العدد 5131 - الجمعة 23 سبتمبر 2016م الموافق 21 ذي الحجة 1437هـ

المعارف والمميزات الخاصة لمهنة السقَّاء

استخراج الماء باستخدام الزاجرة في عين الحنينية (بشمي 2000)
استخراج الماء باستخدام الزاجرة في عين الحنينية (بشمي 2000)

المنامة – حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

تعرف عملية الريّ عند العامة في البحرين، بصورة عامة، باسم «لتسِگي» (من السقاية)، ويسمى الشخص الذي يقوم بهذه العملية باسم لمسِگي أي السقّاء. ولمسِگي هو مصطلح عام لا يفيد وجود نوع من التخصصية في معرفة إدارة العين وطريقة تقسيم حصص المياه على الأراضي الزراعية، كما أنه لا يفيد بمعرفة الشخص في العمل على آلات استخراج الماء من الآبار.

يذكر، أن هناك العديد من المهام التي ارتبطت بمهنة ري الأراضي الزراعية، ربما توزع على أكثر من شخص، ولكل شخص مهمة معينة، أي مهنة خاصة به، كما أن لكل مهنة مسمى خاصاً بها. إلا أن تلك المهام والمسميات اختفت، تقريباً، من الذاكرة الشعبية؛ وذلك بسبب اختفاء أنظمة الري القديمة.

يذكر أن أنظمة الري القديمة كانت قائمة على الشراكة في العيون الطبيعية أو الآبار التي كانت تُحفر، وكان يعمل في هذا النظام أكثر من شخص، فهناك من اختص في عملية توزيع حصص المزارعين من مياه العين، وهناك من اختص بالعمل على إحدى الآلات التي تستخرج الماء من الآبار. ولكل شخص من هؤلاء مميزات خاصة وقدر من المعارف التي يجب أن يتعلمها.

المسئول عن تقسيم

مياه العين الطبيعية

كانت مياه العيون الطبيعية ملكاً للجميع، يستفيد منها من يريد بحسب أعراف وقوانين معينة متعارف عليها في البحرين قديماً. وقد كانت مياه العيون الطبيعية تتدفق في قنوات مياهٍ أو سواقٍ، ويتفرع من هذه القنوات سواقٍ فرعية، يستفيد منها عدد معين من الأراضي الزراعية. وقد كانت مياه العين تُقسّم على الأراضي الزراعية التي تستفيد منها، وذلك بحسب قوانين (سبق أن تناولناها بالتفصيل في مقالات سابقة)، تنظم عملية ري كل أرض بحسب مساحتها واحتياجاتها. هذا، ويتم تقسيم وقت العين اللازم لري أرض معينة بوحدة زمنية تسمى «وضح». ويقصد بالوضح عند العامة في البحرين «نصف يوم»، إما من طلوع الشمس حتى غروبها أو من غروب الشمس حتى نصف الليل الأول، ويكون لكل عين وضحان في اليوم أي أربعة عشر وضحاً في الأسبوع (Serjeant 1993).

إن وجود مثل هذا النظام في تقسيم المياه، يستلزم وجود شخص معين، يكون هو القائم على إدارة مياه العين وتوزيعه على الأراضي الزراعية بحسب حصص معينة تم الاتفاق عليها مسبقاً. وهذا القائم على إدارة العين يحتاج إلى معارف معينة، أهمها استخدام الساعة الشمسية، أو التوقيت الشمسي، وكذلك معرفة النجوم ومواقعها لتحديد الأوقات ليلاً؛ وهذه من المعارف الأساسية والضرورية، وذلك لتحديد الأوضاح الخاصة لكل أرض زراعية، أي تحديد حصص المزارعين التي تم الاتفاق عليها مسبقاَ.

يذكر أن هذا القائم على توزيع مياه العين، يأخذ أجراً على عمله من جميع ملاك (أو ضامني) الأراضي التي تستفيد من العين. وقد اشتملت القوانين المنظمة لعملية الري في البحرين والمسماة (قانون ري النخيل) على قانون خاص بالقائم على العين، جاء في نص القانون: «لو كانت سيحة نخيل تسقى من عين بالتسكير، أي بالربط والهد، كمثل عين عذاري، ولها شخص معين من قبل مالكي النخيل يسكر الأوضاح بالإيجار، فعلى جميع الضامنين أن يدفعوا له» (Serjeant 1993).

وللأسف الشديد، وعلى الرغم من أن نظام الشراكة في العين بقي حتى قرابة الستينيات من القرن الماضي، إلا أنه لم تصل لنا العديد من التفاصيل حول مهنة الشخص القائم على العين الطبيعية، أو أي تسمية لهذه المهنة؛ علماً بأنه في المناطق الأخرى من الخليج العربي، يوجد التنظيم ذاته في التحكم في مياه العيون الطبيعية، وهناك مسميات تم توثيقها للقائمين على هذه المهنة. ففي المملكة العربية السعودية هناك مسئول عن العين يسمى «أمير الساقي»، ويعمل معه عدة عمال يتحكمون في توجيه مياه العين ويعرف هؤلاء بالرواسين (المشوح 2009، ص 177). أما في سلطنة عمان فهناك العريف والبيدار، ولهما نفس مهام أمير الساقي والرواسين (المشوح 2009، ص 181).

المسئول عن الريّ من الآبار

في البحرين قديماً، كانت تستخدم آلات معينة لاستخراج المياه من الآبار، حيث كانت تستخدم الغرافة أو المنزفة لاستخراج الماء من الآبار غير العميقة. ولاستخراج الماء من الآبار العميقة كانت تستخدم الزاجرة أو الجازرة، وهي عبارةٌ عن آلة مركبة تتكون من الحبال وعددٍ من البكرات وتعمل بالطاقة الحيوانية؛ حيث استخدم الثور عند البعض، أو البعير أو الناقة عند آخرين، وفي العصور الحديثة استخدمت حتى الحمير.

يذكر أنه في عمل الزاجرة، كان يوجد شخص مختص يقوم بتحريك الثور الذي يجر حبل الزاجرة أو الجازرة. وقد ذكر الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» اسم العامل على الزاجرة باسم السقاء، ولم يخصص له اسماً آخر. أما في دولة الإمارات العربية وسلطنة عمان، فيسمى زاجر أو جازر، وكذلك في مناطق من مصر يطلق مسمى الجازر على «الولد الصغير الذي يعمل أجيراً لمدة فصل زراعي، يتولى خلاله تسيير البقرة أو الجاموسة المربوطة إلى الساقية لتديرها» (من مذكرات الأبنودي، صحيفة «الجريدة» الكويتية 13/9/2007).

وعلى الرغم من أن الزاجر أو الجازر قد خلف أرثاً شعبياً ضخماً، متمثلاً في أهازيج الزاجرة، والتي وثق الناصري في كتابه سالف الذكر، العديد منها، إلا أنه لم يتم توثيق شيء حول الشخص نفسه، أي الزاجر، وطبيعة عمله.

الخلاصة، أن نظام الريّ القديم في البحرين ارتبط بمهن لم يتم توثيقها، بل إنها مسحت من الذاكرة الشعبية. من تلك المهن، مهنة المختص بتقسيم مياه العين الطبيعية على الأراضي الزراعية التي تتبع لها، وهي مهنةٌ تحتاج لمعارف معينة، وكذلك مهنة العامل على الزاجرة، وهي أيضاً تحتاج لمعارف أهمها كيفية التعامل مع الثور، وكذلك تميّز صاحب هذه المهنة بقدرته على التغني بالمواويل والأشعار.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً