العدد 216 بتاريخ 09-04-2003م تسجيل الدخول


الرئيسيةالحرب
شارك:


في مصطلح الوكالات ودوائر الإعلام

بيروت - ربيع فواز

يقال الكثير عن لغة الإعلام العربي ـ المرئي منه والمسموع والمقروء ـ في تغطية وقائع العدوان الأميركي ـ البريطاني على العراق، وفي التعليق على هذه الوقائع أو تحليلها، ولسوف يقال الكثير عن لغة هذا الإعلام بعد انتهاء العدوان، سواء بانتصار عسكري للمعتدين أو بانتصار المعتدى عليه.

لغة الإعلام العربي هذه تشبه إلى حد بعيد لغته إبان العدوان الأميركي على أفغانستان، مع بعض الاستثناءات التي تفرضها استثناءات العدوان على العراق ودوافعه ومراميه. والملاحظ انها لغة متأثرة ـ بهذا القدر أو ذاك ـ بلغة الإعلام الأميركي والإعلام البريطاني، بمقدار ما يبدو واضحا تأثر مضمون الخطاب الإعلامي العربي بمضمون إعلام المعتدين، سواء بسوء نية أو بحسن نية؛ وهو في الحالين يؤذي ويبرر الأذى، إلا ما يُلاحظ من حرص وسائل إعلامية عربية على عدم الوقوع في الفخ.

ابتداء، يمكن القول إن الإعلام الغربي (ونعني به هنا الإعلام الأميركي ـ البريطاني) صادق في بعضه كاذب في بعضه الآخر، صدقا وكذبا أصيلين، يتأسس عليهما صدق وكذب بالتبعية والتأثر في الإعلام العربي.

والإعلام العربي نفسه إعلامان، أو ثلاثة. إعلام مؤيد للعدوان، ينتهج منهج الإعلام الغربي ولغته، وهو بذلك إعلام منسجم مع ذاته ولا مأخذ عليه من وجهة مهنية ضيقة؛ وإعلام مناهض للعدوان ولكنه أحيانا ما يتأثر بإعلامه لأسباب نتحدث عنها لاحقا؛ وإعلام يتخبط بين التأييد والمناهضة ويتخبط في تعبيره اللغوي ويستسهل اعتماد ما يصطلح عليه الإعلام الغربي.

ولنتفق ـ من حيث المبدأ ـ على أن موقفك من العدوان الأميركي ـ البريطاني على العراق يستدعي لغته، بغض النظر عن سوء اختيار المصطلحات التي تعبر عن موقفك، إما لضعفك اللغوي وإما لثقتك المطلقة بلغة الوكالات الأجنبية التي ترسم مضمون إعلامها ولغته دوائر العدوان نفسه.

لا شأن لنا بالإعلام الذي يبرر العدوان ويؤيده، ولا ملاحظة مهنية لنا على لغته واصطلاحاته؛ فهو ـ كما تقدم ـ إعلام منسجم مع ذاته.

وإنما نتوجه بالخطاب إلى الإعلام المناهض للعدوان، والإعلام المتخبط بين بين، ونستثني الأقلام المتمرسة، الناضجة التي تعرف ما تقول، وتعرف إلى أين يذهب القول.

أصيبت مؤسسة الإعلام العربي بتخمة مفرطة في عدد العاملين فيها، وشر ما في بلية هذه التخمة أن كثيرين منهم طارئون وطارئات على المهنة، بغض النظر عن شهادات التخرج التي يحملونها من معاهد الإعلام؛ وهذه مسألة جديرة بأن تناقش على حدة ربطا بالمستوى الثقافي للشخص الإعلامي.

المهم ان أكثر أخطاء الإعلاميين العرب مرده إلى عدم التمرس باللغة العربية وطاقاتها التعبيرية ودلالات مفرداتها وتراكيبها، سواء استعملت على سبيل الحقيقة أو على سبيل المجاز؛ ومرده ثانيا إلى اعتماد أكثر الإعلاميين على وكالات الأنباء الأجنبية التي غالبا ما تبرر صراحة العدوان. فلا عجب، بعد ذلك أن يصطلح على العدوان بـ «الحرب» أو بـ «العمليات العسكرية»، أو أن يقال إن الأميركيين والبريطانيين أوقفوا «زحفهم» على بغداد، على رغم ما في مصطلح الزحف من دلالات لا تعبر عن حقيقة العدوان.

والمصطلحات التي تستعمل وتقع تحت طائلة النقد وتستدعي التصويب كثيرة، ولنا عودة إليها، ومنها عدم التحرز في استعمال مصطلحات كـ «الشهداء» و«القتلى» و«الضحايا»، ومنها استعمال مصطلح «كردستان» بدلا من شمال العراق، مع ما في ذلك من دلالات سياسية تتفق وأهداف العدوان.

وحتى لا يُظن أننا نعمم، يفترض بنا التنويه مرة أخرى بحرص وسائل إعلام عربية كثيرة على قدر عال من المسئولية الوطنية والقومية، وبحرص المسئولين فيها على تدقيق النصوص التي يحررها المبتدئون خصوصا.

إلا ان أكثر الأفخاخ خطورة هو فخ الارتجال، فما أكثر ما يسهل على المراسلين استعمال المصطلحات الجاهزة المكرسة بطول الاتكاء على الوكالات الأجنبية؛ وهذا ارتجال يتعذر غالبا تصويب أخطائه، ولذلك فهو يضر، والتحصن من ضرره لا يكون إلا باعتماد المراسلين المثقفين المتمرسين مهنيا



أضف تعليق