العدد 4954 - الأربعاء 30 مارس 2016م الموافق 21 جمادى الآخرة 1437هـ

تغزيرت قرية مغربية يعزلها فصل الشتاء عن العالم


في فصل الشتاء، تصبح قرية تغزيرت المعلقة في أعلى جبل في جنوب المغرب معزولة عن العالم، بسبب انقطاع الطرق الجبلية الوعرة التي تغمرها المياه أو الثلوج وغياب التغطية الهاتفية.

يتقدم بوجمعة (30 عاما) بصعوبة على بغله في ممرات جبلية وعرة وضيقة ومحفوفة بالخطر في اتجاه قريته، مشيرا إلى أن البغل هو وسيلته الوحيدة لنقل السلع إلى حانوته الصغير حيث يبيعها لسكان القرية... لكنه يستخدمه أحيانا لمساعدة المرضى في الوصول إلى المستشفيات.

ويقول وهو يرافق مراسلي وكالة فرانس برس عبر هذه الممرات، أياما قليلة قبل تساقط الثلوج التي وصلت متأخرة هذه السنة إلى المغرب، "تقطع الطرق عند هطول الثلوج والأمطار الغزيرة، لأن منسوب المياه يكون مرتفعا جدا في الوادي. حتى البغال لا تستطيع العبور، وبالتالي يكون الناس في عزلة لمدة طويلة بدون مؤن".

ويروي بوجمعة "يطلب مني الناس في القرية أحيانا كثيرة نقل مريض على بغلي، لأن عدد البغال قليل جدا. أما من لا يتمكن من تأمين بغل، فيطلب مساعدة بعض الرجال الذين يحملون المريض على نعش خشبي (مخصص أصلا لحمل الموتى) ويمشون به ساعات طويلة حتى أسفل وادي الزات".

الموت على الطريق

بين تغزيرت ووادي الزات، عشرة كيلومترات من المسالك الجبلية الصعبة، قبل الوصول إلى أول طريق غير معبدة مؤدية إلى قرية إغرم. هناك، قد يحالف الحظ البعض في العثور على سيارة، وإلا فعليهم الاستعانة ببغل أو مواصلة السير على الأقدام حوالي 23 كيلومترا في اتجاه قرية تغدوين حيث يوجد مستوصف يفتقد الى الكثير من الأساسيات من مستلزمات المشافي والعيادات.

ويقطن تغزيرت الواقعة على بعد حوالي مئة كيلومتر جنوب مدينة مراكش قرابة خمسمئة شخص في حوالي تسعين منزلا مصنوعة من الصخر والطين.

وتقول تلايثماس المقيمة في القرية مع سبعة من أولادها وعائلاتهم بحسرة، "الحوامل والشيوخ والأطفال المرضى يموتون في الشتاء بسبب عدم وجود مستشفى وغياب التغطية الهاتفية".

وللاتصال بالعالم الخارجي، يضطر الرجال إلى الصعود إلى قمة الجبل. ويمكن لوزارة الصحة أن ترسل مروحية لنقل الحالات الطارئة والمستعجلة، لكن سوء حال الطقس يؤدي إلى انقطاع الخطوط الهاتفية ما يحول دون التمكن من الاتصال بالوزارة وطلب الغوث.

ويقول حسن أبو الظاهر (26 سنة) المقيم في تغدوين والذي يعمل مستشارا لخمس قرى منذ أكتوبر/ تشرين الأول بعد نجاحه في الانتخابات المحلية، انه تم تسجيل "28 حالة وفاة بين النساء الحوامل والرجال المرضى الذين تم نقلهم على نعوش لإيصالهم إلى المستشفى في تغزيرت منذ 1999".

ويشير إلى وفاة طفلين في القرية خلال 2016 "بسبب السعال" وعدم تلقيهما العلاج.

وتروي بلقاس نجمة (50 عاما) "عندما يقترب موعد وضع المرأة الحامل، يضعها رجال فوق نعش يحملونه على أكتافهم ويسيرون به ساعات طويلة"، مضيفة أن بعض النساء يفضلن الانتقال على ظهر البغل، "وذلك يهدد حملهن وقد يفقدن حياتهن في الطريق".

ويقول لحسن آسني (69 عاما) انه سبق له أن نقل قريبا له على نعش إلى مستشفى.

وآسني واحد من المحظوظين الذين يملكون بغلا يحمل عليه مؤنا لإعالة عائلته.

ويقول لفرانس برس "عند ارتفاع منسوب المياه في وادي الزات، نعبر بصعوبة، وعندها تكون نصف المؤن على ظهور البغال قد تبللت وفسدت".

والدقيق أهم هذه المؤن، إذ يصنع منه الخبز، إلى جانب الشاي وزيت الزيتون عناصر الوجبات الرئيسية إبان فصل الشتاء في تغزيرت، كما في باقي مناطق المغرب الفقيرة.

إلا أن نقل هذه السلع الأساسية يظل مكلفا وصعبا لسكان القرية الذين يعتمدون في معيشتهم خصوصا على الزراعة وتربية المواشي.

سلع أساسية بضعف الثمن

ويقول لحسن انه يستأجر بغلا إضافيا أحيانا لأن واحدا لا يكفي. ويضيف أن كلفة نقل مئة كيلوغرام من الدقيق قد تصل إلى 120 درهما (أكثر من عشرة يورو)، علما أن سعر المئة كيلوغرام من الدقيق المدعوم من الحكومة يقارب 18 يورو.

وتعتمد عائلات كثيرة في قرية تغزيرت على حانوت بوجمعة حيث تباع السلع الاستهلاكية الأساسية بأسعار باهظة على سكان القرية المعدمة.

ويبلغ ثمن قنينة الغاز الكبيرة 80 درهما (7,4 يورو) خلال فترات صفاء الطقس، في حين أن ثمنها الأصلي في السوق 42 درهما (3,8 يورو). أما في فصل الشتاء، فقد يصل ثمنها إلى 100 درهم.

ويقول بوجمعة ان سبب ارتفاع الأسعار "هو كلفة النقل، إذ أن بغلي غير كاف لنقل كل السلع، فأضطر لاستئجار ثلاثة أو أربعة بغال أخرى ب300 درهم".

وللاقتصاد في مصروف الغاز، تخرج النساء في وقت مبكر كل يوم بحثا عن الحطب في الجبال الوعرة لساعات طويلة قبل ان يعدن في منتصف النهار، وبينهن بلقاس نجمة التي كانت تعد خبزا لأطفال متحلقين حولها، فيما تحرك بيديها المتشققتين بين الحين والآخر الحطب داخل التنور المصنوع من التراب.

وتغزيرت واحدة من عشرات القرى المغربية التي تعاني مثل هذه العزلة في الشتاء. وتنعكس العزلة أيضا على تعليم الأطفال.

ويقول أبو الظاهر "منذ 1994، لم يسبق لأحد من أبناء تغزيرت أن تجاوز المرحلة الابتدائية بسبب العزلة، وأنا واحد منهم، فقد توقفت عن الدراسة في السنة الرابعة ابتدائي".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:15 ص

      حياة طبيعية

      والله انهم في نعمة كبيرة والكل يحسدهم عليها.

اقرأ ايضاً