العدد 2478 بتاريخ 19-06-2009م تسجيل الدخول


الرئيسيةالسياسي
شارك:


الكويت والبحرين... هموم انتخابية مشتركة

الوسط - قاسم حسين

الكويت والبحرين فرسا سباق. رغم فاصل البر والبحر، إلا أن الأشواق والآمال مشتركة منذ القدم. ربما جمع أجدادهم حكايات الغوص ونزول الهيرات ومصارعة الأمواج والعواصف. وربما جمع الآباء التنافس على العلم، وسبقوا غيرهم من الجيران في الالتحاق بالجامعات منذ فترة مبكرة من القرن، فخرجت قوافل الطلبة من الأربعينيات والخمسينيات لتعود رعيلا أول في ركب التغيير. وربما يفسر ذلك كل هذا التعاطف والتآلف والتعارف، بين الشعبين ومشاركتهما في الهموم والتطلعات.

في الانتخابات الكويتية الأخيرة ذهب إلى الكويت برا وجوا عدد كبير من «المراقبين» البحرينيين، ليشهدوا بأعينهم مآلات التجربة الانتخابية الجديدة. من جمعية سياسية واحدة ذهب أكثر من مئة شخص، دع عنك الجمعيات السياسية ووالشبابية والحقوقية الأخرى، فضلا عن الهواة والمستقلين. فالكويت والبحرين بلدان يتنفسان من فضاءٍ واحد، وهو ما يفسّر كل هذا الاحتفاء من الصحافة البحرينية والجمعيات السياسية والمؤسسات المدنية بالحدث الكويتي على الدوام.


أصداء من الكويت

بعد ظهور النتائج وتكشّف البرلمان الكويتي الجديد، عن فوز أربعة وجوه نسائية، تردّد الصدى لدى المرأة البحرينية الخجولة، فأخذن يتبادلن الهمسات: ممكن؟ ولم لا؟ وهل لدينا الكفاءات مثلهم؟ ألم يكن لدينا مثل منيرة فخرو؟ وهل كنّ سيصلن لو وجدت لديهم مراكز عامة؟

لم يمض أسبوع واحد على الفوز، حتى جاءت اثنتان من الفائزات الأربع يرفلن بالحرير، ليشنفن آذاننا بتجارب نضالهن التي لم تتوقف. صحيح أنهم حصلوا قبل ثلاثة أعوام على حق التصويت والانتخاب بعد جهاد مرير، بينما كان هذا الحق كأس ماء عند نسائكم، إلا أن لديهن ما يمكن أن يقال.

قاعة فلسطين الصغيرة بجمعية «وعد» ضاقت بالحضور، في تلك الأمسية الكويتية، كما ضاقت ساحتها الخارجية والردهات. جمهورٌ محبطٌ من مختلف المناطق والجمعيات والتيارات جاء ليسمع القصة على لسان اثنتين من الفائزات. هذا الاحباط نفسه كان موجودا لديهم، ولكنهم أصروا على مواصلة المشوار، مع فارق... أنهم لم تنزل عليهم لعنة المراكز العامة التي يتم التلاعب فيها بالأصوات وطرد المغضوب عليهم من الميدان.

النائب أسيل العوضي اعترفت بأن الوصول لم يكن سهلا في مجتمع تقليدي اعتاد على الانحياز للذكور، ولذلك كافحت ضد ثقافة تخصّص المرأة بشئون المنزل وترك السياسة لعبة حصرية للرجال. وبعد إقرار حق المشاركة السياسية للمرأة في 2005 شجّعها ذلك على الترشح في 2006 و2008 من دون أن تفوز، وإنما فازت في المرة الثالثة.

العوضي كانت توضح وتحلل، فبعد أن تغيّر موقف القاعدة الشعبية ووسائل الإعلام من مشاركة المرأة، على خلفية عجز المجلس السابق الذي يخضع كليا للرجال، انتهى المجتمع إلى قناعة بضرورة التغيير، للخروج من المشكلات والأزمات المتتالية التي سببها لهم النواب.

الفائزة الثانية رولا دشتي، قدّمت قراءة سيكولوجية للحدث، فقالت «إن الإحباط واليأس عند أي شعب يولدان فرصا جيدة إذا استخدمهما بشكل صحيح»... كيف؟ المستفيدون من غياب المشاركة الشعبية وقطع الطريق أمام أية محاولة لقيام وحدة وطنية، أشاعوا جوا من الإحباط واليأس من التغيير، ما أوصل البعض إلى قناعةٍ عبثيةٍ بقبول فكرة تعليق الدستور والحياة النيابية. «مواصلة الكفاح هي التي غيّرت المعادلة، ما دفع الكثير من الناخبين المحبطين إلى التصويت لنا». والدرس الذي أرادت إيصاله للبحرينيين والبحرينيات: «لابد من إعادة النظر في الخطاب السياسي للوصول إلى جميع شرائح المجتمع».

الفائزتان دشتي والعوضي أجمعتا على دور الإعلام وتأثيره الكبير على الرأي العام، وإعادة صياغة الخريطة. هذا الإعلام كان ينشغل في الماضي على شخصية المترشحة بعيدا عن الكفاءات، واختزال المجتمع الكويتي في بدو وحضر، وسنة وشيعة، وفقير وغني، بعيدا عن المسائل الكبرى من صراع سياسي وتنمية حقيقية واقتصاد وحقوق مواطنة. أمّا في انتخابات 2009 فقد اهتمّ بعرض قدرات وكفاءات المترشحات، فكان ذلك هو المدخل الطبيعي لتغيير القناعات.


نظرة أبعد من الفوز

ضيف البحرين الثالث هو النائب السابق عبدالله النيباري، الذي اعتبر فوز النساء انتصارا للمجتمع الكويتي ولقيم التسامح والانفتاح والتحرر، بعدما استخدم ضدهن سلاح الشائعات والأكاذيب والفتاوى الملفقة من قبل من يختصرون الدين في أنفسهم.

النيباري ركّز على الجانب الاقتصادي، وغياب التنمية الحقيقية في دولنا الخليجية، معتبرا الأبراج العالية التي تنشأ هنا وهناك من أهم معالم التنمية المشوهة. وذكّر بأن الديمقراطية الحقيقية تنتهي في الدول المتقدمة بتشكيل حكومات، بينما تفرز عندنا مجالس ناقصة للشورى و»مجرد إبداء الرأي». من هنا لابد من ضرورة القراءة الموضوعية للوضع السياسي، فـ «نحن عندنا قانون لحماية أراضي الدولة خلاف بقية دول الخليج، ومع ذلك دِيس على هذا القانون وتمّ توزيع الأراضي على من يريدون».

أحد أسرار التجربة الكويتية التي سكتت عنها دشتي والعوضي، باح به النيباري بقوله إن الذين دفعوا الأموال الطائلة للوصول إلى البرلمان، يريدون أن يستردوا ما دفعوه بعد الفوز، بالسعي للحصول على العقود والصفقات، و...و...».


بانتظار 2010

برلمان البحرين أغلق أبوابه ليذهب أعضاؤه في عطلة طويلة لخمسة أشهر، ليبدأ الاستعداد للانتخابات المقبلة، بينما صفحة الانتخابات الكويتية طويت، والكل ينتظر تحويل البرلمان الجديد البرامج إلى واقع، والشعارات إلى أفعال. هناك أطرافٌ سعت وستسعى لإفشال التجربة وإفراغها من محتواها، مع ذلك فالرسالة الكويتية ربما وصلت البحرين، والفائزون المتفائلون يؤمنون بأن الديمقراطية ستمر بالمنطقة العربية، وهو ما يراهنون عليه في انتخاباتنا المقبلة العام المقبل... بشرط التوزيعٍ العادل للدوائر الانتخابية، والتخلص من «بدعة» المراكز العامة التي تركت لدى البحرينيين إحساسا بالمرارة والتلاعب بالأصوات، وتزوير إرادة الناس.



أضف تعليق