العدد 5104 - السبت 27 أغسطس 2016م الموافق 24 ذي القعدة 1437هـ

آلام الظهر عند الرياضيين (2)

محمد ميرزا الريس-اختصاصي علاج طبيعي وتأهيل الإصابات الرياضية 

27 أغسطس 2016

سبق وأن أشرنا إلى أن  ما معدله 36 % من لاعبي كرة لقدم يعانون من آلام أسفل الظهر بحسب إحصائيات الإتحاد الدولي لكرة القدم، وأن ما يقارب 22 % ينتهي مشوارهم الرياضي بسبب إصابات وآلام الظهر المزمنة. كما تناولنا في الجزء السابق من المقال بشيء من التفصيل ما يتعلق بالعوامل الخارجية المسببة لذلك كالتدريب والبيئة والوضع الصحي والإجتماعي والوظيفي للرياضي، أما في هذا الجزء نتناول القسم الثاني من العوامل ألا وهي العوامل الداخلية. تتعلق العوامل الداخلية بالرياضي نفسه وهي على نوعين: فبعض هذه العوامل غير قابلة للتعديل كجنس الرياضي، ومراحل النمو البدني عنده، العوامل الوراثية، وتاريخ الإصابات السابقة، ورغم مالها من أهمية كبيرة في التأثير على آلام الظهر إلا أنها ليست محل البحث هنا.

أما النوع الثاني وهو مايهمنا أكثر فهو العوامل القابلة للتعديل؛ وهي ما يمكن تغييرها وعلاجها أثناء البرامج التأهيلية المتخصصة، وأبرز هذه العوامل هي:

السيطرة والتنظيم الحركي (Motor control):

ويرتكز هذا العامل على سيطرة الرياضيين على قوامهم ووضعهم البدني وخصوصا أثناء أدائهم للتمارين. القوام الخاطئ الذي يعتاد عليه بعض الرياضيين، والطريقة الخاطئة تقنياً وطبياً لأداء التمارين والحركة، كلها أمثلة مهمة يجب أن تُراعى جيداً أثناء عمل الإختبار والفحوصات السريرية للرياضيين المصابين بآلام الظهر؛ وذلك لما لها من تأثير مباشر في التسبب بإصابات وآلام الظهر.

الخصائص البدنية الفيزيائية عند الرياضيين:

وهذا الجانب بالتحديد مدار الكثير من الأبحاث التي تُجرى في مجال الطب الرياضي حاليا؛ فقوة العضلات وتحملها ومرونتها، بالإضافة إلى المدى الحركي في المفاصل إجمالا، ومستوى اللياقة البدنية على نطاق أعم وأشمل، كلها خصائص مهمة وحيوية وذات تأثير مباشر على سلامة العمود الفقري عند الرياضيين أو تعرضه للإصابات والآلام. هل تخيلتم أن الشد العضلي في عضلات الفخذ الخلفية (Hamstrings) من الممكن أن يكون سببا مباشرا في آلام الظهر!! أو أن ضعف عضلات البطن كذلك ممكن أن يكون سببا في آلام الظهر! هذا ما أثبتته الدراسات.

العوامل الفسيولوجية:

وتشمل المستوى الصحي العام عند الرياضيين وقد سبق الحديث عنه، وكذلك تركز على أهمية النوم وتجنب الإرهاق عند الرياضيين. فمن الممكن أن تتسبب العادات الخاطئة في النوم وخصوصا السهر على التأثير السلبي على حيوية جسم الرياضي عند ممارسته للنشاط البدني والمنافسات الرياضية؛ إذ أن السهر يؤدي إلى ضعف التركيز الذهني، كما ويؤدي إلى الإجهاد البدني وعدم جهوزية العضلات لبذل وممارسة الرياضة كما هو مطلوب منها، وهذا قد يكون سببا في التعرض لآلام الظهر والإصابات الرياضية الأخرى.

العوامل النفسية:

وهي من أهم العوامل التي ينبغي الإنتباه لها بشكل جيد؛ فهي تؤثر على آلام الظهر عند الرياضيين بشكل أو بآخر. وتشمل: إعتقادات الرياضي حول حالته الصحية، شدة خوفه من آلام الظهر التي يعاني منها، الإحباط، الضغط النفسي، إستراتيجيات التأقلم مع الألم (Coping strategies) ، والفاعلية الذاتية. وتستحضرني حالة أحد المرضى الذين راجعونا قبل مدة تؤكد خطورة هذا الجانب في التأهيل والعلاج؛ إذ كان محبطا بشكل كبير بعد أن سبق له مراجعة أحد الإستشاريين فأكد له أن عنده  مشكلة في عظمة الرظفة (الصابونة)، وأنه يحتاج لعدة شهور من الراحة والإبتعاد نهائيا عن ممارسة النشاط البدني وكذلك الرياضة التي اعتاد ممارستها. أما بعد الفحص السريري والإطلاع على تقارير الأشعة ومناقشة الحالة تم إعطاؤه البرنامج التأهيلي وطمأنته بأنه لا يحتاج لكل هذه المدة من الراحة السلبية؛ فكانت هذه الخطوة وحدها كفيلة بإرجاع الأمل للرياضي وتسهيل عودته للملاعب.

ما أود أن أؤكد عليه في ختام هذا البحث هو أن آلام الظهر عند الرياضيين مسألة واردة وإن كانت بنسب أقل من غيرها، وهي مسألة متشعبة وذات تأثر بعدة عوامل متنوعة (Multifactorial) كما بينا ذلك بالتفصيل. وبناء عليه، فإن خطة التأهيل والعلاج ستكون قاصرة عن إعطاء التأثير المناسب مالم تكن مبنية على الفحوص والإختبارات الدقيقة التي تأخذ في الحسبان كل تلك العوامل السابقة وخصوصا العوامل القابلة للتغيير كالتغذية، النوم، العمل، قوة ومرونة العضلات، اللياقة البدنية، الضغوط النفسية ... وغيرها مما أشرنا له بالتفصيل. كما أنه من المهم أن يعمل المختص على محاولة تعديل العوامل المؤثرة والمسببة لآلام الظهر عند الرياضي بحسب أولويات أهميتها وتأثيرها على حالة اللاعب، وأؤكد على أن ذلك يختلف من لاعب لآخر، ومن حالة لأخرى، ومن رياضة لرياضة أخرى. والمفتاح في نجاح ذلك إنما يكون بالتعاون بين اللاعب وكذلك التعاون بين أفراد الفريق الطبي ومن يهمه ذلك من مدربين وإداريين أيضا.

العدد 5104 - السبت 27 أغسطس 2016م الموافق 24 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً