العدد 4932 - الثلثاء 08 مارس 2016م الموافق 29 جمادى الأولى 1437هـ

النظام السوري بين الشرعية الدستورية والشرعية الدولية

رضي السماك

كاتب بحريني

غداة تعيين داغ همرشولد (ثاني أمين عام للأمم المتحدة)، وحيث مازال شبح كارثة هيروشيما النووية المُرعب مخيّماً على عقول وأفئدة الساسة والمثقفين والشعراء، صرح قائلاً: «ليس هدف الأمم المتحدة أن تجعل البشر يعيشون في جنة على الأرض، بل إنقاذهم من الجحيم»، لكن كم من جحيم عانت البشرية، منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها واُنشئت المنظمة الدولية، من حروب أهلية وإقليمية ومجاعات ناجمة عن انعدام العدالة الاجتماعية؟ لعل من يرصد آثار وتبعات هذه الكوارث طوال السبعة العقود الماضية منذ تأسيس المنظمة الدولية سيجدها تفوق مآسي وأهوال الحربين العالميتين معاً، وها نحن شهود معاصرون على فصول مأساة دامية لواحدة منها ألا وهي الحرب الراهنة في سورية.

على أن جحيم هذه الحرب ما كان ليحدث ألبتة بهذه البشاعات والأهوال لو التزمت الدول الكبرى الغربية المهيمنة على صناعة القرار الدولي بسياسة عقلانية رشيدة منذ بدايات الأزمة في ربيع 2011، ولم تدس أنوفها، إلى جانب قوى أخرى فيها، بتقديم كل أشكال الدعم المالي والسياسي والإعلامي العسكري واللوجستي للجماعات الإرهابية والمتطرفة لمراهنتها على إسقاط الرئيس بشّار ونظامه بأسرع وقت وبأي ثمن، ولم تتنبه أن طبيعة الأنظمة الشمولية وقادتها في عالمنا العربي ليست واحدة ومتماثلة.

فنظام بن علي التونسي ليس هو كنظام مبارك، وهذا النظام ليس كنظام علي صالح، وهذا الأخير ليس كنظام بشّار.

لكنَّ تلك الدول الكبرى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تأخذ كل ذلك في الحسبان، ولم تدرك خطأ حساباتها الجسيمة في الأزمة السورية، إلا بعد استفحال الأعمال الإرهابية وانتقالها إلى الداخل الأوروبي، عندها أبدت الدول الغربية تراجعاً خجولاً متفاوتاً في صراحته من الأزمة السورية ومن اشتراط رحيل الأسد مسبقاً.

لايختلف اثنان متوافقان في الرؤية على الحد الأدنى من المعايير المبغي توافرها في أي نظام سياسي يمكن يستحق بـ «الديمقراطي» بأن نظام بشّار الأسد «شمولي» يفتقر إلى الشرعية الدستورية الشعبية المنتخبة، لكن هل الذين يشترطون إزاحته لانتفاء نظامه من هذه الصفة يحترمون القوانين والأعراف التي أرسوها للعلاقات الدولية منذ تأسيسهم الأمم المتحدة؟ ومنها احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، واحترام حسن الجوار؟ ومادام ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية لم تضع شروطاً لهذا الاحترام، أكانت الدول ذات السيادة والعضوية في الأمم المتحدة تتمتع بالحد الأدنى من تلك المعايير الديمقراطية أم لم تتمتع، فلا يحق إذن، لأية دولة عضو في المنظمة الدولية، كبرى أم صغرى، منح نفسها حق انتهاك تلك القوانين والأعراف الدولية والتدخل في شئون الدول الأخرى، وخاصة حينما يحدث هذا الانتهاك وفق سياسة انتقائية بحتة تقوم على المصالح والمحاور والأحلاف.

ولو افترضنا وجود اتفاقية دولية تسوّغ هذا التدخل بناء على معايير جامعة مانعة متفق عليها للقيم الديمقراطية المعاصرة وتشترط توقيع أية دولة عليها مسبقاً، كشرط أساسي من شروط قبولها في الأمم المتحدة، لوجب طرد ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لانتفاء هذا الشرط في نظمها السياسية. ومادام الأمر كذلك فعلى الذين يضعون شرط رحيل الدكتاتور بشّار مقدماً لأية تسوية، أن يعلموا أن نظامه مازال يتمتع بالشرعية الدولية ومازال موجوداً على واحد من كراسي الأمم المتحدة ممثلاً في مندوبه بشّار الجعفري، فكيف لهم أن يطالبوا برحيله وهم لا يستطيعون طرده من نيويورك داخل المنظمة الدولية؟ فليصلحوا حال الأمم المتحدة ويجعلوها منظمة دولية ديمقراطية بكل معنى الكلمة، ودون امتياز حق (الفيتو) في التصويت للدول الخمس الكبرى، كما في مجلس الأمن، وعندها فقط يحق لهم التدخل بتفويض دولي من المنظمة الدولية في شئون أية دولة تحيد عن المعايير الديمقراطية وعن حقوق الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4932 - الثلثاء 08 مارس 2016م الموافق 29 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:42 ص

      الشرعيه السورية والدستور

      على ماذا تتأمورن أيها العرب خربت الدول العربيه والاسلاميه لأرضاء الحكومات المتصلبه خربت العراق وسوريا وليبيا لماذا قتلتم شعوب وهجرتم شعوب بأكملها لأجل نَفَر واحد يقتل اكثر من ٥ مليون مسلم في دول اسلاميه لماذا هذه الحروب والخراب في دول اوربيه على سبيل المثال روسيا مع أوكرانيا واسترجاع جزيرة القرم وأعادتها الى روسيا لم تحدث حرب وتهجير من قبل روسيا إنما ارضاء روسيا وابعادها من شبه الحرب الروسيا عقول تعمل بذكاء وليست فرض الحرب وقتل الأبرياء لماذا هذا التدمير لبلاد المسلمين حرمان قتل طائفيه

    • زائر 1 | 12:15 ص

      لكن هل الذين يشترطون إزاحته لانتفاء نظامه من هذه الصفة يحترمون القوانين والأعراف التي أرسوها للعلاقات الدولية منذ تأسيسهم الأمم المتحدة؟ ومنها احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شئونها الداخلية، واحترام حسن الجوار؟ اقول اذا كان الرئيس قاتل للشعب عن أي شرعية تتحدثون، تصور اذا الرئيس قاتل اهلك جميعاً ماذا ستفعل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اقرأ ايضاً