العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ

«خطاطيف»... غياب التأنِّي

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

تخرج «وجود» بمشروعها الثاني «خطاطيف»، وهو عبارة عن مجموعة قصص قصيرة جداً، ضمَّت نحو 100 منها. المشروع ما كان له أن يرى النور لولا ذلك الدور الكبير والمسئول الذي اضطلعت به دار فراديس للنشر والتوزيع. بعض الأصوات المشاركة لها حضور، وبعض آخر ربما يطل على القرَّاء للمرة الأولى؛ لكن عاملاً مشتركاً ضم الأصوات جميعها، وهو اقتناص كل ما يمكن أن يمرَّ... يعبر... يخطف بالمخيِّلة؛ إذ ما يمر عليها لا يكون إلا خطْفاً في كثير من الأحيان؛ وخصوصاً بما يتطلَّبه هذا الجنس الأدبي، من سرعة قبض على الفكرة والشخوص، في أقل عدد من الكلمات... في الاختزال العميق... وأن تقول بالقليل ما هو كثيرٌ وكبيرٌ في مغزاه ومعناه.

تمثِّل مثل هذه المشروعات، وما تقوم به «وجود»، فرصة لاجتذاب وإخراج تلك الإمكانيات والمواهب من مجالها المغلق إلى فضاء الناس، واختبار النص، كما تمثِّل منصَّة أيضاً يختبر فيها كل من شارك في «خطاطيف» قدرته على أن يمارس قسوة على نفسه وضمن مستويين: قسوة ألَّا تأخذه «العزَّة» بالنص الأول، ونسيان أنه أمام رخاوة البدايات التي مهما ابتدأت قوية، إلا أنها تحتاج إلى أن تكون أكثر قوَّة، وإصراراً على تجاوز ما أنجزته وتنجزه، لأن النص ينتهي باستئناف نص آخر، لا بد أن يملك كل شروط وعلامات تجاوزه لما سبق.

من المبالغة القول، إن الأصوات جميعها واعدة، وتنطلق في تجربتها الأولى بقوة وتماسك وثقة. بعض الأصوات لم تقل شيئاً، وإن قالت، فلا يعدو قولاً/ كلاما/ كتابة تم إعادة إنتاجها، في درجاتها السطحية والساذجة. لكنها تجربة تستحق المحاولة، كما تتطلَّب مساءلة القائمين على المشروع، في اختيارات بدت كما لو أنها حشو. بعض القصص عملت على تشويش القارئ، بالقفزات الهائلة، والبون الشاسع بين تجربة وأخرى. ثمة غياب للتأنِّي. نقول ذلك بحب وحرص على هذه المشروع الذي تابعنا جدِّيته ووفاءه للأهداف التي تصدَّى لها، دون أن يعني ذلك غض الطرف عن غياب ذلك التأنِّي، وكأن الحرص على الإصدار الثاني هو المسألة، لا الحرص على أكبر قدر من تماسك النصوص، وما تحمله من قيمة، لن تبرز إلا بأدوات يحتاجها هذا الجنس الأدبي بشكل مضاعف عن بقية الأجناس الأخرى.

أقول، لم تخْلُ بعض النصوص من السذاجة وبدت باهتة لا روح فيها، عادية في لغتها وفكرتها، ويمكن القول، إن بعض القصص خلت من فكرة ذات قيمة أساساً، وإن احتوتها، لم يتم إعمال أدوات ترتقي بها إلى مستوى الفكرة الجديدة وإن تم استهلاكها. تتكرر الفكرة، لكن المعالجة والصياغة بتوافر الأدوات يمنحها قيمة، شكلاً، روحاً أخرى.

كل هذا الكلام لا ينسف نصوصاً بدت فارقة ومدهشة، وعميقة في الوقت نفسه؛ ولعل عدم خضوع نشر النصوص وأصحابها للترتيب الأبجدي، عمل على إنقاذ جانب منه، باعتماد ترتيب ما يبدو أنه الأفضل من النصوص، وإن بدا ذلك الترتيب بعد ذلك غير منضبط في نصوص كثيرة.

ما يُغري على قراءة المجموعة افتتاحها بنص «جلاء»، لولاء إبراهيم الملا: «عاد بعد الحرب مع العدو بعين واحدة، صار يرى الجميع بوضوح... لا يرى منهم أحداً». ملفت هو النص، وعميق، ومبشِّر بالكثير، على أن الرهان يتحدَّد في القدرة على تجاوزه. ثمة نصوص أخرى ملفتة وجميلة لا تسع هذه المساحة للوقوف عندها.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:57 م

      يعطيكم العافية ومع تكرار التجربة يتم تلافي الأخطاء وتتطور المشاركات
      (عبدالعزيز الجار).

اقرأ ايضاً