دلالات القصف الإسرائيلي لبيروت وتهديد حزب الله لتل أبيب

صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من عدوانها على لبنان واتخذت هذه الاعتداءات منحى جديدا مع الساعات الأخيرة،وحملت تهديدات القادة الإسرائيليين بقصف بيروت أبعادا جديدة تحمل في طياتها تساؤلات بشأن المدى والأبعاد والرسائل الحقيقية التي تريد وتسعى «إسرائيل» إلى توصيلها من وراء هذه الحرب إلى لبنان وربما إلى العالم والدول المجاورة أيضا. ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية في جميع أنحاء لبنان إلا أن العاصمة بيروت التي تعرضت لجزء رئيسي من هذه المعاناة وشهدت أوضاعها ترديا ملحوظا تبقى هي الرمز والدلالة على سيادة لبنان. وإزاء تزايد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية فقد تزداد أوضاع العاصمة تفاقما خلال الأيام المقبلة إذا ما تواصلت هذه الاعتداءات وطال أمد الحصار الذي تتعرض له لبنان فضلا عن المغزى السياسي والعسكري لعملية قصف العاصمة اللبنانية إذا حدث. وحتى هذه الساعة وان اقترب القصف أمس من بيروت إلا أن وسط العاصمة كان بعيدا عن الاستهداف والقصف وعن الاستهداف المباشر خلال الأيام الماضية.

ومع التحذيرات التي حملها أمس الأول خطاب الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله من المغزى من قصف بيروت ودلالات ذلك وتهديداته بقصف تل أبيب إذا أقدمت «إسرائيل» على ارتكاب حماقة قصف بيروت وهو الأمر الذي اعتبرته «إسرائيل» تحديا جديدا يزيد مأزقها الذي وجدت نفسها فيه وهو ما ترجمته آلياتها العسكرية منذ فجر أمس بالاقتراب من العاصمة وقصفها عددا من الجسور على البعد من شمال بيروت بنحو 15 إلى 20 كيلو مترا إلى جانب قصف منطقة الأوزاعي المجاورة للضاحية الجنوبية وكأن «إسرائيل» أرادت بذلك توجيه رسالة إلى الداخل اللبناني وسكان بيروت بأنها تستطيع تنفيذ تهديداتها وأنها تقترب فعلاً من بيروت وأنها قد تصعد من اعتداءاتها وتنفذ الشق الباقي من هذه المعادلة بإلحاق الضرر وقصف المزيد من البني التحتية داخل بيروت هذه المرة وتدميرها. إلا أن مصادر حزب الله ترى ان «إسرائيل» قد تفكر كثيرا قبل الإقدام على ارتكاب حماقة جديدة بقصف بيروت بعد الخسائر التي تكبدتها حتى الآن.

غير أن المراقب للسلوكيات الإسرائيلية واستراتيجيتها يلحظ أنها اعتادت في حروبها السابقة على إتباع سياسة الهروب إلى الأمام حتى تفرض معادلتها واستراتيجيتها على الطرف الآخر من دون الأخذ في الاعتبار لحسابات الطرف أو الأطراف الأخرى أو الخسائر أو الحسابات العسكرية أو حتى التخلي عن الأخلاقيات العسكرية وعدم الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية وقوانين الحروب التي وضعتها المنظمات الدولية وباتت تتصرف في حربها مع لبنان وفق معادلاتها وحساباتها وبالطبع ضمن هذه المعادلة توسيع آفاق المواجهات وحتى استهداف العاصمة لن يحول دون استهدافها النداءات الدولية إذا رأت «إسرائيل» أنها قد تكون المخرج من الأزمة والمأزق الذي تواجهه.

ووفقا لمعادلة نصر الله التي يحاول فيها أن يمارس سياسة «الردع « الخاصة به أمام التهديدات الإسرائيلية فقد وضع قصف تل أبيب وجها لوجه أمام قصف بيروت اذ يندرج ذلك ضمن استراتيجية المفاجآت التي يحملها ل «إسرائيل» والتي مازالت تتوالى على الرغم من ضراوة المواجهات إلا أن العمق الإسرائيلي يبقى هو الاستراتيجية الأخيرة في سلسلة مفاجآته لـ «إسرائيل». والمتتبع لما يجري يلحظ ارتفاع وتيرة التهديدات والتهديدات المقابلة التي تحمل إشارات توحي بأن «إسرائيل» مازالت عاجزة عن الوصول إلى أهدافها التي وضعتها لهذه الحرب.

وأكدت مصادر حزب الله أن هناك معادلات قائمة والحزب لن يكون مضطرا في أي وقت إلى كشفها أو تداولها،وفي هذا السياق يتسلح الحزب بجدار من التحفظ والحيطة،لكنه يؤكد على أن قصف بيروت سيؤدي إلى الدخول في مرحلة جديدة تستدعي ردا بحجم الهجوم الذي قد يحدث.

وعلى رغم أن هذه المنازلة مازالت مستمرة ولم تنته إلا أن نتائج هذه الحرب وفقا لبعض المحللين حسمت لصالح حزب الله على الرغم من استمرارها لمجرد أن الحزب فرض معادلة الندية مع «إسرائيل» والانتقادات التي أصبحت الحكومة الإسرائيلية تواجهها حتى الآن تصب في هذا الاتجاه.

وعلى الجانب الإسرائيلي أصبح المعلقون السياسيون والعسكريون يستخفون بالسيناريو الكارثي الذي قد تناقشه حكومة إيهود أولمرت وأصبحت التساؤلات تدور عن إمكان إضافة هذه الحكومة فشلا جديدا إلى أكثر الحروب الإسرائيلية فشلا. وفي المقابل إذا استعرضنا حجم المعاناة التي يتعرض لها اللبنانيون منذ بدء الاعتداءات،ترى الأوساط اللبنانية انه بعد انتهاء المواجهات فقد تحتاج الأطراف اللبنانية بمختلف توجهاتها إلى وقت طويل من أجل «لملمة» الأوضاع خصوصاً في الجنوب.

وعلى الصعيد السياسي الداخلي هناك بعض الأطراف في المعادلة السياسية اللبنانية تخشى بالفعل من انتصار حزب الله خشية من أن يسعى بعد تحقيق الانتصار إلى فرض معادلته على الساحة الداخلية إلا أن أطرافا أخرى في المعادلة اللبنانية تنظر إلى أن الاتجاه سيكون من الجميع نحو إعادة بناء ما هدمته الحرب. غير أن البعض يتخوف من عودة الجدال والسجلات السياسية من جانب القوى السياسية والحزبية التي قد تكون أكثر خطورة على الوضع اللبناني من الآلة العسكرية الإسرائيلية على الرغم من حجم الدمار والخراب الذي خلفته والذي مازال مستمرا.

أ ش أ