العدد 4901 - السبت 06 فبراير 2016م الموافق 27 ربيع الثاني 1437هـ

صمت المرجعية... الاحتجاج أبلغ

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في خطوةٍ مفاجئة، أعلنت المرجعية الدينية في العراق توقّفها عن إعلان رأيها السياسي في خطب صلاة الجمعة، بما يمثل تقريعاً بليغاً للطبقة الحاكمة الفاشلة في العراق.

قبل 2011، كان المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، يعلن مواقفه بواسطة إصدار البيانات عبر الموقع الرسمي. وكان آخر بيانٍ أصدرته المرجعية في فبراير/ شباط 2011، على إثر موجة غضب شعبية شديدة ضد الحكومة، وطالبت فيه السياسيين بالتنازل عن امتيازاتهم وإلغاء المناصب الزائدة، التي فتحت أبواباً واسعةً للفساد والامتيازات وتقاسم الغنائم. وهي دعوةٌ لم تلق آذاناً من السياسيين المتنفذين، فاستمروا يشرّعون لأنفسهم مزيداً من المنافع، فجاء الردّ من المرجعية بتحريم انتخاب من صوّت على تمرير قانون التقاعد للحصول على الامتيازات لنفسه.

لعبت المرجعية الدينية دوراً كبيراً في تاريخ العراق منذ مطلع القرن العشرين، وقادت ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، وقارعت أكبر امبراطورية استعمارية آنذاك، في وقت اختارت النخبة السياسية المتتركة الانتقال من المعسكر المهزوم (العثماني) إلى المعسكر المنتصر (البريطاني). كانت عملية تحويل البندقية من كتفٍ إلى كتف، بينما دعت المرجعية إلى حمل السلاح للتصدّي للاحتلال، وقدّمت وأنصارها التضحيات الجسام.

منذ الثلاثينيات، كانت المرجعية على احتكاكٍ بالحكومات العراقية بسبب سياساتها المجانبة للعدل والمساواة والإنصاف، وتصاعدت المواجهة مع استلام حزب البعث السلطة، في المرة الثانية (1968)، بمجيء أحمد حسن البكر، الذي أزاحه نائبه القوي صدام حسين في 1979، وتمّ التخلص منه نهائياً في 1982. وفي العقدين التاليين تعرّضت المرجعية إلى فترة امتحان عصيبة، من تضييق الخناق على الحركة وملاحقة رجال الحوزات، مراجع وعلماء وطلبة علوم دينية، إلى التصفيات الجسدية التي طالت المئات. ولم يكن يُسمح للمرجعية بإبداء رأي في السياسة الداخلية أو في الحروب التي دخلها صدام، بدءاً بحرب إيران والغزو العراقي للكويت، وانتهاءً بالغزو الأميركي للعراق.

بعد الغزو اختارت المرجعية البقاء بعيداً عن الساسة والسياسة، ربما لإيمان ديني عميق بأن السياسة مفسدة، ولا يأتي منها إلا الفساد، واكتفت بالتدخل المحسوب بدقة، وفي المفاصل الحيوية للوضع العراقي المستجد. فدعمت الاستفتاء على الدستور الجديد، ودعت للمشاركة في الانتخابات ليختار الشعب مساره ومصيره، وأيّدت تشكيل حكومة وحدة وطنية في 2005، دون أن تعطي شيكاً لأية قائمة انتخابية، أو تعلن تأييداً لأيٍّ من هذه الأحزاب.

طوال الأعوام الخمسة التالية، اكتفت المرجعية بالتدخل فيما يخص القضايا الكبرى، كالأمن والاقتصاد، وانتشار الفساد وتدهور الخدمات. وكان الساسة يمثلون دور المطيعين ولكنهم يفعلون أفعال العصاة المتمردين. وهو ما خلق فجوةً كبيرةً فصلتهم عن الناس، وأشاعت الإحباط وقوّضت الثقة بالطبقة السياسية التي ورثت صدام ولكنها لم تغيّر من شريعته. هذا الواقع انتهى بمشاهد الاحتجاجات الغاضبة الأخيرة، التي كانت تتويجاً لحالة الغضب الشديد التي تشعرها حين تزور العراق وتسمع مباشرةً من العراقيين.

منذ فبراير 2011، انتقلت مرجعية النجف من البيانات، إلى إعلان رؤيتها ومواقفها عبر خطب الجمعة، من خلال وكيلَيها في كربلاء السيد الصافي والشيخ الكربلائي. وتزايدت أهمية هذه الخطب منذ عملية «داعش» الانقلابية المفاجئة في يوليو/ تموز 2014، التي اجتاحت ثلث أرض العراق، وهدّدت وجوده كدولة، حيث بات الإرهابيون على بعد مئة كيلومتر من العاصمة بغداد.

هذا الزحف لم يوقفه إلا فتوى المرجعية يوم الجمعة (14 يوليو 2014)، حيث أعلنت الجهاد الكفائي لصدّ الغزاة، الذين باتوا يعلنون جهاراً نيتهم غزو المدينتين الدينيتين لـ «تصفية الحسابات»! وخلال أيام قلائل كان هناك 4 ملايين متطوّع من مختلف الفئات الشعبية، ممن تركوا بيوتهم وأعمالهم، وأزواجهم وأطفالهم، وجاءوا لصد «داعش» وإنقاذ العراق، وأخذوا مواقعهم سريعاً لإيقاف زحف هذا التنظيم الدموي ودحره. لقد لجأت المرجعية إلى قواعد العراق الشعبية باعتبارها السند الأكبر والحصن الأخير لوحدة البلد، بينما تفكّك الجيش الرسمي خلال يومٍ واحدٍ وتلاشى كالبخار، وسلّمت قياداته المحافظات دون قتال. كان ذلك نكبةً عراقيةً كبرى، لم تصحّحها إلا المرجعية بتدخلها في اللحظة الحاسمة، ليتغيّر بعدها مسار الأحداث.

اليوم، تعود المرجعية التي تمثل تاريخياً ضمير العراق، إلى الصمت، احتجاجاً وتقريعاً للسياسيين الفاسدين المتهالكين على المناصب، الذين انشغلوا بتقاسم الغنائم، وكانوا يخوضون «معركة الرئاسات الثلاث»، بينما كان أوباش «داعش» يهدّدون باقتحام مخادعهم في المنطقة الخضراء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4901 - السبت 06 فبراير 2016م الموافق 27 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 7:37 ص

      مرجعية تحدد متى تدافع عن عرضك و ارضك ؟؟ مرجعية تحرم ترشيح نواب !! اي شعب هذا الذي لا يمتلك حق التفكير و يتحرك كالربوت باوامر المرجعية !! سؤال واحد فقط , اذا المرجعيه بهذة القوة الجبارةالحاسمة التاريخية "اكتفت المرجعية بالتدخل فيما يخص القضايا الكبرى، كالأمن والاقتصاد، وانتشار الفساد وتدهور الخدمات" لماذا هذا حال العراق في ميادين الأمن والاقتصاد والفساد وتدهور الخدمات !! الجواب بسيط اما هي ليست قوة جبارة او هي جزء من منظومة الفساد

    • زائر 18 | 1:18 ص

      العرب ويلاه منا نحن العرب تركنا قضيتنا الأم واصبح همنا تدمير بلادنا بأيدينا. تركتنا القضية الفلسطينية طيب شيء راجع لكم.
      لكن تدمير البلاد العربية واحدة تلو أخرى بحجّة واهية فقط للهروب من الاستحقاقات الشعبية الداخلية كما فعل صدّام من حرب الى أخر ى الى ان تدمّر العراق.
      كلام المرجعية الحكيم لا يعجب البعض فقد نزلوا بشتمهم لأنهم ادوات تدمير وطالما ان المرجعية تدعو بالحكمة فإن البعض يوجعه بطنه

    • زائر 17 | 12:58 ص

      حين تكتب يا سيد عن المرجعية فإن هناك نفوس تحترق وتشتاط حقدا وكمدا وتراها تحاول بث سمومها وكذبها لكي تطفئ نار حقدها الدفين

    • زائر 15 | 12:55 ص

      لو ترك المراجع الحبل على الغارب لذهبت العراق في شربة مية وهذا ما تهدفون اليه انت وامثالك ولكن حامض على عينك ستبقى المرجعية صمّام امان لكل الأمّة

    • زائر 13 | 12:49 ص

      الجشع هو مرام الكثير من النفوس وما إن تصل هذه النفوس لهرم السلطة فلن يؤمن فسادها وشرّها لا فرق ان تكون هذه النفس شيعية سنية شيوعية دينية لا دينية كلها سواء هناك نفوس معينة همّها علفها . هذه النوعية من الناس وهم كثر هذا حالهم الفساد حين يصلوا لصناعة القرار.
      المرجعية قامت وتقوم بدورها لكن يبدو ان الماء غلب على الطحين في العراق فعلاوة على طبيعة البشر الجشعية هناك من يدفع مليارات لزيادة تخريب هذه النفوس من الداخل والخارج العراقي الكل يعمل على مزيد من التدمير في النفسية العراقية

    • زائر 12 | 12:40 ص

      كل بلاوي العراق الطائفية هي بسبب تدخل رجال الدين في السياسة يجب فصل الدين عن الدولة و منع رجال الدين من التدخل في الشأن العام

    • زائر 19 زائر 12 | 1:59 ص

      اي نعم

      داعش استولت على الموصل والأنبار بسبب رجال الدين والرواتب التقاعدية للنواب بسبب رجال الدين والفساد والتناحر على المناصب بسبب رجال الدين
      لولا رجال الدين لغرق العراق بعد تفجير مرقد العسكريين في محيط من الدماء والاقتتال الطائفي ولكن مشيئة الله وحكمة المرجعية حفظت العراق من كل هذا
      فالأفضل تروح تتلحف وتنام أحسن ليك من هالهرار

    • زائر 8 | 11:12 م

      لو انصفه العالم

      لتم اختيار السيد السستاني لجائزة نوبل للسلام. فهو الذي انقذ العراق من فتنة الحرب الاهلية وهو صاحب المقولة المشهورة:لا تقولوا السنة اخواننا بل هم انفسنا. اما الطائفيين فمازالوا حتى الان يريدون تقسيم العراق واثارة الفتن. كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله.

    • زائر 7 | 11:10 م

      اخر بيان صدر من المرجعية كان بخصوص فتوى الجهاد ضد داعش سنة ظ¢ظ ظ،ظ£

    • زائر 6 | 11:05 م

      الله يحفظ المرجعية

    • زائر 10 زائر 6 | 11:23 م

      دور المرجعية مهم

      كما ذكر الكاتب الكريم بأن دور المرجعية كان ولازال مهم لوحدة العراق فهي صمام أمان للعراق وشعبه وتبقي الكرة في مرمي الحكومة العراقية ان تترجم افعالها واقوالها للشعوب العراقي المظلوم وتخليص السراق والمفسدين والارهابيين / قوة العراق بلإلتفاف حول المرجعية الشريفة المقاومة / حفظ الله العراق وجميع شعوب المسلمين وبلدنا من كل سؤ يارب العالمين

    • زائر 1 | 9:50 م

      ليس صحيح

      "بعد الغزو اختارت المرجعية البقاء بعيداً عن الساسة والسياسة،" ليس صحيح فقد ايدت الغزو الامريكي للعراق. ..

    • زائر 2 زائر 1 | 10:10 م

      ...

      المرجعيه لم ترضى بالاحتلال عكس من ينادون بها في سوريا اليوم ولاكن لكم في اليوم عبره

    • زائر 4 زائر 1 | 10:26 م

      البينة على من ادعى

      إثبت ذلك. هل هناك كلام صريح او غير صريح في تأييد المرجعية للاحتلال او الدعوة له او الترحيب به؟ اذكر جملة او عبارة واحدة..... المرجع تصرف بمنتهى لحكمة. لم يأمر ولم يؤيد ولم يرحب. ترك العدوين المجرمين صدام والامريكان يتصارعان والتزم سياسة الحياد السلبي. لانها خلصت العراق من حكم الاجرام والدكتاتورية.

    • زائر 5 زائر 1 | 10:29 م

      الكذاب أنت

      كذبة أخترعتموها بنفس طائفي و حقد ينم عن قلب مريض. نعم الغزو الأميركي جاء ليزيل الحاكم الموضوع من قبل الإدارة الأمريكية المقبور صدام ليضع حاكما آخر فبائت خططهم بالفشل

    • زائر 11 زائر 1 | 11:27 م

      عجيب

      من اين كانت تنطلق الطائرات الحربية الامريكية ؟ هل من النجف وقم ام من الكويت والرياض؟ هل دعت المرجعية للجهاد من كل بقاع الارض كما فعلتم في سورية ام كانت حصراً على العراقيين؟
      ما لكم كيف تحكمون

اقرأ ايضاً