العدد 4929 - السبت 05 مارس 2016م الموافق 26 جمادى الأولى 1437هـ

عباقرة الغناء الصغار

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لم أكن أتصور أنه يوجد لدينا هذا الكم المميز من المواهب لأطفالنا الصغار في وطننا العربي، المدفونة ما بين الطين والصحراء، ورماد الصراعات المذهبية والحروب.

ولم أكن لأدرك أيضاً أن لدى فنانينا من القُدرات الجبارة لتدريبهم وفي غضون أيامٍ قلائل، لتؤهلهم لأن يكونوا نجوماً عالميين وبكل جدارة؛ لكنني أراني جازمة بحقيقة ٍواحدة بأن شعوبنا جبارة بإمكانياتها الفردية لصنع المعجزات، إذا ما أعطيت لها الفرصة والقليل من العناية.

ومع ذلك فهي لا تحصل إلا على أقل القليل منها، وتحفر في الصخر، وتعيش في الجحور مقارنةً بالدول الأخرى المتقدمة، والتي تربي وترعى أبناءها الموهوبين، وتنشئهم وتتمتع بنتاجهم كما ترعى الضِعاف من محدودي الذكاء، خير رعاية وتجعلهم فاعلين لخير مجتمعاتهم... أين نقف نحن بحدودنا العربية الجبارة والممتدة؟

لكن على رغم وضع بعض القنوات الموارد والعناية المتواضعة لهم تمكنا من بعض التفوق، وأن نكّون عوالمنا الإبداعية بالإمكانيات والفرص المحدودة هذه وبكل فخر.

أقول هذا الكلام وأنا أتابع (the voice kids on Mbc) الذي يساهم في تشجيع الأطفال الموهبين على الغناء من عمر السادسة إلى الثالثة عشرة.

لقد دمعت عيناي فرحاً، وأنا أستمع لأصوات غضة، وهي تقلد أعتى المطربين في حاضرنا وماضينا، أطفالٌ في عمر الزهور يرتجلون على المسرح بدايةً، ودون أي تدريب يغردون بأصوات مخملية عذبة، لا يمكن تصور أن تكون لطفلٍ أو طفلة بالكاد عاشوا سنواتٍ قليلة ينطقون الحروف، وإذا هم يحفظون الألحان والأغاني ويطلقونها عبر الشاشات كالملائكة القادمة من عالم آخر، وبكل ثقة وإصرار على إعجاب الجمهور واللجنة المنظمة، وثم تُختار منهم بعض المجاميع، والتي توضع مع بعضها بعضاً، لتكون فريقاً ينتمي إلى أحد الفنانين الثلاثة، وهم في هذا الموسم (كاظم الساهر ونانسي عجرم وخفيف الدم ثامر حسني) والذين يقومون بصقل تلك الموهبة بفترة قياسية، وبتدريبهم على الأصول الموسيقية من نوتة الأداء إلى متابعة مخارج الكلمات، إلى حركة الجسد أثناء الأداء، وخلالها يزداد إتقان هؤلاء للغناء، ويصبحون عباقرة صغارا، ويعودون بعد عدة أيام للغناء وللمنافسة من جديد، ولا يمكنكم تخيل تلك الروعة والجمال والحيوية النابضة من خلال تلك القامات الصغيرة، وغناءهم للمقامات الصعبة، والنوتات التي تصعب حتى على المتمرسين من المغنين، والتي تكون مشحونة بالعواطف، والحركة الجسدية المعبرة، والعيون والأيدي، وعن كل خلجة حزن أو فرح أثناء الأداء، وفي جمالِ يأخذ الألباب.

لقد وجدت عيوناً تلمع ذكاءً أثناء الغناء، وقلوباً متوهجة حبّاً ولا أدري كيف استلهموها وهم لم تنضج مشاعرهم الروحية والجنسية الغضة بعد؟ وملؤهم الرغبة في التعبير قد تنسينا أنهم أطفالٌ صغار، وعلى مسرحٍ تجريبي (تدرك خلالها عظمة الخالق) وكيف أنه وضع سره في أضعف خلقه!

لم أكن لأتخيل أن هؤلاء الصغار بإمكانهم أن يَضْحوا عمالقة، وهم واقفون على خشبة المسرح بكل جرأة وحميمية قد تتفوق على أعتى المطربين في الأداء، وأعجبت وتعجبت وكيف أننا بالقليل من الجهد المنظم والمدروس، وفترة قياسية تمكنا من إخراج هؤلاء العباقرة وفي المراحل المتقدمة هذه، كما توجد برامج أخرى تساهم في إظهار المواهب من التمثيل والرقص والموسيقى، وترينا الفضائيات أيضاً إبداعاتٍ أخرى!

وجلست لأتفكر كيف بالإمكان مع هذه التدريبات المتواضعة أن نرى كل ذلك التميُّز، فمابالك لو أننا فتحنا المدارس المتخصصة والمدعومة من قبل الدولة والأفراد مشتركين لاستقطاب وتدريب الموهوبين ولتحقيق النتائج الجبارة لنفتخر بهم في أوطاننا؟ والمعروف أن معظم الاطفال يولدون بمواهب مختلفة منذ ولادتهم، وبعد تعلم النطق وقد تكون مباشرة وبالامكان صقلها وتنميتها وتصل إلى ذروتها في الثامنة من العمر، وأحياناً تختفي بعد سن السادسة؛ لكنها إذا لم تُنمَّ قد تختفي تماماً.

وسؤالي هو: ماذا عن العلوم العامة والتكنولوجيا الكمبيوترية الحديثة وما فيها من إبداع أين نقف من حضارة العالم، ألا تعتقدون أنه يوجد الكثير من المواهب المدفونة بين دكاكين مدارسنا النمطية الحكومية والمدارس الخاصة الربحية والتي تُخرج أشباهاً نمطيين كل همها هو التواجد الجسدي في الحياة والتكاثر ودون أية أسس للإبداع أو لعمل التغيير لعدم وجود الإمكانيات أو الحوافز المدروسة لجذبهم او تهيئتهم للاختراعات او حتى الإلهام له؟! كما رأيناه لمبدعينا الصغار إذا ما أعطيت لهم الفرصة، وكيف تم تحويلهم إلى بلابل مُغردة، أما آن الأوان لبذل بعض الجهد لعمل مختبراتٍ حديثة، وإيقاظ الملكات المدفونة في دواخل أبنائنا، إنها لأجيال المستقبل الواعد، ولإعادة أمجادنا العربية من المغني زرياب وغيره فهل لنا ببعض الاستثمار بهم علنا نرى بينهم Bill gate أو اينشتاين عربي أو... آه كم أتمنى ذلك.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4929 - السبت 05 مارس 2016م الموافق 26 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:49 ص

      بين السطور

      يبقى الاهتمام يشاطر الحب نصفه ولكن الاجمل هو الإنصات الجميل ... فتمخض بولادة مقال رائع من كاتبه متمكنه في تلمس وقراءة مابين السطور ..

    • زائر 1 | 8:39 ص

      تعبير شيق

      مقال يعبر عن الطفوله وروائعها حينما يحصلونوعلى الاهتمام

اقرأ ايضاً