العدد 4905 - الأربعاء 10 فبراير 2016م الموافق 02 جمادى الأولى 1437هـ

البصر والبصيرة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل فترة قريبة نُشِرَت في المجلات والدوريات العلمية صورٌ فريدة للجانب المضيء من العالَم. وعندما أقول: مضيئاً فإنني أعني أن هناك جانباً مظلماً. والضوء والظلام اللذان أعنيهما هنا هما المتعلقان بعقول البشر وليس الحديث عن إشعاع كهرومغناطيسي أو انعدام ذلك.

دعونا نُعدّد تلك الصور لنرى المدى الذي وصل إليه العالم في أبحاثه في الطب والفضاء والفيزياء وغيرها من العلوم.

الصورة الأولى المنشورة هي التقاطة غريبة قامت بها طائرة فوق صحراء موهافي لموجات صَدمِيّة ناتجة عن دويّ طائرة أميركية نفاثة تخترق حاجز الصوت. التقنية التصويرية التي تمّ استخدامها من قِبَل باحثي وكالة «ناسا» للفضاء في ذلك هي التي تُسمَّى بتقنية: «شليرين» وذلك بهدف تتبع ورصد التغييرات التي تحصل في الضوء حين يمرُّ جسم بسرعة كبيرة «في أجواء مختلفة الكثافة».

الصورة الثانية استُخدِمت فيها بيانات تم التقاطها «عند موجات ميكروية وأطوال موجية دون الملِّيمتر» كما جاء وهي تعكس مشهداً يجمع سحابتيْن لمجرّتيْن مجاورتيْن لدرب التبانة، وهما اللتان تُسمَّيان بماجلان الصغرى وماجلان الكبرى. ومَنْ قام بذلك العمل هو القمر الاصطناعي الأوروبي بلانك.

الصورة الثالثة هي لرأس حشرة خنفسائيّة لإحدى سوس القطن بتقاطيعه كافة، بعد أن كُبِّرت عبر مجهر إلكتروني، حيث يظهر خرطومٌ مثبّت على هامة مسطحة يتدلى منها ما يشبه اليَديْن الخارجتيْن من منخريْن مُثلَّثيْن، بينما يظهر الجِلد وكأنه أرض بنتوءاتها كساها المطر ثم تيبّست.

الصورة الرابعة هي لنبات البَرْدِي، حيث تظهر أجزاءٌ حيوية منها لكنها تتشكَّل على هيئة جماجم افتراضية، حيث التقِطَت الصورة بعد مئتي محاولة تكبير. والمهم في ذلك هو رصد أذرع الخشب ونسيج اللحاء الابتدائيين المكونين للحزم الوعائية التي تُرى فيها سوائل ذلك النبات.

الصورة الخامسة هي عبارة عن معركة شرسة لفيروس ضخم يقوم بمهاجمة أحد الحيوانات الأوّلية ذات الخلية الواحدة، إذ تمت الاستعانة بعدة لقطات ثنائية الأبعاد قُدّرت بالمئات. والهدف من ذلك هو إثبات أن الأشعة «السينية القوية حرة الإلكترون تستطيع إعادة تكوين صورة مُجسّمة لفيروس عملاق، على رغم عدم قابليته للتبلور» على حد وصف دانيال كريسي.

الصورة السادسة التقطها (التليسكوب) العظيم في أميركا الجنوبية وبالتحديد في تشيلي، وهي لسديم غير منتظم من عمق الكواكب يُسمَّى «سديم البومة الجنوبي» قامت بتشكيل نثار متوهّج لأحد النجوم التي تشارف على الهلاك أو التفتُّت ثم التلاشي.

الصورة السابعة تعكس الدقائق الأولى للحظة اقتراب مسبار نيو هورايزونز من كوكب بلوتو، حيث تظهر أجواء باردة مهيمنة مع إطار شمسي يحيط بالكوكب متناثر الضوء بهدوء، مع جانب «هلالي» يغطي الجانب الأيمن منه، في حين تبقى أجزاؤه عبارة عن ظلام دامس في أغلب قِطره الداخلي.

الصورة الثامنة، فهي عبارة عن جَسَدَيْن آدميين مع أجزاء متفرقة منهما من قبيل الرأس والكفيْن والقدميْن وذراع، تغطيها ألوان متعددة، أبرزها اللونان الأصفر والأزرق الفاتح حيث تُحدِّد جميع المواد الكيميائية والميكروبات التي تغطّي 400 موضع من جلودهما، لشخصين صحيحي البدن تبرعا بأن يمتنعا عن الاستحمام مدة ثلاثة أيام، حتى يتسنى رصد كل ذلك.

أما الصورة التاسعة والأخيرة فهي عبارة عن خطوط طولية داكنة على جدار سميك من المريخ، عُدَّت أحد أهم الأسباب التي تُثبت أن هناك سوائل ملحية على سطح الكوكب. وكان ذلك من مجهود «ناسا» لتوثيق صورة عالية الدقة ستقدم معلومات وافرة للعلماء حول أسرار الكواكب.

الحقيقة أنني وحين شاهدت تلك الصور وتفصيلاتها غمرتني السعادة وأنا أشاهد مثل هذه الجهود العلمية الجبارة، التي يقوم بها علماء أفنوا أعمارهم في خدمة البشرية، وللتوصل إلى نتائج تعينهم وتعين الأجيال القادمة على اكتشاف ما يحميها ويزيدها أمناً بفعل التقدم.

لكنني وحين تذكرت الجانب الآخر من هذا العالم أُصِبْت بالكَمَد وأنا أرى الحيّز المظلم فيه. ففي الوقت الذي نشاهد فيه تلك الابتكارات والنتائج العلمية المرموقة نشاهد أيضاً صوراً للدمار والقتل، بل وللتفنن في إزهاق الأرواح، تارة بالذبح أو السَّحْل وتارة بالسيارات المفخخة، سواء في العراق أو سورية أو ليبيا أو مصر أو غيرها من البلدان. فعند أؤلئك التقدم وعند هؤلاء التخلف.

شتّان بين تلك الصور وبين هذه الصور. هو يعكس الفروق الفردية في كل شيء: في التفكير والضمير والمشاعر وبوصلة الاهتمام. والأهم هو الاختلاف في الهموم! وهو حجر الزاوية في كل شيء. فحين يكون همُّك أن تكون عالِماً فالأغلب أنك ستصبح كذلك. وإذا كان همُّك أن تكون انتحاريّاً فإنك حتماً ستكون كذلك، وهنا المصيبة.

عندما كنتُ أقرأ عن سيرة جيف توليفسن كشخصية بارعة في شئون المناخ أو عن ديفيد سيرانوسكي كعالِم أحياء وأجِنَّة بشرية، أو عن آلان ستيرن كعالِم كواكب أو عن جينان باو كمهندسة كيميائية كنتُ أتحسّر على الشباب الذين يذهبون في معارك الدّم الغزيرة التي لا يؤطرها عنوان ولا معنون صحيح ولا سليم، بل بأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة. شباب في أعمار الزهور يَقتلون ويُقتلون وكأن العبث قد أخذهم إلى مديات لا يصدقها العقل.

وربما لو وجّهوا كل هذه الطاقة التي يملكونها نحو بناء مستقبلهم بشكل إيجابي لرأينا الكثير على رغم الألم والفاقة. فـ «أقصى الآمال تولد من أقصى الشقاء»، كما كان يقول برتراند راسل.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4905 - الأربعاء 10 فبراير 2016م الموافق 02 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:39 ص

      (يتبع) العراق وبعده جاء دور سوريا ، الدولة التي نجت حتي الان هي إيران .. الشئ المشترك بين الدول الآنفة الذككر انها حاولت ان تستغل عن الهيمنة الغربية وتصنع بلدانها ولكن هناك من يرفض هذا التوجه جملة وتفصيلا

    • زائر 4 | 8:38 ص

      يا أخ محمد لا ينقص سكان العالم العربي من خليجه شرقا الي محيطه غربا اي شيئ ليبدعوا حالهم حال الامم الاخري لو (وان لو تفتح عمل الشيطان) تركهم الغرب والشرق كذلك في حالهم ولم يتدخل في شئونهم الحياتية بل ولم يات باسطيله وجحافل جيوشه الي ديارهم ليدمرهم ويحتل اراضيهم ان استطاع ..عندما حاول محمد علي باشا التصنيع تم تدمير قواته ، وعندما حاول عبدالناصر تعرض للهجوم الثلاثي وفي الهجوم الثاني عام النكسة كانت الضربة القاصمة وكذلك عمل صدام علي النهوض بالعراق والتصنيع ولكن استدرج الي الحرب مرتين وكانت نهاية

    • زائر 3 | 2:08 ص

      بماذا نجازيهم؟؟؟؟

      يصنعون لنا الادوية ووسائل النقل ويكتشفون لنا ما أسرار الكواكب ثم نجازيهم فتكفيرهم!!!!

    • زائر 1 | 12:03 ص

      حلو.. يا ريت لو تشاركنا موقع هذه الصور ونشوفها..

اقرأ ايضاً