العدد 4951 - الأحد 27 مارس 2016م الموافق 18 جمادى الآخرة 1437هـ

لويس عوض: النقد الأدبي الصحافي محدود القيمة الفكرية

في حوار أُجري قبل 40 عاماً في «الدوحة»...

طه حسين  - لويس عوض - سلامة موسى
طه حسين - لويس عوض - سلامة موسى

قبل أربعين عاماً من اليوم، ومجلة «الدوحة» تشكِّل علامة فارقة من بين عدد محدود من المطبوعات الثقافية العربية، إلى جانب «العربي» الكويتية، وغيرها من المجلات المصرية الرائدة والفاعلة، أجرت «الدوحة»، حواراً مع المفكر والكاتب والأديب والناقد المصري لويس عوض، من خلال الصحافية فيفي العريان وتحديداً في مايو/ أيار 1976، حمل عنوان «النقد الأدبي الصحافي محدود القيمة الفكرية»، تناول فيه أزمة الكتاب أيضاً، والثقافة عموماً.

ظل وما يزال لويس عوض (1915-1990)، واحداً من الأسماء المهمة والفاعلة في تاريخ الثقافة والأدب العربي، طوال عقود. أتاح له تلقي التعليم في أهم جامعتين في العالم: كامبريدج، التي نال منها درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي في العام 1943، وجامعة برينستون التي حصل منها على شهادة الدكتوراه في العام 1953؛ علاوة على ممارسته التدريس في جامعة القاهرة لسنوات، وترؤسه لقسم اللغة الإنجليزية، من دون أن ننسى ممارسته للعمل الصحافي في الوقت نفسه، حين ترأس القسم الثقافي في صحيفة «الجمهورية». أتاح له كل ذلك مركزاً ومكانة مهمة في المشهد الثقافي والأدبي العربي مازالت قائمة حتى اليوم

كم من المعرفة ونوع أيضاً أتاح له قدرة على خوض سجالات أتاحت فرصاً لتعميق الأفكار وتداولها، ضمن مناخ فكري كان منفتحاً، ولم يكُ يعاني من عُقَد كالتي ترسَّخت اليوم في الكثير من البيئات الثقافية العربية، وخصوصاً تلك التي كانت تمثل الواجهات والعواصم: القاهرة، بيروت، بغداد، ودمشق.

كتابه الأهم «فن الشعر لهوراس»، الذي أصدره العام 1945، وكان ضمن المناهج المعتمدة في الجامعة، ذلك الذي يتضمن الأسس الأولى للمنهج التاريخي في النقد. وعلينا ألَّا ننسى هنا كتابه الذي لا يقل أهمية «تاريخ الفكر المصري الحديث» و «مقدمة في فكر اللغة العربية»، وغيرهما عمَّقا حضوره ومكانته. وقبل أن يرحل عن العالم كان له في المكتبات العربية أكثر 40 إصداراً متنوعاً.

الناشر المصري

من الكتاب نفسه كان مستهل الحوار الذي بدأه بالقول: «أغلب الكتَّاب يهربون إلى بيروت لنشر أعمالهم وذلك لأن دار النشر التابعة للدولة لا تقوم بوظيفتها كاملة... والناشر في مصر حركته مُقيَّدة من حيث تصدير الكتاب؛ حيث إن عملية النشر أصبحت غير مجزية الآن إلَّا في الكتاب المدرسي أو الجامعي». مضيفاً أن الناشر المصري أو المكتبات «لا تستطيع تصدير الكتاب المصري في حرية؛ وخاصة أن دورة الكتاب بطيئة، ويحتاج توزيعها إلى سنوات... معنى هذا أن الناشر المصري يخشى أن يسلِّم كتبه أمانات للموزع الأجنبي أو العربي لأنه لا يضمن السداد (...)».

القاعدة الرئيسة من حيث متابعة أفكاره وأطروحاته كانت تتمثل في شريحة الشباب وقتها، وحتى اليوم؛ بحكم أنها كانت جريئة وفيها من الابتكار؛ علاوة على متابعته الدائمة لآخر ما تتمخَّض عنه حوارات ونقاشات في الجانب الآخر من العالم، من حيث تلقى تعليمه الأكاديمي في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. كانت تلك الشريحة على رأس اهتماماته وأولوياته؛ سواء من حيث الخطاب المركَّز الموجَّه إليه، أو من حيث نظره وتناوله وبحثه. كانت للويس عوض تجربة في تدريس الأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا، وتحديداً في العام 1975، ومن تلك الفترة كانت فرصة لطرح مقارنات بين جيل الشباب هناك، وجيل الشباب العربي، وذلك ما انطلق منه جانب من الحوار المذكور؛ حيث أشار إلى أن الشباب العربي سليم جداً «وخالٍ من الأوبئة النفسية والاجتماعية المنتشرة بين شباب الغرب»، تحدث عن الوباء الذي يعصف بالشباب هناك وخصوصاً منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، وصولاً إلى الفترة التي كان فيها في مهمة تدريس، وما تلاها بسنوات، وباء الإدمان على المخدرات، وانتشار الجريمة، الأمر الذي لن يكون بعيداً عن الشباب في أصقاع عربية عديدة، ومن بينها مصر، وخصوصاً مع ثمانينات القرن الماضي، وتحول رواج المخدرات وتعاطيها إلى موضة وثقافة صارت سائدة ومازالت في بعض البلدان العربية، علاوة على الجريمة التي هي في استفحال وانتشار.

طه حسين ومنهج ديكارت

في الفترة التي جلس فيها لويس عوض لإجراء الحوار، كانت أسماء عربية مهمة في مجال النقد ترحل تباعاً، ومنها من اتخذ العزلة منهجاً وطريقة حياة لأكثر من سبب. في الحوار أراد عوض أن يحدد نفسه أولاً، ويعرف اتجاهه في النقد... مقارناً بين طه حسين ومحمد مندور؛ حيث قال: «إن المدرسة التي أنتمي إليها مدرسة تختلف عن المدرسة التي كان ينتمي إليها أستاذنا طه حسين، ثم زميلنا الكبير الراحل محمد مندور، وقد تميَّز نقد طه حسين باتجاهين: أولهما إعادة تفسير الأدب العربي، وفهمه على ضوء المنهج العلمي الذي أخذه عن ديكارت، ومع ضوء المنهج العلمي الأكاديمي الذي أخذه عن العلماء الأوربيين؛ ولاسيما أيام دراسته على المستشرقين في الجامعة الأهلية، وعلى أساتذته السوربونيين. وثانيهما: هو منهجه نحو التعريف الوضعي بمدرسة النقد الأوروبية».

أما فيما يتعلق بمحمد مندور، فقد أشار إلى أنه بدأ المحاولة، أو هو كان تعبيراً عن محاولة الكشف عن تدارس منهجه للنقد في التراث العربي الكلاسيكي، وهي تناظر المدارس المنهجية في النقد الأوروبي؛ حيث رأى في الجرجاني والأموي وابن سلَّام ملامح ونظرات النقد الأوروبية؛ سواء في اللغة والبديع والبيان، وفي الرومانسية والكلاسيكية وغيرها.

ذلك نوع من تقييم منهجيْ حسين ومندور، أما عن المنهج الذي اتبعه فأوضح في اللقاء بأنه بدأ حياته ولسنوات باتباع المنهج التاريخي في نقد الأدب والفن «لأني تنبَّهت منذ فترة باكرة إلى العلاقة العضوية بين المجتمع وأنواع الأدب والفكر والفن السائدة فيه»، مشيراً إلى أن أول تكوينه في يفاعته كان على يد عباس محمود العقاد «وبسبب اهتماماتي بالعقاد أخذت عنه المثالية والإيمان بالمطلقات. وكانت تشوب مثالية العقاد الفلسفية فردية بلا حدود، فكان يعتقد أن البطل هو صانع التاريخ، وأن الفرد هو محك المجتمع».

وبيَّن عوض أنه حين بلغ السابعة عشرة بدأ يثور على هذا التأليه لدور الفرد في الحياة، ووجد في كتابات سلامة موسى كشافات عظيمة أنارت له الطريق؛ إذ تعلَّم منه أن الإنسان هو ابن البيئة وأن الفرد هو ابن المجتمع، ودون إنكار لدور الفرد العبقري لا مناص من أن يعتبران التكوين الأساسي في كل جيل.

أدب لا نقَّاد

في مبحث النقد نفسه استمر الحوار مع عوض، ورد على سؤال يرتبط بمسايرة النقد العربي الحديث، النقد الأدبي العالمي، بالقول «ليس هناك نقد عربي حديث لأن القادرين على النقد لا يكتبون شيئاً، لم نسمع أي كلمة لمحمد القصَّاص، ولا عبدالقادر القط، ولا محمود العالم... هؤلاء النقاد لا يكتبون شيئاً».

مشيراً إلى أن النقاد الذين اكتملت لديهم أدوات النقد لسبب أو لآخر غير متمكنين من التعبير عن أنفسهم، إما لأسباب الانشغال بالجامعة، وإما لأسباب طارئة، وهذا يفسر انتكاسة النقد في بلادنا.

وعن النقد الأدبي الصحافي الذي حمل عنوان اللقاء، أوضح عوض أن هناك نسبة لا بأس بها من النقد الأدبي والفني في الصحافة الأدبية والفنية «لكنه يحذِّر من هذا النقد لأنه يتجه نحو الانطباعية، وهذا النوع من النقد واسع الانتشار والأثر في أوساط الناس، ولكنه محدود القيمة من الناحية الفكرية والأدبية».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً