العدد 4929 - السبت 05 مارس 2016م الموافق 26 جمادى الأولى 1437هـ

نوابنا... كيف تحولوا من المساعدة إلى المنافسة؟

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

تحدثني نفسي كثيرًا عن بعض الأخبار التي تسبب لها حيرة بالغة ترفض معها تقبّل هذه الأخبار، سواء منطقيًّا أو عمليًّا أو وطنيًّا.

ولعلَّ أبرز ما دار في ذهني هذا الأسبوع هو مسألة الرواتب التقاعدية للنواب والامتيازات الأخرى التي يحصلون عليها، أو تلك التي أصدروا تشريعات لأنفسهم للحصول عليها، وفي الحقيقة لست وحدي من أراها دربًا من دروب استغلال الوطن والمواطنين، وأنانية مفرطة في تغليب مصالحهم على مصالح باقي الشعب البحريني... فرئيس مجلس الشورى السيد علي الصالح ونائبه الأول جمال فخرو وربما قلة من أعضاء المجلسين أصيبوا بحالة الرفض، كما أن الكثير من كبار العائلات البحرينية والتجار والأعيان على نفس حالة الرفض لمبرر هذه الأفكار والقرارات... وأشهروا اعتراضاتهم على هذه القرارات غير المستساغة بالمرة.

فكرة أن شخصاً، مهما يكن عمله وجهده (وجميعنا يرى النواب ومستوى أدائهم في هذه الدورة) يحصل خلال 4 سنوات على امتيازات لا يحصل عليها المواطن البحريني إلا بعد 45 سنة من العمل والكد، على رغم أن هذا المواطن قد يكون طبيبا أو مهندسا أو ضابطا أو جنديا أو معلما أو صحافيا أو غير ذلك من المهن التي لا تقل أهمية عن دور النائب في بناء الوطن وتطويره، فأعتقد أن هذا قمة الظلم للمواطن وللوطن بالتبعية.

نائب يقضي 4 سنوات في البرلمان يحصل على راتب تقاعدي أكثر من 3 آلاف دينار، وهو تقاعد لا يحصل عليه موظف عادي قضى أكثر من 45 عاماً في الخدمة!!

علما بأن النائب نفسه قد يكون لديه تقاعد من جهة أخرى، وعدد كبير منهم ينطبق عليه ذلك... كما أنه يحصل على مكافأة نظير خدمته بالمجلس وليس راتبًا، وبالتالي هناك خلل واضح في منحه راتبًا تقاعديًّا عن فترة وجيزة من العمل يحصل خلالها على مكافأة!

النائب نفسه الذي قضى 4 سنوات في البرلمان - ربما قد أدى فيها وأحسن الأداء، وربما قد أساء أو لم يؤد الدور المطلوب منه - لم يكتف هذا النائب بالحصول على جواز سفر خاص له لوحده بل أصدر تشريعا تحصل بموجبه أسرته كاملة جوازات سفر خاصة، ما هذا الإسراف في الفعل والتشريع؟ ماذا فعل أبناؤكم وزوجاتكم للوطن حتى يحصلوا على جوازات سفر خاصة دون باقي أبناء شعب البحرين؟ هل هذه دعائم العدل والمساواة والخدمة التي تقدمونها للشعب الذي انتخبكم!! أمر في منتهى الغرابة والعجب ولا يوجد له مثيل في العالم أجمع!

بدلاً من أن يقول النائب مثلي مثل الناس، ويرفض الجواز الخاص، ويحمل جوازًا عاديًّا كباقي الشعب ليستشعر حياة الناس العادية، وما قد يصادفونه من مشاكل فيتلمسها ويحلها، راح يشرع الامتيازات الواحد تلو الآخر لنفسه ولزوجته ولأبنائه ويبدو أنهم لو طالوا لفعلوا لباقي العائلة!

حالة الاستغراب من التصرفات التي ليس لها مثيل لم تقف عند هذه الحدود، وبدلاً من أن يساعد النواب التجار وأصحاب الشركات في أعمالهم، صاروا منافسين لهم في أرزاقهم، لست معترضًا على أن النائب يكون تاجرًا أو يدير عملاً خاصًّا، فهذا ربما يكون عمله من البداية (على رغم أنه الآن يحصل على مكافأة كبيرة نظير كونه نائبًا في البرلمان)، لكن الأمر والأدهى من ذلك هو استفادة النائب من مكانه في الحصول على تراخيص أعمال ومهن قد يسعى المواطن العادي إلى الحصول عليها في سنوات ولا يحصل.

لكن البعض للأسف يذهب إلى الوزراء وفي يده الطلبات الخاصة والسجلات والرخص التي قد تكون متوقفة منذ سنوات، هذا لنفسه وهذا لزوجه وبعضهم لأبنائه وأقاربه، شاهرا أمام المسئولين قوة سلطاته، فتجد النائب لديه «ما لذَّ وطاب» من السجلات التي قد يصعب على التجار الحصول عليها!

أنت كنائب هل سألت نفسك يومًا... كيف تطالب الشعب بأن يتحمل رفع الدعم عن اللحوم والدواجن وزيادة سعر البنزين والبعض زاد عليه سعر الكهرباء والمياه أيضاً، وتأتي أنت لتحصل لنفسك على جميع هذه الامتيازات؟!! فهل دخلت المجلس لأجل هذا؟!

الدولة نفسها كيف توافق على منح النائب جميع هذه الامتيازات؟!! راتب وسيارة وكذا وكذا ثم تقاعد بهذا الشكل، من أين أتيتم بهذه الأفكار؟؟ لوردات لندن وبارونات أميركا لا يحصلون على مثل هذه الامتيازات الخيالية، في الدول العربية من هم أغنى من البحرين ومن هم أكثر خبرة في هذا المجال لا يفعلون ذلك ولا نصف ذلك، ولا أعتقد أن نواب البحرين يقدمون أداء خيرا منهم ولا هم أكثر من أولئك علمًا وثقافة وخبرة، ولا نحن أغنى من بريطانيا وأميركا!!

ثم إنَّ الفكرة نفسها في غاية العجب... شخص ينتخب من الناس للدفاع عن مصالحهم ورقابة الجهاز التنفيذي للدولة، فيذهب يشرع لنفسه دون باقي الشعب الذي انتخبه، قوانين تمنحه امتيازات لا أنزل الله بها من سلطان، تفوق ما يحصل عليه موظفو الدولة وهو ليس بموظف ولا يفترض له أن يكون!

كم ستكلف هذه الرواتب خزينة الدولة شهريًّا؟ وهل هي دستورية بالأساس؟ وما حجم الإرهاق المترتب على صندوق التأمينات الاجتماعية من جراء هذه الرواتب التقاعدية؟ وما مدى تأثير ذلك على رواتب التقاعد لباقي موظفي وعمال البحرين من البسطاء ومتوسطي الحال؟

ثم إن الفكرة نفسها تقضي على حماسة النائب، وسعيه إلى العمل الجاد؛ لأنه بذلك سيضمن تعويضًا وراتبًا تقاعديًّا سواء أدى وأنجز أو لم يؤد ولم ينجز، أما إذا كان أداؤه وعمله في خدمة أبناء دائرته هما المنفذ الوحيد لاستمراره كنائب في الدورات النيابية القادمة، فاعتقد أن أداءه سيختلف كثيرًا عما لو ضمن الراتب التقاعدي في جيبه بجميع الأحوال!

كل هذا في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من تبعات الوضع الاقتصادي وانخفاض سعر النفط، وتتجه إلى خفض النفقات ورفع الدعم... فكيف لي كمواطن أن أقتنع بهذه الإجراءات، وسيادة النائب يمنح لنفسه وأسرته الامتيازات الواحد تلو الآخر؟! ابدأوا بأنفسكم حتى نتبعكم، كونوا قدوة لنا إذا تعذر عليكم أن تدافعوا عن مصالحنا.

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 4929 - السبت 05 مارس 2016م الموافق 26 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 10:31 ص

      للاسف ان من بداء العمل البرلماني في بداية تاسيسة لم يقف على هذه المخصصات ولم يرفضها ولم يطالب بالغاءها وللاسف ان اي بداية خطاء تتطور لتسير بطريق الخطاء والان عندما نقف على هذه النقاط علينا الا نحاسب من استلموا بعد الذين اسسوا هذه الخطوات وانما نحاول تقنينها على وللاسف البدايات هي التي تضع حجر الاساس وليس ما بعدها واعتراضنا الان كمن يعترض على الطفل الذي انجب بالخطاء الى متى سنظل نفتعل الاسباب ونبكي عليها

    • زائر 9 | 6:50 م

      تسلم الايادي

      مقال في الصميم

    • زائر 8 | 9:19 ص

      من أروع ما تم كتابته في هذه الفترة الحرجه ،،المقال جرئ واصاب عين الحقيقة ويتطلب القراءة المتأنية.

    • زائر 7 | 9:17 ص

      يمشي الـفـقـير وكـل شيء ضـده ** والـناس تغـلق دونـه أبـوابها
      وتراه مبغوضــــاً وليـس بمـذنب ** ويرى العداوة لا يرى أسبابها
      حتى الكــــــلاب إذا رأت ذا ثروة ** خضعت لديــه وحركت أذنابها
      وإذا رأت يـوماً فـقـــــيراً عابـراً ** نبحت علـيـه وكشّـــرت أنيابها /منقول

    • زائر 6 | 6:38 ص

      عساك سالم يا بن سلوم

      مقالك هذا رائع شعب البحرين جميعا يبصم عليه بالعشر ﻻكن ....ما اعتفد يقرأون الموضوع ﻻنهم ليس لديهم احساس فقط همم الفلوس والجاه .....بصوتك تقدر .

    • زائر 5 | 3:54 ص

      مقال أصاب كبد الحقيقة واستشعر عمق الألم والحسرة على نواب فضلوا مصالحهم ومصالح عائلاتهم على مصالح الناس الذين نصبوهم في هذه المناصب ليقوموا بواجب خدمتهم، فهذا منصب يفترض أن يكون منصب تكليفي لا تشريفي ولكن ما نراه هو عكس ذلك للأسف الشديد. نشكر الكاتب على هذه المقالة الجميلة ونتمنى من النواب الوقوف وقفة تأمل فيما كتب والرجوع لرشدهم.
      ع.ع.

    • زائر 3 | 12:05 ص

      يمكن لأن اعضاء الشورى شايفين خير وبعضهم تجار ونعمه يعني اذا مو مليونيريه فهم نص مليونيريه. فماهم محتاجين معاشات تقاعديه مبالغ فيها
      بينما معظم النواب منتفين ويبون يطلعون من هالمجلس بچم ربيه ولو على حساب الوطن وهالفقير.

    • زائر 2 | 11:41 م

      اصبت كبد الحقيقة يا أستاذي الفاضل !!
      ولكن لا حياة لمن تنادي :-(

اقرأ ايضاً