العدد 4969 - الخميس 14 أبريل 2016م الموافق 07 رجب 1437هـ

الخطوط الحمر والمحرَّمات في المشهد السُّوري

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

بعد بضعة أيام ستعود المفاوضات، بشأن مستقبل القطر العربي السوري، إلى الانعقاد مجدَّداً، لسنا معنيين بما يدور في الذّهن الأميركي بشأن هذا الموضوع، ولا بما يدور في الذهن الروسي، ولا حتى بما تفكر به هيئة الأهم المتحدة أو إيران أو تركيا، وحتى لو أن أولئك الأغراب هم الذين سيقررون وسيفرضون فإننا يجب، في الدرجة الأولى، أن نطرح الأسئلة على الحاضرين من العرب، سواء أكانوا من المعارضين، بكل تلاوينهم وأهدافهم غير المتماثلة، أم كانوا من ممثّلي نظام الحكم الحالي، أم كانوا يمثلون هذه الجهة العربية أو تلك.

والأسئلة ستنطلق من الإيمان بأن جميع الأطراف العربية، حتى ولو حملت وجهات نظر متباينة بشأن هذا التفصيل أو تلك الجزئيَّة من المشهد العربي السوري المأساوي الذي يدمي قلب كل عربي بدون أي استثناء، فإن جميع الأطراف لا تريد أن تساهم في تدمير أو إضعاف أحد أهم معاقل القوة العربية، والالتزام العروبي القومي، والرفض للمشروع الصهيوني الاستئصالي، وأحد أهم حوامل الذّاكرة العربية لجزء من أبهى عصور تاريخ أمة العرب.

وهي بالطبع لا ترضى بأن تنتهي فواجع اليوم إلى الفاجعة الأكبر، فاجعة موت أحلام وتطلعات ونضالات ومواقف وتضحيات ومصالح شعب سورية العربي الرائع والمدهش والنبيل.

أول سؤال يخطر على بال ملايين العرب، الذين يضعون أيديهم على قلوبهم وجلاً ممّا سيأتي به المستقبل للقطر السوري، يتعلق بالخطوط الحمر المشتركة التي لن تسمح كلُّ الأطراف العربية أن يتخطاها اجتماع جنيف. ما هي تلك الخطوط الحمر وتلك المحرَّمات التي لن تقبل الأطراف العربية بتخطيها أو ارتكابها، مهما تكن شدَّة الضغوط وشيطانية الإغراءات؟

هل سيكون هناك رفض قاطع لأيّ اقتراب من أيّ حلٍّ تقسيمي، مباشر أو غير مباشر، تحت مسمَّى الفيدرالية أو الحكم الذَّاتي، لموازنة هذه الطائفة بتلك الطائفة، لتقسيم الكعكة بصورة انتهازية بين هذه الجهة العسكرية أو تلك؟

هل سيرفض أي اقتراب من محاكاة الوضع السُّوري للوضع العراقي المليء بالألغام المتفجّرة والعقد المجنونة والصّراعات العبثية والانتحارات الجماعية؟

هل سيرفض بصورة قاطعة أيُّ اقتراب من قبول سورية المستقبل، المتعايشة مكوُناتها الدينية والاثنية والمذهبية والسياسية تحت مظلة المواطنة والحرية والمساواة والسلام الاجتماعي، مع أيّ وجود جهادي تكفيري عنفي متزمت وتحت أيّ مسمًّى ووراء أي قناع تجميلي كاذب؟

هل سيُصرُّ، من قبل جميع الأطراف العربية، على عدم إقحام الموضوع الصهيوني، من خلال أيِّ تنازل أو أي تطبيع أو أي تنسيق سوري مع العدو الصهيوني، وذلك كثمن يجب أن يدفعه نظام الحكم السوري القادم، مقدماً أو مؤخّراً، من أجل تسهيل حلّ الموضوع السوري الحالي المواجه للآلام والمحن والعذابات المحبطة الحالكة السواد؟

هل سيرفض الطرف العربي رفضاً قاطعاً أن يكون حل الموضوع السوري على حساب استقلال سورية وكرامة شعبها ومصالحها الحيويَّة الاستراتيجية والتزاماتها القومية، وذلك من أجل تعويض أو رشوة ذلك الطرف الإقليمي أو ذاك؟، أيًّا تكن مواقف الأطراف الإقليمية مما جرى في سورية وأيًّا تكن الحسنات أو السّيئات، وأيًّا تكن مشاعر الأطراف العربية المفاوضة تجاه هذا البلد الإقليمي أو ذاك؟

إن الإجابات يجب أن تحتكم كُلها الى دموع ودماء وعذابات أطفال ونساء ورجالات سورية، جميع أهل سورية، الذين هاموا على وجوههم في أصقاع الأرض، والذين واجهوا الجوع والخوف والإرهاب والموت والعار في كل مدينة وقرية سورية. وإذا كانت في قلوب الأطراف العربية ذرّة من مشاعر الأخوة الإسلامية والمسيحية والمحبة الإنسانية، وقليلاً من الالتزام القومي ومن الخوف على مصير هذه الأمة المنهكة المعذّبة النًازفة الجروح ... إذا كانت الأطراف تحمل تلك المشاعر والمخاوف والأريحيّة فإنها لن تسمح لنفسها أن تختلف بشأن تلك الثوابت القومية الكبرى، وهي أيضاً لن تدخل في لعبة الميكافيلية السياسية مع هذا الغريب أو ذاك.

فيماعدا ذلك لن يهمّنا أن تختلف الأطراف حول هذا التفصيل أو تلك الجزئية، حول هذا المؤقت أو ذاك العابر.

ما يهمنا ما يهم الشعب العربي، ليس انتصار هذا الطرف العربي أو ذاك، وليس بياض هذا الوجه أو سواد ذاك الوجه، وليس خزعبلات التحالفات الاستراتيجية مع هذه الدولة العظمى أو تلك الدولة الإقليمية، وإنما الذي يهمُّ هو بقاء الوطن السوري العربي في عزٍّ وبهاء، ورجوع الشعب السوري العربي إلى أحضان أمته معافى ومفعماً بالأمل والأحلام، حتى يعود ذلك الشعب العظيم ليلعب أدواره التاريخية الرائعة في سبيل وحدة وحرية وتقدم أمته.

سيكون مفجعاً لو أنه باسم العقلانية والواقعية والعجز عن المقارعة يخرج علينا المتحذلقون بقبول ما لا يجب أن يقبل، بشرب السُّمِّ للوصول إلى سراب العافية.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4969 - الخميس 14 أبريل 2016م الموافق 07 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:07 ص

      Syria is not only Arabs mr writer it's a mix of Kurds, turks and other languages

    • زائر 2 | 2:52 ص

      ليس لدي شك من ان سوريا ستعود عربية من جديد و من ان عاصمة الأمويين الكرام ستزدهر من جديد ..

    • زائر 1 | 2:01 ص

      شرب السُّمِّ للوصول إلى سراب العافية.

      سيكون مفجعاً لو أنه باسم العقلانية والواقعية والعجز عن المقارعة يخرج علينا المتحذلقون بقبول ما لا يجب أن يقبل، بشرب السُّمِّ للوصول إلى سراب العافية.

اقرأ ايضاً