العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ

لغة «الحسين» العالمية

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

على مدى التاريخ، وحتى يومنا الحاضر، حاولت بعض الأقلام في كتبها ومؤلفاتها - خصوصاً التاريخية منها - إعطاء صورة مشوهة ومليئة بالمغالطات والافتراءات بشأن نهضة الإمام الحسين (ع) في كربلاء يوم العاشر من شهر محرم من العام 61 للهجرة (10 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 680 للميلاد)، لكن لأن لغة الحسين (ع) لغة إنسانية في مبادئها قبل أن تكون إسلامية عربية، فإنها امتدت لتخاطب كل الشعوب بكل اللغات.

قبال ذلك المد الفكري المتألق، لا يمكن أن تنجح حملات التشويه، وإن سلمنا إلى أن العديد من منابر التطرف والتكفير والتشدد لم تتوقف في استغلال الذكرى لإثارة الضغائن بين أبناء الأمة من جهة، وكذلك، وبكل صراحة، وجود منابر وأنشطة وممارسات اعتاد عليها البعض في إحياء ذكرى عاشوراء هي الأخرى تسهم من خلال الخطاب المتشدد والمتشنج في إذكاء نار الخلاف والصدام، إلا أن تلك اللغة (إنسانية مبادئ كربلاء)، نجحت طوال 1377 عاماً أن تخاطب المسلمين وغير المسلمين بما فيها من نقاء صور المساواة والتضحية والمحبة والإخلاص والدفاع عن المبادئ والقيم وحقوق الإنسان، وهذه كلها مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي فداه سبط رسول الله (ص)، لذلك، فالطرفان المتشنجان المتناحران المثيران للضغائن والأحقاد، ليسا على صلة جوهرية بمضامين تلك المبادئ.

إنها لغة لا مجال فيها لعواصف الطائفية والمذهبية ونشر الشقاق بين أبناء الأمة الإسلامية، هذا بالنسبة لمن يحمل قلباً نقيّاً يحترم معتقدات الناس وحقوقهم في اعتناق الدين والمذهب الذي يشاؤون لا أن يكون عليهم وصيّاً وكأنه ملاك مرسل، وهذه اللغة، جعلت من المؤرخ الأميركي (واشنطن ايروينغ) يكتب: «كان بميسور الإمام الحسين النجاة بنفسه عبر الاستسلام لإرادة يزيد، إلَّا أنّ رسالة القائد الذي كان سبباً لانبثاق الثورات في الإسلام لم تكن تسمح له الاعتراف بيزيد خليفة، بل وطّن نفسه لتحمّل كل الضغوط والمآسي لأجل إنقاذ الإسلام من مخالب بني أُميّة، وبقيت روح الحسين خالدة، بينما سقط جسمه على الرمضاء اللاهبة... أيها البطل، ويا أسوة الشجاعة، ويا أيها الفارس يا حسين»، ولربما كان النص الذي كتبه المستشرق الألماني (ماربين) أكثر وضوحاً في فهم رسالة نهضة الحسين (ع): «قدّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيّته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما... لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام لهما، وأنّ صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلَّا أنّه لا يعدو أن يكون أمام الحقّ والحقيقة إلَّا كريشة في مهب الريح»، أما الزعيم (غاندي) فكلمته الشهيرة معلومة لدى الغالبية: «لقد طالعت حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الإمام الحسين... لقد تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر».

لغة الإمام الحسين (ع)، والتي تلزمنا بأن نقرأ ونبحث ونتعمق أكثر وأكثر في تفاصيل هذه الملحمة الخالدة، ليس بالأسلوب النمطي الذي لا يقوم على البحث والاستدلال والتعمق، هي صفحة مهمة للغاية في تاريخ الإنسانية، فهي من جهة تقدم نموذجاً نهضويّاً للدفاع عن الدين والمثل والقيم والمبادئ، والحفاظ على حقوق الناس وأعراضهم وشرفهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق صحيح الشرع، وانطلاقاً من الإصلاح الحقيقي للأمة، وللدفاع عن المظلومين، أيّاً كان دينهم ومذهبهم وجنسهم، لتحقيق المصلحة العامة، وليس مستغرباً، إذ وُصفت ثورة الإمام الحسين عليه السلام بأنها قامت على أساس الأخلاق والمروءة، وغايتها المصلحة العامة، وكانت جهاداً للقضاء على الرذيلة ونشر الفضيلة... شاء من شاء وأبى من أبى.

لدينا في مملكة البحرين العديد من النماذج لبلورة هذه اللغة، ولعل أبرزها النشاط السنوي لجمعية المرسم الحسيني للفنون الإسلامية التي تأسست منذ العام 2001 وأشهرت رسميّاً وفق القرار رقم (5) لسنة 2004، فهي تحمل رسالة باللغة العالمية وهي لغة الفن: «رسالتها الأكبر وهي (ثورة الحسين (ع) كرسالة إصلاحية للأمة)، وعبر الفن الهادف، تسنى لها الانتشار إسلامياً وعربياً وعالمياً، فعلى سبيل المثال، حقق معرض الجمعية الذي أقيم في شهر يناير/ كانون الثاني من العام 2011 في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، تقدماً كبيراً في جهوده لنشر مبادئ الإسلام ومنطلقات الثورة الحسينية في عاصمة غربية انطلاقاً من تعاليم الإسلام في التواصل بين الأديان والثقافات والشعوب وباستخدام لغة الفن».

إن لغة «كربلاء الحسين الحقيقية» تحتوي كل البشر تحت مظلتها، وتعرف البشر بأن الدين الإسلامي يحمل دعوات للمحبة والتسامح والتآخي والتواصل الإنساني.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 5145 - الجمعة 07 أكتوبر 2016م الموافق 06 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 7:06 ص

      نعم الذين غدرو بالحسين هم طغاة الامويين واشياعهم كما يقول سيد شباب الاهل الجنة والبطل الخالد يوم العاشر يا شعتة
      بني سفيان العنة والعار لهم والبراءة منهم ومن انصارهم ونحن ندكروهم فيى كل سنة يا اخي

    • زائر 14 | 5:18 ص

      انتو تكتبون عن ثورة الحسين ولكن الى حد الان لم تذكرون لنا من هم الذين غدرو بالحسين

    • زائر 17 زائر 14 | 11:41 ص

      عندك في بيتك كتاب أسد الغابة لابن حجر العسقلاني؟عندك كتاب ينابيع المودة للقندوزي؟سيقرأ أن حكومة يزيد بقيادة عبيد الله بن زياد بن أبيه ومخابراته وجنوده سجنوا كل أنصار الحسين في الكوفة واستعانوا بخونتها من الفجار والمرتزقة؛ لكن سؤالي لك: الجيش القادم من الشام لقتال إبن رسول الله جيش من؟أليست حكومة يزيد وجيش يزيد؟لا تبريء قاتل ريحانة نبيك لا تكن جاهلا فتعلم..

    • زائر 18 زائر 14 | 11:45 ص

      أول بسألك وبعدين بجاوبك. ..وأنت ليش ما تبحث وتقرأ التاريخ الصحيح بدال ما تكتفي بالفضائيات الغبية وتصير غبي مثلهم؟ معقولة ما تدري أن جيش الدولة الرسمي الذي قاتل الحسين عليه السلام هو جيش الحاكم الفاجر يزيد؟ وإلا مخك ما يحتمل إلا الكذب والتشويه. ..

    • زائر 13 | 4:58 ص

      الحسين عليه السلام
      شمعة لن تنطفى
      الحسين ثورة الحق على الباطل
      الحسين خرج لاصلاح امة جده ليامر بالمعروف وينهى عن المنكر
      الحسين نور الله فى الارض
      السلام على الحسين وعلى اصحابه الذين بدولو مهجهم دون الحسين

    • زائر 9 | 1:52 ص

      أرجو من الكاتب قراءة مقال الكاتب قاسم حسين في الوسط العدد 4689 - الجمعة 10 يوليو 2015م، حيث يقول فيه: "في موسم عاشوراء الماضي، نُشرت مجموعةٌ من كلمات المديح بحق الإمام الحسين (ع)، ونسبت لبعض المفكّرين والكتاب والزعماء الغربيين، مثل فيكتور هيغو وشارل ديغول، ونسبت كلمتان إلى تشي غيفارا وراجيف غاندي. فهذه الماكنة الصدئة لم تعد تنتج إلا مثل هذه النتاج الذي تستغفل من خلاله العقول."

    • زائر 12 زائر 9 | 3:45 ص

      بعضها صحيح طبعا
      وإذا كان بعضها غير دقيق وغير صحيح إلا أن ما طرحه الكاتب قرأته شخصيا في كتبهم مثل رحلة إلى العراق وكربلاء ملحمة للإنسانية. ..فأعتقد من المهم نعتمد على الكتب والمؤلفات كمصدر
      أما الزعيم غاندي فما قاله مدون في وثائق مركز تاريخ الهند في ولاية اوتربراديش ..وشكرا لكم وللكاتب. .أخوكم الفضلي

    • زائر 7 | 1:20 ص

      صدقت والله..بس ياريت نسمع تشجب من .......... .........ولا تنسى ذلك الحشد الشيعي المتعصب وباسم الطائفة..يرتكب تلك المجازر..ليش عينك لا تري ألا ما تريده..
      الحسين بن يا من أمثال هؤلاء المليونية دنيا وآخرة.

    • زائر 8 زائر 7 | 1:42 ص

      كالعادة. ..البعض يخلط الحابل بالنابل
      يا خوي الكاتب موضوعه واضح وأنت في وادي آخر
      شكلك من جماعة نشجب ونستنكر بلا عقل

    • زائر 6 | 1:03 ص

      أستاذنا الإعلامي والكاتب سعيد محمد... الطغاة وأتباعهم منذ ثورة الإمام الحسين عليه السلام وحتى اليوم قتل وتشويه .............

    • زائر 5 | 12:57 ص

      لو كانت شهادة الإمام الحسين عمل بشري لانتهى ذكرها وعفى عليها الزمن، لكنها ضمن مخطّط رباني إلهي نزل به الروح الأمين جبرئيل على النبي الخاتم صلى الله عليه وآله حين ولادة الإمام الحسين ع اذ هنأه بولادته وعزّاه بشهادته وبكى النبي في نفس الوقت وهذا متفق عليه في الكثير من كتب التاريخ سنيّة وشيعية. وهذه الأحاديث متواترة وعلى رأسها حديث التربة التي اودعها النبي عن زوجته أم سلمة رض والتي فاضت دما عبيطا كعلامة على استشهاد الامام عليه السلام

    • زائر 4 | 12:31 ص

      نعم يا اخي العزيز لان ثورة الحسين الخالدة لسيد شباب اهل الجنة يشعر بها ويعشها الاحرار الذين انعم الله عليهم بالعقل
      العقل والهداية

    • زائر 2 | 11:18 م

      ان نهضة الحسين تحاكي الروح والوجدان البشري ، فكل من اطلع على نهضة الحسين اكبرها وعظمها لانها ثورة من اجل الإنسان الذي أراد له خالقه ان يكون حرا كريما ، لهذا صح أن تكون نهضة الحسين لكل أحرار العالم . وهذا سر بقائها حية غضة وإن اجتهد من اجتهد لإخماد نورها المتألق .

    • زائر 1 | 11:14 م

      الحمدلله على نعمة العقل

    • زائر 3 زائر 1 | 11:47 م

      أي والله. .الحمد لله على نعمة العقل الذي جعلنا نتبع منهج النبي محمد صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الكرام المخلصين خصوصا وصاياه لمودة القربى وجريمة كربلاء آذت رسول الله كثيرا فالحمد لله أن مبادئ النبي في نهضة سبطه الحسين باقية فينا إلى اللبدغ

    • زائر 16 زائر 1 | 7:26 ص

      فعلا الحمد لله على نعمة العقل وموالاة أمير المؤمنين عليه والسلام والأئمة من بعده والسير على دربهم إلى قيام الساعة ، السلام على الحسين وعلى علي آبن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام .

اقرأ ايضاً