العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ

الفنان العراقي سنان حسين: جميعنا متصوفون... ولن أقع في فخ المتلقي

يستمر معرضه «هيج» حتى منتصف فبراير بمساحة الرواق

الفنان سنان حسين - تصوير محمد المخرق
الفنان سنان حسين - تصوير محمد المخرق

العدلية - منصورة عبدالأمير 

تحديث: 12 مايو 2017

يرفض الفنان العراقي سنان حسين أن تنسب أعماله إلى مدرسة فنية محددة، يقول إنه ينتمي لمدرسة «اللاانتماء»، إن أعماله تعبر عن الحالة التي يعيشها فقط، مؤكداً بأنه لن يقع في فخ المتلقي ولن يرسم ما هو «مدرك الهوية»، بل سيقدم فناً مغايراً يتذوقة المتلقي بشكل مختلف.

فضاءات «الوسط» التقت حسين، على هامش معرضه «هيج» المقام بمساحة الرواق للفنون، والذي يستمر حتى 18 فبراير/ شباط 2016. يضم المعرض 26 عملاً، رسمها حسين على مدى شهرين خلال تواجده في البحرين. ويقام معرض «هيج» تحت رعاية السفارة الأميركية، وكان قد افتتح مساء 19 يناير/ كانون الثاني 2016.

في التعريف بالمعرض، كتب حسين «هيج... لكل دلالة هناك حالة تبدأ بها المشكلة ويُخلق التساؤل والتحليل، المنطق واللامنطق». سألت حسين أولاً عما يعنيه ذلك وعما يشير إليه إسم المعرض «هيج»، فقال «المعرض له اتجاه صوفي، والهيج هو الهيجان الذي يأتي نتيجة مشكلة ما حصلت في الماضي أو واقع تعيشه الأرواح التي أقدمها في لوحاتي. المجتمع الذي نعيشه يغص بكثير من المشكلات تبدأ مع بداية تكوين الإنسان حتى النهاية».

الهيج أو الهيجان الذي يتحدث عنه حسين هو تبدٍ واضحٍ في لوحاته من خلال شخوصه الغريبة الشكل، المتشابهة للوهلة الأولى، لكنها المختلفة في الحالة التي تعيشها، من القلق إلى الخوف، إلى الحزن والضياع والألم، وأخيراً إلى الفرح والرقص والغناء.

شخوصي أرواح قلقة

يقول حسين «الشخوص في أعمالي هي أرواح غادرت الأرض لكنها شعرت بعد ذلك أنها لا تزال مرتبطة بكثير من الأشياء، لذلك حاولت أن ترجع وتعيد صياغة نفسها. تجدين أنها لا تلامس الأرض بأقدامها، لأنها تشعر أن الأرض غير مناسبة لها لتعيش عليها».

لا تلامس أرواح حسين الأرض، وهي لا تملك أيد أيضاً، هي أجساد برؤوس كبيرة وملامح ضخمة، وعيون قد تبدو متشابهة للوهلة الأولى لولا اختلاف حالات حسين حال رسمها. في بعض اللوحات تبدو الأيدي مهمة، فيمنح حسين لبعض شخوصه يداً واحدة، تلازم يد أخرى، وهو يوضح «حين تمتلك الأرواح يد، فهي بغرض التزاوج أو التلاقح، فهذه الأرواح تتزاوج مثل البشر، لكنها تنجب أشكالاً مختلفة عن أشكالنا، فهي تنجب كائنات مركبة بين الحيوان والإنسان والطيور والأسماك. الأرواح التي تتزاوج ترتدي قفازات أو جوارب في إشارة إلى وجود التناغم بينها وبأنها في قمة العاطفة».

ويضيف «تعود هذه الأرواح لتناقش قضايا حالية في المجتمع لكنها رغم ذلك تعيش في عزلة عنه، لذلك استخدم هذه المثلثات المرورية في لوحاتي في إشارة إلى عدم رغبة هذه الأرواح في أن يدخل عالمها المثالي أحد».

ويسترسل «في لوحة أخرى تتحلق الأرواح حول شجرة الحياة، وهي لوحة رسمتها بعد أن زرت شجرة الحياة وشاهدت تفاعل الناس مع هذا الكم الهائل من الزمن. الإنسان يحب أن يكون في عالم اللامتناهي، ويحب الالتصاق بروحه كثيراً، وهو ما يجعله دائم البحث عن حياة أخرى جديدة حتى يكسر الرتابة. الكائنات في اللوحة تدور حول الشجرة لتحصل على الأمل بحياة جديدة في عودتهم إلى الأرض وفي رغبتهم في العزلة».

يتطرق حسين في إحدى لوحاته إلى عزلة أخرى، تبدو إشاراتها واضحة من صور البطاقات الشخصية والجوازات التي يضعها في وسط إحدى لوحاته، يقول «أشير هنا إلى عزلة اللاجئين. حياتنا أصبحت مرهونة بالجوازات التي تقيدنا داخل الحدود وتحاصر فكرنا وإنسانيتنا».

لا أنتمي لأحد

سألت حسين عن الأسلوب الفني الذي يعتمده في لوحاته، مستفهمة إن كانت النبذة التعريفية بالمعرض صحيحة في إشارتها إلى أنه يستوحي أعماله من السريالية، فأجاب «لا أحب هذه التصنيفات ولا أنتمي إلى مدرسة معينة. في الواقع أنتمي إلى المدرسة اللامنتمية، ما أشعر به أرسمه. يقول البعض إني سريالي أو تعبيري، هذه مصطلحات أطلقها النقاد على الفنانين، ليدمجوهم في مدارس فنية معينة. هذا غير صحيح فكل فنان له مدرسة خاصة لا تنتمي إلى أي من المدارس. في هذه اللوحة مثلاً هناك واقعية وحداثية وتجريدية وتعبيرية وسريالية، ما يعني أني أدخلت خمس مدارس في لوحة واحدة ولذلك لا يمكن تصنيفي على أني أنتمي لأي مدرسة بل يمكن القول بأني أنتمي إلى المدرسة اللامنتمية».

لا تهتم كثيراً بتقديم أشكال جمالية لهذه الشخوص، هل هذا تجرد من إملاءات المتلقي عليك وهل تعتقد أن العمل الفني سيصل بشكل أكبر حين يستغني الفنان عن تلك الجماليات؟

- أنا لا أرسم للمتلقي، ولا أريد أن أقع في هذا الفخ. أنا أخرج طاقتي في هذه الأعمال بمضامينها وبألوانها، وأجعل الحالة التي بداخلي هي ما تدفعني باتجاه العمل. المهم أن أصل للحالة التي أنا عليها وأكتفي ذاتياً، لأن العمل هو خطاب روحي بين الفنان ولوحاته وليس بين الفنان والزوار. أعمل في الواقع على كسر النظام الفكري للمتلقي وأخرجه من دائرة التفكير الرتيب. يمكنني رسم وجوه شفافة وجميلة، بواقعية عالية جداً، لكني لا أعتقد أن هذا سيلامس الناس لأن الناس ملت من هذه الوجوه، ربما تشتري لوحاتي لكنها بعد فترة ستغيرها. ما أريد أن يظل لدى المتلقي هو التساؤل الذي يعيشه والذي يترك به أثراً. هذا كسر للقاعدة فحين أرسم شيئاً مختلفاً يصل للناس بشكل مختلف ويتذوقوه بشكل مختلف لكن إذا رسمت بشكل مدرك الهوية فسيكون الأمر مملاً.

هل تقول أن اللوحة ذات الأشكال الجميلة والوجوه الناعمة لا تحمل سوى قراءات محدودة؟

- نعم أعتقد ذلك، إذا تخليت عن تلك القاعدة، يمكنني أن أهشم الوجوه وأحيلها إلى مكان آخر أو منطق آخر غير المنطق الكلاسيكي الذي اعتاده الناس. هذا الكسر للقاعدة هو ما يجعل المتلقي يفكر بالعمل، وهذه الاستعارات في داخل اللوحة هي ما يتفاعل معه الزوار وهو ما لمسته مع بعض اللوحات في المعرض. المتلقي في تفاعله مع بعض اللوحات يعتقد أن أمراً جديداً دخل إليه، وربما كان بداخله ولم يكن قادراً على إخراجه.

ذكرت في بداية اللقاء أن المعرض له طابع صوفي، ما علاقتك بالصوفية؟ وكم هو قدر الإلمام المعرفي والثقافي الذي يجب أن تمتلكه بالصوفية لكي تتمكن من تقديم أعمال بمضامين وأفكار صوفية عالية؟

- لي علاقة بالصوفيين، والقراءة بالطبع مهمة جداً، لكنني قبل أن أقرأ عنهم، كان كثيرون يعتقدون أنني صوفي مع أنني لم أقرأ لابن عربي. أنا أشعر أنه بداخل كل إنسان منا شخص متصوف، فالله لم يخلق ابن عربي مثقفاً، كان صغيراً في العمر حين ناقش ابن رشد وأذهله. جميعنا نتساءل عن وجود الله في الأرض أو في السماء، وعن خلقنا، هذه التساؤلات موجودة لكن ضغوطات المثولوجيا أو الفكر القديم أو الموروث بداخلنا تمثل ضاغطاً كبيراً على تلك التساؤلات. الصوفية بداخلنا جميعنا لكننا لا نعرف كيف نبحث عنها وكيف نجدها. المثلثات في لوحاتي هي عزلة، وهذا الدرويش الذي يقف على مثلث يعيش في عزلة كجميع المتصوفين، الذين لا يتقبلهم الكثيرون لترجمتهم القرآن والأحاديث بنظام خاص، ولأنهم قريبون للسفسطائيين فهم دائماً في حالة جدل وتساؤل. جميعنا لدينا هذه التساؤلات لكن الضغوط في حياتنا تجعلنا غير قادرين على إطلاقها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:20 ص

      حوار يحتاج لمزيد من التأمل ... على الفنان عقد ندوات فكرية حول ما يقدم من فن فما زال الكثير يفتقر للفطنة في المعنى

اقرأ ايضاً