العدد 4905 - الأربعاء 10 فبراير 2016م الموافق 02 جمادى الأولى 1437هـ

«الفتاة ذات المعطف الأحمر» لكيت هامِر...قصة اختطاف أمٍّ لابنتها

كيت هامر
كيت هامر

في رواية «الفتاة ذات المعطف الأحمر» للروائية البريطانية كيت هامِر، وهي أول رواية لها، تلك التي تحكي قصة اختطاف أمٍّ لابنتها، استلهام لما سبق من أعمال ربما تحضر للوهلة الأولى بفعل العناوين أحياناً، ولكنها هذه المرة تنعطف بالعمل والشخصيات والزمن والأمكنة باتجاه آخر. هذه المرة لا يحضر الذئب البغيض في تنكره، ولا الغابة ولا الجدة التي نعرف. في غموض اختطاف فتاة تقوم به هذه المرة الأم! يمكن أن يلمس... يشعر أو يتعامل القارئ مع الرواية بصوتين؛ الفتاة الصغيرة... الأم، وثمة أصوات متعددة تجسِّدها بعض شخصيات الرواية.

كثيرة هي الأعمال الروائية التي لم تأتِ من ألِفها على يائها بفعل ابتكار أصحابها؛ إلا أن ذلك لم ينفِ القيم الجمالية والإبداعية التي تحتويها. في تناول بعض الأعمال من زاوية مختلفة، ربما من خلال فكرة... شخصية... مقطع حواري... النهايات، كل ذلك وغيره يمكن أن يلهم بعض الكتَّاب طرقاً لمفاجأة العالم بأعمال تكتنز بالذكاء والفطنة والقدرة على التعبير عن العالم، وهم هنا البشر الذين لا أحد يلتفت إليهم، أو هم خارج دائرة النظر والاهتمام، أو عدم الاقتراب من تلك العوالم. هنالك أيضاً القدرة على التقاط الحالات التي تعمل عملها في إحداث الصدمة والمفاجأة لدى القارئ، كما فعلت هامِر بالمسار الذي اختطه لأحداث روايتها.

العمل في عمومه، لا يتعامل مع الفقدان باعتباره حدثاً فردياً؛ إذ له تداعياته في المحيط الذي يتحرك فيه البشر المعنيون بذلك الحدث، وينعكس في صورة أو أخرى على مجمل سلوكاتهم وتصرفاتهم، وحتى نظرهم إلى العالم من حولهم.

ميتشيكو كاكوتاني، كتبت مراجعة يوم الاثنين (8 فبراير/ شباط 2016)، في صحيفة «نيويورك تايمز»، نورد أهم ما جاء فيها.

في تشابه العناوين/ الأعمال

يحضر التشابه في العناوين... الأعمال الفارقة تلك التي تتجاوز قيمتها من الداخل. تُشير كاكوتاني في مراجعتها إلى أن عنوان رواية البريطانية كيت هامِر، «الفتاة ذات المعطف الأحمر»، يُذكِّر بالكتب التي أخذت حظها من الحضور، وأحدثت وقْعاً فورياً؛ سواء في مبيعاتها ككتب، أو بعد تحوُّلها إلى عدد من الأفلام التي عالجتها، بدءاً بعنوان رواية الكاتب والصحافي السويدي ستيج لارسون «الفتاة ذات وشم التنين»، التي تروي قصة الصحافي بلومكفيست ومساعدته سالاندر وهما في مهمَّة لإماطة اللثام عمَّا حدث لفتاة اختفت منذ 40 عاماً في ظروف غامضة، والاحتمال الطاغي في أن تكون قد قتلت، والإيحاءات والإشارات التي تقود إلى العواقب التي ترتَّبت على الوشم، وهو الكتاب الأول في ثلاثيته المعروفة باسم «سلسلة الألفية»؛ حيث يضعنا الكاتب أمام شجرة عائلة تشرح العلاقات بين خمسة أجيال من عائلة فانجر. وباستثناء هدستاد، تجري أحداث الرواية في مدن سويدية حقيقية، مروراً برواية «فتاة القطار»، التي تبدأ بالشخصية الرئيسية (رايتشل) وهي في طريقها بعد أن أنهت عملها، مستقلَّة القطار، وتقضي وقتها مع المشروب الكحولي الذي عُرفت بإفراطها فيه، وخصوصاً أنه يوم عطلة. ترى من القطار زوجين في منزلهما. وكتحايل منها للتواصل مع العالم الخارجي تعمد إلى تأليف اسمين لهما وكذلك ابتداع حوار يدور بينهما. تحدث المفاجأة؛ إذ تختفي المرأة في حديقة المنزل، ويؤدِّي بها ذلك إلى الدخول في حال من الصراع: هل تُخبر الشرطة أم لا؟ عُروجاً إلى رواية الإثارة «فتاة غائبة»، للكاتبة الأميركية جيليان فلين، ونشرت في العام 2012، ودخلت قائمة «نيويورك تايمز» لأفضل الكتب مبيعاً. في الرواية ميِّزة تتحدَّد في عدم قدرة القارئ على التأكد من الشخصية الرئيسية، نيك دان، وهل قتل زوجته آمي دان. هنالك أيضاً رواية «الفتاة الصالحة»، ورواية دافيد إبراشوف «الفتاة الدنماركية»، وتتناول قصة من واقع الحياة للفنان إينار فيغنر، الذي كان واحداً من أوائل الذين أجروا عملية جراحية للتحوُّل جنسياً، وتم تحويل العمل إلى فيلم سينمائي أدَّى البطولة فيه إيدي ريدماين، وأليسيا فيكاندر، وأمبر هيرد، وماتياس شونارتس، وبن ويشا، وصولاً إلى رواية «الفتاة التي لديها ساعة في القلب» لبيتر سوانسون، والتي تتناول قصة رجل أخرق يكافح من أجل أن يحافظ على سرّه السابق الذي يشبه لغزاً.

لا استحداث في الحبْكة

الحبْكة الروائية في مُجملها ليست مُستحدثة (مُبتكرة)، فقد يستدعي اختفاء فتاة صغيرة بمعطف أحمر، تفسيراً مُتجاوزاً للطبيعة، وخارج قدرة نطاق العقل، كما يحيلنا ذلك ربما إلى فيلم المخرج والمصوِّر السينمائي البريطاني نيكولاس روغ الذي أطلقه في العام 1973 وحمل اسم «لا تنظر الآن»، ويبدأ بزيارة زوجين إلى فينيسيا في إيطاليا؛ حيث يقابل كل من الزوج جون، والزوجة لورا، شقيقتين غريبتا الأطوار، يبدو أنهما تعانيان من مشكلة نفسية، تخبر إحداهما لورا بأنها رأت روح ابنتهما باكستر التي ماتت في حادث غرق مؤلم، تتمسَّك لورا بالفكرة، في الوقت ذاته يقاومها جون بشدَّة، لكن يبدو أن جون يُعاني من أزمة نفسية أكبر بسبب وفاة ابنته. كما أن الصور الملتقطة للمعطف الأحمر، يُذكِّر بفتاة صغيرة فُقدت في فيلم ستيفن سبيلبرغ 1993 «قائمة شندلر»، الفيلم الذي يتناول قصة واقعية، فترة الحرب العالمية الثانية بألمانيا، حين يعمد صاحب الأعمال الألماني أوسكار شندلر (ليام نيسون) إلى حماية اللاجئين اليهود والبولنديين من نيْر النازيين، ونجح في إنقاذ أكثر من 1000 يهودي قام بإخفائهم في مصانعه، تزامناً مع قيام الهولوكوست (محرقة اليهود).

وتوضح كاكوتاني، بأن هناك سابقة أكثر قِدَماً وأكثر بدائية، من خلال مجموعة من الأعمال التي تمت الإشارة إليها.

فهم الشخصيات يصنع الفارق

ما يجعل «الفتاة ذات المعطف الأحمر» خارجة من عقدة المألوف هو فهم هامِر الشديد لشخصيتيها الرئيسيتين من بين مجموعة من الشخصيات في الرواية: كارمل وأمها المُحطَّمة، بيث، التي تقوم بعملية السرْد في الفصول بالتناوب؛ ما يُذكِّرنا بمسار رواية «فتاة غائبة» والسلسلة المبتكرة «The Affair»، بذلك التحرُّك الذي يُتيح الوقوف على رؤى الشخصيات. ثمة تجلٍّ، وإن كان فرْدياً بتصوير حالات من التعاطف وإبرازها، لكن ذلك يحدث بإتقان في تمرير العاطفة في جانبها المليء بالقسوة!

مُترعرعة في بلدة إنجليزية صغيرة، مُشرقة وحالمة هي كارمل، الطفلة صعبة المراس أحياناً، التي تشعر بأنها مصُونة من قبل والدتها التي تركها زوجها. تصف أم كارمل وغيرها من الكبار، الفتاة بأنها «مميَّزة»، من حيث خيالها الناضج... المزاج المتقلِّب، وبالنظر إلى المشاعر المفاجئة؛ كالهوَس باللون الأحمر على سبيل المثال. لا تكفُّ كارمل عن ازدراء الكبار الذين «كانوا يعتقدون بأنها مجرَّد فأر على الأرض بدماغ صغير. حدث ذلك عندما كانت طفلة.

تُخبرنا بيث بأن لديها هواجس تتحدَّد في أنها كانت على وشك أن تفقد كارمل منذ لحظة ولادتها. والآن بعد أن تركها زوجها «بُول» تعلُّقاً بامرأة أخرى، تنامى لديها ذلك الهاجس أكثر من أي وقت مضى؛ ما يدفعها في كثير من الأوقات إلى أن تكون يقظة ونصْب عينيها المحافظة على ابنتها - في سلوك «تملُّكي»، يدفع بكارمل إلى التسلل خارج البيت بعيداً عن عين أمها، بحثاً عن حريتها. في أحد الأيام، تصحب بيث ابنتها (كارمل) إلى أحد المعارض، وفي ظل حشْر من الناس داخل خيمة خُصِّصت للكتب، تختفي كارمل فجأة. يبلغها رجل غريب بأنه جدُّها الذي توارى منذ فترة طويلة، وأن والدتها تعرَّضت إلى حادث خطير، وعليها البقاء معه حتى تستعيد والدتها عافيتها.

الروابط المعقَّدة للحب

لا تُحيط هامِر روايتها من خلال الأحداث ببنية من التشويق فحسب؛ بل ترسم روابط معقَّدة للحب... حالات الانقياد والاستياء التي تربط الأم بابنتها. يؤكد انفصالهما حاجة بعضهما بعضاً، في حين تتم التورية على الذكريات المتوترة أحياناً، وكذلك العلاقة التي لا تخلو من نكَد بينهما.

كما هو الحال في الرواية المليئة بالترويع والخطابية في الوقت نفسه، تلك التي أصدرها الكاتب البريطاني إيان ماك إيوان في العام 1987 «الطفل في الوقت المناسب»، بما تقدِّمه من اختطاف فتاة، ذلك الذي يختزل كل مخاطر العالم... الأشياء الفظيعة التي يُمكن أن تحدث ليس فقط في الظلام أو الغابة المخيفة، ولكن أيضاً تلك التي تحدث في خضمِّ الحياة العادية، مثلما يأكل الآخرون أو يتركون نافذة مُشْرعة، أو مجرَّد ذهابهم الروتيني إلى حياتهم اليومية بحسب الأصول المُتبعة، ومسار الروتين الذي يختطونه لأنفسهم. وبالمثل، فإن حزن أحد الوالدين، ممن أصبح طفلهما في عداد المفقودين؛ حيث يتم نقل كل ذلك لنا بوضوح وصراحة ومن دون مواراة أو لجوء إلى الرمز، بأسلوب غير عاطفي أو تفاصيل تعجُّ باللعب على النفسية.

تلوم بيث نفسها لاختفاء كارمل، تُقحم نفسها في محاولات واحدة تلو الأخرى للبحث عنها، تتخيَّل حديثها عن ابنتها والتحامل على نفسها كل يوم للاستيقاظ كي تحافظ على نظافة وأناقة منزلها. مجرد محاولة للحفاظ على بعض النظام في العالم (على الأقل عالمها الخاص). يتيح اليأس فرصة كي يعود الأب والأم إلى بعضهما مرة أخرى، ولكن ليس كزوجين، بل كوالديْن غير قادرين على التوصُّل إلى تفاهم مع سر فقدان طفلتهما.

في الوقت نفسه، تتعثَّر كارمل، بالعالم الغريب والجديد لجدِّها. يستبدُّ بها الحزن على والدتها (والتي أخبرها جدُّها بأنها قضَتْ) في المقابل نجد أن والدها وبشكل جليٍّ تعوزه مصلحة ما في عملية العثور عليها. الجد يبدو كما لو أنه يمثِّل نموذجاً للواعظ الجائل، ممن يؤمن بأن كارمل تتمتع بموهبة خاصة بقدرتها على العلاج. يحوي الكتاب في أقسامه أكثر الأمور غير القابلة للتصديق وعلى قدر كبير من السماجة، أو تبدو خرقاء، كأن يقوم وصديقته دوروثي إضافة إلى بنات دوروثي، ميلودي وسيلفر، بطريقة أو أخرى، باقتياد كارمل بعيداً إلى الولايات المتحدة الأميركية، وينتقلون من مدينة إلى أخرى، ويزُورون تجمعات دينية، في محاولة لجمع الأموال من خلال إقامة الصلوات وترتيب جلسات الشفاء.

ضوء

يُذكر أن كيت هامِر ولدت في جنوب غرب بريطانيا، ونشأت في مقاطعة بيمبروكشير. حاصلة على شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية في جامعة أبيريستويث. كما درست تاريخ الفن في جامعة مانشستر.

فازت بجائزة ريس ديفيس للقصة القصيرة في العام 2011، وقد تمَّت قراءة القصة الفائزة عبر أثير راديو بي بي سي 4. عملت في قطاع الأفلام الوثائقية خلال أغلب مسيرتها المهنية؛ إذ أخرجت سلسلة أفلام تتناول أحد مستشفيات الأطفال لقناة «بي بي سي». تعد رواية «الفتاة ذات المعطف الأحمر» والتي صدرت في مارس/ آذار 2015، أول رواية لها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً