العدد 5101 - الأربعاء 24 أغسطس 2016م الموافق 21 ذي القعدة 1437هـ

كيت بلانشيت تدفع ثمن الحقيقة غالياً في «Truth»

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم

ليس هناك ما هو أصعب من البحث عن الحقيقة... سوى إثباتها. يمكن فعلاً بقليل من التأنّي والصبر كشف حقيقة الأمور، لكن إثباتها للآخرين مسألة أخرى. أن تسعى جاهداً لكشف حقيقة أمر ما وتصل إليها، فهذا ممكن، لكن أن تأخذ الآخرين معك في الرحلة ذاتها التي انتهت بك للحقيقة، فذلك أمر صعب التحقق. باختصار إذا كنت من أولئك الذين يسعون وراء الحقيقة، أي حقيقة، فتحمَّل ما سيأتيك من وراء كشفك أو اكتشافك لها

الحقيقة المطروحة عبر العبارات أعلاه، تلخّص ما يريده قوله فيلم) «Truth» الحقيقة). الفيلم الذي عُرض نهايات العام 2015 في دُور العرض الأميركية والكندية، يؤكد أن السعي وراء الحقيقة يعني دفع ثمن غالٍ من حياة الساعين وراءها، يعني أن يصل الأمر لأن تقف يوماً وتعتذر عن موقف إنساني حقيقي اتخذته يوماً، كلّفك غالياً. يعني أن تتخلّى عن كثير من المبادئ المثالية التي بنيْت عليها حياتك وأسَّست عليها مواقفك، تتخلَّى عنها داخلياً، في ذهنك، وترفعها من قناعاتك. باختصار، ثمن الحقيقة غالٍ يدفعه من يسعى إليها.

ثمن الحقيقة هذا دفعته منتجة البرامج في قناة «سي بي إس» ماري ميبس التي يسرد الفيلم قصتها كما جاءت في كتابها Truth and Duty: The Press, the President and the Privilege of Power (الحقيقة والواجب: الصحافة، الرئيس وإمتيازات السلطة)، وهو الكتاب الذي روت فيه جزءاً من سيرتها الذاتية كمنتجة برامج في قناة «سي بي إس» الشهيرة، ويُفترض أن تكون قد روتْ فيه حقيقة الأحداث التي أدَّت إلى فصلها من القناة.

ماري ميبس دفعت ثمن طموحها الصحافي وإخلاصها لمهنتها غالياً. الصحافية الشهيرة، التي أول من كشف عن الإنتهاكات الإنسانية التي ارتُكبت في حق السجناء العراقيين في سجن أبوغريب من قبل الجنود الأميركان، والتي حصلت قناة «سي بي إس» على جائزة بسبب التقرير الذي أعدَّته ماري وفريقها، هي ذاتها الصحافية التي تلقّت صفعة من القناة أنهت عملها فيها، وذلك بعد كشفها جزءاً من حقيقة وجدتها تهمُّ جميع الناخبين الأميركيين في العام 2004.

يسرد الفيلم قصة ماري منتجة برنامج 60 دقيقة وهو برنامج إخباري، التي تقوم قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية العام 2004 بالبحث عن دليل للتحقق فيما إذا كان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الابن) الذي كان مرشَّحاً حينها لانتخابات الرئاسة، قد حصل على معاملة خاصة خلال وقت خدمته العسكرية في السبعينات. تحصل ماري على الدليل وتنشره عبر تقرير إخباري تبثه القناة في برنامجها الإخباري، لكنها تتعرَّض إلى تشكيك في صحة دليلها المُقدَّم من قبل جهات عديدة؛ حيث تُتهم بتزوير مذكرات خاصة بالجيش تُفيد بعدم اجتياز بوش الاختبارات العسكرية. يأتي التشكيك في دليل ماري وكشفها من قبل أطراف عديدة تأتي صحيفة «الواشنطن بوست» على رأسها، ثم يصل الأمر إلى أن تشكك قناة الـ «سي بي إس» نفسها، في الدليل المُقدَّم، على رغم أنها هي القناة التي تعمل فيها ميري والتي بثّت التقرير. يتطوّر الأمر حين يتنصّل مقدِّمو الدليل منها ومن الدليل الذي قدّموه ويشكّكون في صحته. على أثر ذلك، تواجه ماري وفريقها معركة صعبة يفقدون على أثرها وظائفهم ويتم التشهير بهم والتشكيك بصدقيتهم، بل وتم التطاول على شخص ماري واتهامها بحملها لتوجّهات نسوية راديكالية وما شابه من تهم إسقاطية هدفها التشكيك بنزاهتها.

أجمل ما في الفيلم أنه يقدِّم صورة واقعية جداً للديمقراطية العالمية، الأميركية منها خصوصاً، فما ستعيشه من متعة وإثارة مع التفاصيل الكثيرة التي يسردها الفيلم حول كيفية وصول ماري وفريقها إلى الحقيقة كما تراها من وجهة نظرها، كل ذلك سيتلاشى في الجزء الثاني من الفيلم حين تواجه ماري بضربة قاضية من قبل المجتمع بأسره. سلطة عليا تحاربها فكيف يمكن لأي أحد أن يقف داعماً لأي حقيقة تكشفها، مهما كانت أهميتها ومهما بلغت دقة كشفها لها.

هذه الواقعية في الفيلم التي ملأت ماري مرارة وجعلتها تستفيق على واقع مؤلم، هي ما يوصل الفيلم إلى المشاهد، فنحن لسنا أمام أبطال خارقين للعادة وحالة وردية لصحافة حرة مدعومة في بلد الديمقراطيات العريقة. الواقع هو أن الصحافة في كل أرجاء العالم، وأميركا ليست استثناء، تستطيع أن تمارس حريتها ونزاهتها، لكن بحسب ما هو مرسوم لها من حدود.

الفيلم ممتع في مشاهدته، لمن يحب الأفلام الدرامية ذات الطابع التوثيقي التحقيقي. زاد من متعته وجود فنانين متميزين على رأسهم كيت بلانشيت التي أدت دور الصحافية ماري، وروجر ردفور في دور أستاذها الذي كان يدعم برنامجها بقوة مقدم البرامج الشهير دان رايثر.

تمت الإشادة بالفيلم في مهرجان تورنتو الدولي للأفلام؛ حيث عرض للمرة الأولى. واعتبر يومها أفضل فيلم في المهرجان. المُقدّم الشهير دان راثر أثنى على اداء روجر ردفورد الذي وجده لا يقلد حركاته وإنما يركّز على روحه كإنسان وكصاحب مهنة. كما أشاد بالفيلم المُقدّم وقال إن هناك الكثير من الحقائق في الفيلم، ووصفه بأنه أفضل ما شاهده في السينما من أفلام تناقش ما يحدث فعلاً في التلفزيون وكيف تتم صياغة التقارير والأخبار وإيصالها للناس.

أما قناة «سي بي إس» فلم توافق على ما جاء في الفيلم لكنها لم تشجبه علناً. المتحدث الرسمي باسم القناة قال، إن الفيلم به الكثير من التحريفات وتغافل بعض الحقائق، وأضاف بأنه يشير إلى وجود مؤامرة ضد الصحافية، وذلك في محاولة للتغطية على أخطائها وتحويل ما ارتكبته من خطأ إلى عمل بطولي وتضحية نبيلة.

لكن أطرف الإنتقادات التي طالت الفيلم جاءت من أحد النقاد الذي اتهم كاتب الفيلم ومنتجه ومُخرجه أيضاً، جيمس فاندربيلت، بالتعاطف مع ماري وبأنه ذو توجهات ليبرالية معادية للتوجه المحافظ الذي ينتمي إليه الرئيس الأسبق جورج بوش.

لم يحقق الفيلم أي أرباح تذكر، على ما يبدو لم يرغب الجمهور الأميركي في مشاهدته، موازنته قاربت 10 ملايين دولار أميركي فيما لم تتجاوز أرباحه 5 ملايين دولار.

مهما يكن من أمر، وسواء أحب الأميركيون الفيلم أم لا، وسواء أكان كشف ماري صحيحاً أم باطلاً، فإننا أمام فيلم ممتع لمن يحبون الأفلام الدرامية التوثيقية Docudrama . فيلم يستحق المشاهدة قُدم بعناية بالغة في الكتابة والإخراج، على رغم كونه التجربة الاخراجية الأولى لجيمس فاندربيلت.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:33 ص

      فيلم يحاكي ما بين الصحافة والسياسة..
      وتدور أحداثه داخل القناة المغلقه..
      جميع الأفلام السابقة تعتمد على نجاح الصحفي في إيصال الحقيقة بينما في فيلم "الحقيقة" يفشل الصحفي في ذلك..
      السؤال..!!!
      لماذا الأن؟؟
      لماذا التركيز على جورج بوش..؟
      هل هي مصادفة..؟
      هل هي محاوله للترويج لبرنامج (60 دقيقة)..؟
      الكثير والكثير..

    • زائر 4 | 2:09 ص

      شوقتني للفلم
      إذا كنت من أولئك الذين يسعون وراء الحقيقة، أي حقيقة، فتحمَّل ما سيأتيك من وراء كشفك أو اكتشافك لها...جملة عميقة جدا

    • زائر 1 | 12:30 ص

      عنوان الفيلم محال،فلا يمكن ان تدعي الحقيقه،والحقيقة حتى وان بانت لك فلابد من ان تحكمها وتدخلها عقول الناس من الباب الذي هم حددوه وهم ي تاحون منه،فكل ادعاء فهو خيال حتى يثبت،وليست الصور والفيديوات تأخذ كدليل فممكن تتفبرك او تحرف،تعرف الحقيقة بانها انطباق مابالذهن عالواقع،واما اذا بقى مابالذهن بالذهن فسيبقى خيالا،حتى ينطبق عالواقع.
      ماجرى لهذه الصحفية بالواقع غلبة عاطفتها على عملها ولذلك رسبت بنجاح،والافلام ايضا تخضع لقوانين الصحافة والاعلام والتجار والسياسيون والحكومات،كيف تمتنع وكيف تقنع هو فن.

    • زائر 2 زائر 1 | 12:10 م

      رأيي عن المقالة و كاتبتها الأستاذة " منصورة عبد الأمير " و التي أبدعت بكتابة التفاصيل و القصة التي مرّت بها الصحافيّة و ما واجهته من صعوبات و تحدّيات في حياتها العملية مروراً بالنهاية المريرة وهي الفصل من العمل لأنها اكتشفت الحقيقة - أسلوب تشويق ممتاز جداً عشت من خلاله بالإثارة التي تجعلني أحاول مشاهدة الفيلم بأسرع وقت ممكن.
      سَلِمَتْ يداكِ يا أستاذة " منصورة " و لاجَفَّ لكِ حِبْر قلمِك في الحقيقة.
      الله يحفظ البحرين و الخليج من كل شر و سوء و مكروه.

اقرأ ايضاً