العدد 4852 - السبت 19 ديسمبر 2015م الموافق 08 ربيع الاول 1437هـ

صاحبة أحقر صفعةٍ في التاريخ

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مرت قبل يومين ذكرى الحادثة القبيحة التي فجّرت الأوضاع السياسية في العالم العربي... ذكرى صفعة الشرطية التونسية لمواطنها الفقير البوعزيزي.

الشرطية كانت في الـ36، واسمها فادية بنت الطاهر الكيلاني، وهي من قبيلة البوعزيزي ومنطقته (سيدي بوزيد)، وقبل يوم تم تداول فيديو يكشف عن ندمها على تلك الصفعة، حيث اعتبرت نفسها المسئولة عن كل ما يجري في الوطن العربي من نزاعات وقتال وحروب وسفك دماء. أما أب الشرطية فخرج من قبل ليدافع عن ابنته البريئة الطاهرة، ونفى توجيهها الصفعة للبوعزيزي، واعتبرها مجرد شائعات ومحاولات تشويه لابنته البريئة. كما اتهم بن علي بتقديمها كبش فداء حين أمر بسجنها.

المؤكد أنه كان هناك آلاف الصفعات على آلاف الوجوه منذ أيام الجاهلية حتى اليوم، لكن صفعتها هذه دخلت تاريخ السياسة من أوسع أبوابه، وستبقى تلاحقها حتى قبرها. ففي فيلم قصير أُنتج عن البوعزيزي، نشاهد الشاب العاطل عن العمل بعد تخرجه، حيث كان يطمح إلى وظيفة بسيطة دون جدوى، مثله مثل عشرات الآلاف من الخريجين الجدد كل عام في كل الأقطار العربية دون استثناء. وذات يوم كان ماراً بالسوق فيشاهد بائع خضار وقد تجمع حوله عدد (برشا) من المشترين، فراودته الفكرة بأن يقتني عربةً خشبيةً ليبيع عليها الخضار، لكي يكسب (برشا). وفي الشارع الذي بدأ البيع فيه، تتعرّض له الشرطية، فكان يدفع لها بعض المال ليرشيها فيدفع أذاها عن نفسه. وفي يوم الجمعة، 17 ديسمبر/ كانون الاول 2010، اعترضته لتستلم الرشوة كالمعتاد، إلا أنه اعتذر لأنه لم يبع ساعتها شيئاً بعد. فمدّت يدها لتصادر بعض بضاعته أو تبعثرها، فاعترضها وحاول الإمساك بيدها، فما كان منها إلا أن رفعت يدها وصفعته.

لجأ إلى مركز الشرطة ليقدّم ضدها بلاغاً، إلا أن المسئول هناك سخر منه وطرده باستخفاف، فعاد منكسراً إلى الشارع، وهناك أخذت تعصف بعقله الأفكار السوداء، وانتهى إلى فكرة سوداوية بأن يصب زيتاً على نفسه ويشعل الحريق في جسده، ولم يكن يعلم أنه سيشعل بذلك حريقاً هائلاً في هذا الهشيم البشري الهائل المهمّش المقهور، الذي كان ينتظر منذ عقودٍ شرارةً واحدةً فقط، لينزل إلى الشوارع والميادين... بالملايين.

هذه التفاصيل التي لم ننسها جميعاً بعد، أوردها الفيلم القصير، أما الشرطية فقد انتشر عنها شريطٌ آخر، يدّعي أنها تعضّ أنامل الندم على ما فعلته، لأنها المسئولة عن كل ما يجري هذه الأيام في الأرض العربية... حتى أصبح 15 في المئة من نزلاء المستشفيات شباباً يدخلونها بأجسادٍ متفحّمة احتجاجاً على البطالة والقهر والظلم والتمييز والفساد الذي نخر النظام العربي حتى وصل للعظام. ولو لم تكن صفعتها لتسبّب أيّ حدثٍ هامشي آخر في إشعال هذا الحريق التاريخي العظيم.

زين العابدين بن علي، حكم تونس حكماً بوليسياً لمدة ربع قرن، بعد انقلابه على سلفه الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس بدوره 30 عاماً. وقبل سقوطه بعام، دهش العالم من الوصف الذي أوردته وثائق «الويكيليكس»، على لسان الدبلوماسيين الأميركيين لتونس، بأنها «بلد تحكمه عصابة مافيا».

بعد سقوط بن علي، فهم القارئ العربي ماذا كانت تعني هذه العبارة، فقد ارتفع الإعلام المضلل الذي كان يستخدمه للتغطية على سوء إدارته وسياساته. وبدأت الصحف تكشف عن حساباته وأمواله وممتلكاته في الخارج، فضلاً عن حسابات زوجته ليلى الطرابلسي وإخوانها وشركاتهم في الداخل والخارج. كما نشرت تقارير عمّا تم العثور عليه في القصور الرئاسية، وأماكن تخبئة الأموال والمجوهرات، وما استطاعت الطرابلسي أخذه ليلة هروبها برفقة زوجها تحت جنح الظلام.

هوّني عليكِ... فأنت لم تفجّري ثورةً ولم تحرّكي شعباً، وإنّما أنتِ مجرد ترسٍ صغير جداً، في ماكنة بيروقراطية ضخمة فاسدة متكلّسة منذ نصف قرن، تجهض آمال الشعوب وتقصف أعمارهم، وستظلين رمزاً شكسبيرياً يتذكّرك العرب لأحقر صفعةٍ في التاريخ.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4852 - السبت 19 ديسمبر 2015م الموافق 08 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 28 | 3:14 ص

      كيف ...

      كيف ...لم يرق قلبها لمواطنها ابن قبيلتها أن تتأثر للشباب العربي؟!

    • زائر 27 | 3:12 ص

      نسخة متكررة

      في الحقيقة العالم العربي كله نسخ متكررة في العالم العربي مئات الآلاف من البوعزيزي و هناك مئات الآلاف من هذه الشرطية و هناك مئات الآلاف من بن علي
      مئات الآلاف أمثال العزيزي أن لم ينتحروا فقد دخلوا المستشفيات النفسية و المصحات العقلية بسبب واقعهم المر نحن في البحرين كم شاب و شابة يحملون أفضل الشهادات من أفضل الجامعات و لكن لا زلوا يأخذوا مصروفهم من أهاليهم و أعمارهم تجاوزت 25

    • زائر 26 | 3:12 ص

      احم احم

      انا اعرف عن وقاحة الشرطة وغبائها في الدول العربية لكن صعب اتصور القصة بالتفاصيل اللي ذكرته ؟
      لكن ولو اني ما اشجع على الربيع العربي لكن تونس بالتفاصيل او بدونه كانت تحتاج للتغيير

    • زائر 30 زائر 26 | 3:52 ص

      سمه الشتاء العربي أو ما تشاء سمه

      ولكن نحنُ تأخرنا كثيراً وتقدم الشرق والغرب ، سمه الشتاء العربي أو الخريف المهم بِأننا ما زلنا بحاجة ملحة لتغيير حقيقي جوهري وفاعل لنسابق الشعوب الأخرى ..

    • زائر 25 | 2:38 ص

      معود على الصفعات !

      الله يصفع كل ظالم اليوم قبل باجر , والدنيا قصيرة لذالك سميت دنيا صغيرونة والحساب آت لا محالة , طال الزمن ولو قصر . حسبنا الله ونعم الوكيل .

    • زائر 21 | 1:01 ص

      على الاقل في تونس شرطية تونسية صافعة تونسي بس ........................

      .............

    • زائر 24 زائر 21 | 2:27 ص

      فهمنا قصدك

      الزابط المعني م.....،يصفع مواطنين في بلد عربي بس مو في البحرين

    • زائر 31 زائر 21 | 4:07 ص

      بعض الدول

      لا تقبل أبداً تحت أي ظرف كان أن يكون الشرطة في بلادها غير ابن البلد ، وأخرى قد تقبل ابن البلد ولكن بشروط محددة قد تكون متوفرة في غير المواطن ولا تكون متوفرة في المواطن ، فإن كان المواطن لا تتوفر فيه هذه الشروط يجوز لغير المواطن صفعه ..

    • زائر 32 زائر 21 | 4:23 ص

      فإن

      صفعك ابن بلدك لا تلام ان قمت بثورة ، ولكن إن صفعك غير المواطن فأنت ارهابي وتستحق الصفعة.

    • زائر 20 | 1:01 ص

      الصفع لغة الانسان الضعيف الوضيع وياكثرهم طبعا معروفين

      ابوزعبل وابو غريب وجوانتنامو العرب والحر تكفيه الاشارة

    • زائر 18 | 12:57 ص

      صفعات وثقتها الكاميرا واخرى في السجون

      نعم صفعة مواطن طالب بالعدالة والحرية والديمقراطية اكبر الصفعات

    • زائر 17 | 12:55 ص

      عندما يصفع مواطن من اخر أجنبي (بابا زابط أنا )

      على الدنيا السلام

    • زائر 16 | 12:53 ص

      ما أكثر الصفعات !ماننسى من صفع اب أمام أبنه

      وكل يوم يتصفع من يطالبون بحقوقهم

    • زائر 15 | 12:53 ص

      حسبنا الله ونعم الوكيل

      افوض أمري إلى الله فهو الحاكم العادل الذي لا يضيع عنده حق

    • زائر 14 | 12:37 ص

      اه من غدر الزمان

      لما تكون الصفعة بأوامر من ولد بلدي وبيد أجنبيه فإنها والله احقر وازذل من اي صفعة اخري !! ....

    • زائر 5 | 11:42 م

      آآآه من كثر الصفعات في وطني

      صفعات صوّرت واخرى من وراء القضبان، صفعات على طريقة استبدال المواطن بآخر أجنبي، وبعضها يتمثل في قيام الأجنبي بتعذيب المواطن وسحله بالسجون، صفعات اتهام ابن الوطن بالولاء للخارج لأنه طالب بابسط حقوقه في وطنه, صفعات بأن يأتي الاجنبي ليعطينا درسا في الوطنية والولاء

    • زائر 4 | 11:19 م

      مؤامرة صهيصفوية ماسونية

      ربما كان كمين غادر ضد منتسبي الأجهزة الأمنية التونسية لاستفزازهم فهم يعملون تحت ضغط كبير ويتحملون المشقات، فكان هذا الكمين من البوعزيزي الذي تحركه الصفوية العالمية لتشويه صورة منتسبي الأمن! المهم اذا في أحد صور المشهد لازم يعتقل.

    • زائر 6 زائر 4 | 11:46 م

      الله ايغربل الصفوية

      ارحم عقولنا يا ولدي

    • زائر 8 زائر 4 | 11:54 م

      اكيد

      جهلوعبوديه

    • زائر 13 زائر 4 | 12:30 ص

      الاضطرابات التي اندلعت بشكل دوري منذ العشرينات في القرن العشرين

      قال نيومان السفير الامريكي السابق : «هناك أيضاً من يطرح بأن المشاكل السياسية تحدث على دورات، والاضطرابات التي اندلعت بشكل دوري منذ العشرينات في القرن العشرين تم إخمادها بالقوة، باستثناء إصلاحات الملك حمد في العام 2001، فلماذا تختلف الآراء هذه المرة؟»

    • زائر 3 | 11:13 م

      الخريف العربي

      الخريف العربي لم يكن عفويًّا على الإطلاق بل كان مدبرًا من قبل خريجي أكاديميات التغير الصهيونية المواليين ......

    • زائر 7 زائر 3 | 11:50 م

      أقول استريح

      بلا تخريف زايد

    • زائر 9 زائر 3 | 11:56 م

      تحليلات

      لا تصدر الا عن عقول تنك

    • زائر 2 | 10:53 م

      وقت الصفعة بعد

      وقتهاكان بعد يحمل طفله الرضيع وإلا لا؟.

    • زائر 11 زائر 2 | 12:20 ص

      في الصميم

      صفعتنا احقر من صفعة البوعزيزي

اقرأ ايضاً