العدد 5064 - الإثنين 18 يوليو 2016م الموافق 13 شوال 1437هـ

الطفولة التي تعلَّم منها... والشخصيات التي استلهم منها بعض كتبه

«عالم جورج أورويل» لمايكل شيلدن...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

المنامة - محمد عبدالله عبدالرسول 

تحديث: 12 مايو 2017

عالم جورج أورويل هو سلسلة محاضرات في صيغة كتاب مسموع للبروفيسور مايكل شيلدن، تتناول أفكار ومؤلفات وحياة الكاتب البريطاني الشهير إيريك آرثر بلير المعروف بالاسم المستعار جورج أورويل. سأشير له هنا باسم إيريك حتى يبدأ استخدام اسمه المستعار ومن ثم سأشير له به. كتاب رائع عن شخصية أحبها كثيرًا وقد ساهمت في فهمي لطريقة تفكير هذا الكاتب القدير وكذلك حفزتني على قراءة الكتب غير المشهورة التي ألَّفها وكذلك مقالاته. في الكتاب وقوف على الطفولة التي تعلَّم منها، والشخصيات التي استلهم منها بعض كتبه.

إنه كتاب يسبُر شخصية كاتبٍ قدير أمتع العالم بروايات خالدة حُفرت بعض مفرداتها في الذاكرة وأصبحت جزءاً من اللغة، فمن منا لم يسمع تعبيرات مثل «الأخ الأكبر» أو «جريمة الفكر» أو «التفكير المزودج»؟ لقد قدّر لهذا الإنسان ألا يعيش سوى 46 سنة، إلا أنه قدم لنا الكثير خلالها، وخاصة في العشر سنوات الأخيرة من عمره التي بلغ فيها إنتاجه الذروة مع روايتي «مزرعة الحيوانات» و «1984».

يبدأ الكتاب بذكر سريع لحياة والدي الكاتب ومن ثم طفولته. منذ عمر صغير أُرسل إيريك إلى مدرسة داخلية بعيدًا عن عائلته وهو تقليد بريطاني قديم. لقد كره إيريك هذه المدرسة التي عانى فيها الأمرَّين، حيث تعرّض للضرب الشديد على أمور لم تكن له سيطرة عليها كالبول في الفراش ليلًا. كره إيريك زوجة المدير خصوصاً؛ فقد كانت تجبر الطلاب على مناداتها «ماما» وتقول إن عليهم أن يحبوها ولكنها في الوقت نفسه كانت متحكّمة وقاسية جدًا. يرجّح الكاتب أن تكون شخصية هذه المرأة مما ألهم إيريك اختراع شخصية الأخ الأكبر في رواية «1984» الشهيرة وهو الديكتاتور الذي يجب على الجميع أن يحبه.

بعد إنهاء الدراسة يقرر إيريك الانضمام للسلك العسكري للإمبراطورية البريطانية، وهي مهنة كان والده قد تقاعد منها للتو وحصل على راتب تقاعدي ممتاز. وصل إيريك إلى بورما حيث تم تعيينه وهو في عمر الثامنة عشرة وبقي فيها خمس سنوات. كان في بورما 90 ضابطًا بريطانيًا فقط، وقد كانوا مسئولين عن 13 ألف شرطي بورمي، المسئولين في المقابل عن 13 مليون من السكان. في بورما كانت هناك مسئوليات كبيرة على عاتق إيريك ساعدته مع تجاربه الأخرى على فهم طبيعة ممارسة السلطة والقوة. وقد كره عمله هناك وكره الاستعمار البريطاني الذي نصّب نفسه كالوالد واعتبر السكان المحليين مجرد أطفال يجب عليه رعاية مصالحهم كما يراه مناسبًا. وقد كره أيضًا العنصرية البغيضة المنتشرة حينها وقد رأى في الاستعمار حدًا ليس فقط لحرية السكان المحليين، بل حتى للمستعمرين البريطانيين.

أخيرًا جاء الفرج في العام 1927 حين أصيب إيريك بحمى الضنك إثر لسعات البعوض وبذلك حصل على حجة للعودة إلى بريطانيا وترك السلك العسكري. كان منذ الصغر يتمنى أن يصبح كاتبًا، لذلك قرر الآن تحقيق هذا الحلم، فاختار الكتابة عن الفقراء والمستضعفين والمحرومين، ولكي يكتب عنهم كان لابد له من أن يعيش بينهم أولاً ويخبر حالهم. وهنا تبدأ قصة كتابه الأول، حيث عاش مع مشرَّدي باريس ولندن عدة شهور ومن ثم ألف كتابًا مستندًا إلى هذه التجربة.

لم يضع إيريك اسمه الحقيقي على الكتاب، بل استخدم الاسم المستعار الذي يعرفه به معظم الناس اليوم وهو جورج أورويل، وهو الاسم الذي سأشير له. اختار أورويل هذا الاسم لأن جورج اسم انجليزي معروف وقد استخدمه كتّاب انجليز سابقون مثل جورج إليوت. أما أورويل فهو اسم نهرٍ صغير شرقي انجلترا كان أورويل يعشقه.

عمل أوريل في هذه الفترة كمدرس وبعد ذلك كعامل في متجر لإعارة الكتب وهناك تعرَّف بشكل أكبر على أذواق الناس ومهنة طباعة الكتب، حيث عرف بشكل واضح أن طباعة الكتب ليست مؤسسة خيرية بل تجارة تهدف إلى الربح حالها كحال أي تجارة. كان يعمل في الصباح ويكتب في الليل وقد ألف رواية عن تجربته في بورما وأخرى بعنوان «ابنة القس» وكتاب حول أوضاع العمّال البريطانيين؛ وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية. كانت زيارته لمكان عمل وسكن العمال من الأمور التي دفعته نحو الاشتراكية إلا أن حس الفردية لديه كان لا يزال قويًا، وكان رفضه قاطعاً للأنظمة الشمولية. وضعه هذا بين تيارات اليمين واليسار التقليدية، فلا هو مع هذا ولا مع ذاك.

تزوَّج أورويل من إلين في العام 1936، وفي عام زواجهما اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية. سافر إلى هناك ولحقت به زوجته بعد ذلك. وقد انضم إلى ميليشيا ثورية وشارك في القتال على الجبهات، حيث تعرض للإصابة برصاصة قناص في رقبته كادت تودي بحياته وعلى أثرها تم سحبه من الجبهة، وهناك أحداث أخرى كثيرة حصلت له وثقها كلها في كتاب «الحنين إلى كاتالونيا».

أثناء الحرب العالمية الثانية عمل أورويل في الإذاعة البريطانية «بي بي سي» لنشر البروباجندا، ولكن العمل هناك لم يعجبه وبدأ في التخطيط لكتابة رواية جديدة. كانت هذه الرواية هي «مزرعة الحيوانات». انتهى من الرواية في العام 1943، ولكنها لم تنشر إلا في العام 1945، فقد رفض أكثر من 12 ناشرًا طباعتها بسبب محتواها القوي وأسلوب السخرية الذي احتوته.

كانت هذه الرواية نقلة نوعية كبيرة لأورويل جعلته مشهورًا على مستوى عالمي وباعت الملايين من النسخ. استخدم أورويل في هذه الرواية الأسلوب الساخر وهو ما لم يفعله في كتبه السابقة. وجد أورويل أن السخرية هي أحد أقوى الأساليب في انتقاد الدكتاتوريات الظالمة وبالتحديد الاتحاد السوفييتي. إن استخدام الحيوانات فيها جعلها تصلح لكل مكان وزمان، بل وحتى لكل الأعمار بمن فيهم الأطفال.

ولكن الفرحة لم تكتمل فقد توفيت زوجته في هذه الفترة وهي في التاسعة والثلاثين من عمرها جراء مضاعفات التخدير أثناء إجراء عملية بسيطة.

بعد سنة انتقل أورويل للعيش في جزيرة نائية كانت مملوكة لأحد أصدقائه وهناك خطط لكتابة الرواية التالية. في هذه الفترة كان أورويل مريضًا جدًا إلا أنه تمكّن من إنهاء روايته الأخيرة، «1984»، والتي نشرت في 1949 ولاقت نجاحًا عالميًا كبيرًا. إن أهداف أورويل في محاربة الاتحاد السوفييتي قد تحققت بروايتيه الاثنتين الأخيرتين واللتين لا يعرف غالبية الناس غيرهما عنه. لم يناهض أورويل الاشتراكية بصنوفها كافة، بل دعا في عدد من المقالات إلى تحقيق الاشتراكية الديمقراطية بشكل تدريجي، ولكنه ناهض الاتحاد السوفييتي. لقد أراد أن يقول للاشتراكيين في العالم كافة، إن عليكم أن تتركوا نموذج الاتحاد السوفييتي الفاسد والمجرم وتصنعوا نماذجكم الخاصة بكم. توفي أوريل في مطلع العام 1950 بسبب مرض السل وهو في السادسة والأربعين وفي أوج نشاطه الإبداعي.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً