العراقيون الآن لمشاهدة قناة تلفزيونهم الوطني، الذي ما فتئ يتعرض لقصف الطائرات الاميركية والبريطانية. وما تراه هنا لا يدلك على ان هذا الشعب يعيش على حافة المجاعة، كما لا يبدو انه شعب مرعوب. واذا عزم الاميركيون على شن هجوم عبر هذه الاراضي الزراعية ذات القنوات والغابات الكثيفة من النخيل وحقول القمح، فانها تبدو اول اشارة امس الاول كدولة تعيش في سلام.

ولكن المصانع الكبيرة والمؤسسات الحكومية بدت مقفرة، والكثير من العمال الصناعيين والموظفين يقفون خارج البوابات الرئيسية لمؤسساتهم بدافع السلامة بالتأكيد في حال وقوع هجمات جوية مفاجئة.

وعلى بعد حوالي 20 ميلا فقط من جنوب بغداد، تساقطت مجموعة من القنابل على أحد الباصات بصورة مفاجئة، وإلى يميننا كانت مجموعة من قطع المدفعية تطلق قذائفها التي ترتفع فوق رؤوسنا، وتطلق لهبا ذهبيا يتبعه الدخان، فيما ترفع الادخنة من حرائق النفط في بغداد لتزين السماء باللون الداكن، والذي ينتشر 50 ميلا إلى جنوب المدينة.

وتتحرك الصور احيانا إلى حدود الادراك. فالاطفال يتقافزون فوق جدار لاحد البساتين يحجب كوخا عسكريا للاتصالات، فيما تتحرك بعض الجمال ضخمة السنام مثل الحيوانات التوراتية وهي تعبر على دبابة سوفياتية الصنع T-28 مخفية تحت فروع النخيل، وحقول من الزهور الصفراء... فيما يقف عدد من الجنود إلى جانب تنانير الطابوق، فيما هوى صاروخ اميركي قادم واجبر الفلاحين على استدارة رؤوسهم. وفي شمال الحلة رفع احدهم العلم العراقي ذا الالوان ـ الأحمر والأبيض والأخضر ـ تماما كما كان الفلسطينيون يربطون اعلامهم على حطام المباني التي يدمرها الاسرائيليون



أضف تعليق