العدد 5163 - الثلثاء 25 أكتوبر 2016م الموافق 24 محرم 1438هـ

ديوان «بيت بفيء الياسمين» لفضيلة الموسوي وسيرة السيد العدناني

فضيلة الموسوي
فضيلة الموسوي

يوسف مكي - كاتب وباحث بحريني 

تحديث: 12 مايو 2017

إنه كتاب تشاهده مصادفة في المكتبة فيما بين الكتب، فيجذبك بعنوانه الذي كُتب على غلافه «بيت بفيء الياسمين» فيستميلك أكثر فتأخذه برفق فتكتشف أن غلافه تضمّن جزءاً من وجه امرأة رُسم بزهرات الياسمين البيضاء التي توشّحت بغلالة خضراء انسجاماً مع اللون الأخضر الطاغي للغلاف، بالإضافة إلى ذلك ذُيِّل الغلاف بفضيلة الموسوي.

بعد ذلك تكتشف أن الكتاب ومن عنوانه هو ديوان شعر وأن صاحبته شاعرة، وأن هذا الديوان قد اكتنز بلؤلؤ الشعر وجواهره على امتداد 152 صفحة من البياض.

هذا في الإطار العام. أما من حيث التفاصيل فإن الديوان هو الأول بالنسبة إلى الشاعرة فضيلة، لكنه بما احتواه من نصوص ينمّ عن تجربة شعرية ناضجة وثرية، وأكاد أقول، متكاملة تصدر عن شخص خبير ومتمكن من أمور وفنون الشعر، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن نصوص الديوان جاءت كلها في حلة حداثية تقتفي آخر منجزات الشعر الحداثي - اعني قصيدة النثر - ما يدل على تمكن الشاعرة من الإمساك بناصية الشعر وأسراره وخباياه حتى لو كان حداثياً.

لذلك لا أبالغ - على الأقل على الصعيد الشخصي - ومع علاقتي الطويلة والمستمرة بتذوق الشعر عندما أقول إن هذا الديوان هو من أجمل ما قرأت من نصوص على امتداد عشرات السنين.

ولكن ما محتوى هذا الديوان، وما هي جمالياته؟ . للإجابة على ذلك سأبدأ بجماليات الديوان لأشير إلى العنوان «بيت بفيء الياسمين» وأتساءل هل هناك أجمل من التأثير المغناطيسي لهذا العنوان، لا بل هل هناك أجمل من بيت بالمعنى الحقيقي وقد ظلله الياسمين وضمخ هواءه. هذا أولاً. وثانياً هل هناك أجمل من بيت بالمعنى المجازي (الشعر) وقد خرج مضمخاً برائحة الياسمين من قريحة/ روح امرأة عامرة بالشعر هي فضيلة الموسوي، وقد جعلت من ذاتها، شِعرها، قصائدها زهور الياسمين الفوَاحة شعراً، وأن الشعر هو كالهواء في بيت الياسمين الحقيقي، بيت الشاعرة الأول. وكأن هناك علاقة لا تنفك بين بيت الياسمين الحقيقي وبيت الياسمين المجازي المتمثل في ديوان الشعر.

إذن، جماليات الديوان تبدأ من الغلاف والعنوان بمعناه الحقيقي والمجازي لكنها لا تتوقف عند هذا الحد بل تأخذك إلى محتوى الديوان، وهنا نصل إلى الإجابة على صدر السؤال - ما محتوى الديوان - هذا الديوان الذي يتوزع على ثلاثة أقسام/ أجزاء مختلفة ومؤتلفة في الوقت نفسه لأنها وإن تعدّدت مواضيعها هي مرتبطة في التحليل الأخير بمكان واحد هو بيت الياسمين الحقيقي بأشخاصه، نسائه ورجاله وحيواته وأفراحه وأتراحه، وأهم من كل ذلك بتاريخه الحافل بالشهوات والتديّن والنبوءات.

القسم الأول من الديوان حمل عنوان «مهجة البيت» ويتكون من 29 قصيدة هي متسلسلة عبارة عمّا يشبه السيرة الذاتية، لأحد الأشخاص سرعان ما نكتشف أن صاحب السيرة هو السيد محمد صالح بن السيد عدنان الموسوي المعروف بالخطيب العدناني.

في هذا القسم قدمت الشاعرة لوحة بانورامية شعرية عن سيرة السيد العدناني وهو والدها حيث يستغرق هذا القسم قرابة نصف الديوان. وقد وفقت الشاعرة عندما عنونت هذا القسم بـ «بمهجة البيت»، أي روح البيت وشريان القلب في إشارة إلى صاحب السيرة لتأخذك في رحلة شعرية عن صاحب السيرة ابتداء من رسم ملامحه وهيئته دون أن تلتزم بالتسلسل الزمني التعاقبي للسيرة حيث الزمن الشعري متداخل، حيث تكتب في القصيدة الأولى (بورتريه 1):

«كن كما كنت

جالساً في ألق الشباب

بساقين متقاطعتين

واثق السحنة كالملوك

بيد أن تلك الخصلة المتمردة في جبينك

ابتسامة وشيكة على وجهك»

إلى أن تكتب في نهاية القصيدة

«أعيد رسمك ووصفك كما أشتهي

وأغالي في وهج الصورة وهالتها».

أجل إن الشاعرة تكتب أباها كما تشتهي، وتستمر سيرة السيد عبر لغة شعرية جميلة ودافئة تظللها علاقة حب بين صاحب السيرة وكاتب السيرة أو بالأصح شاعر السيرة. يتجلى ذلك في قصيدة «نساء الياسمين» عن أولئك النسوة اللاتي تسابقن على قلب السيد .

«كم ياسمينة تتسابق إلى قلبه

من فازت؟

من خسرت؟

من غارت؟

من غابت؟».

ولكن مع كثرة المتسابقات على قلب السيد هنَ فقط :

«أربع فقط

كلهن دافئات، جميلات،

خليلات، منعشات، موردات،

بيد أن العطر يختلف».

وتستمر القصائد لتمثل كل قصيدة زاوية مجازية أو حقيقية ربما من حياة السيد وأحواله كما في قصيدة « اسمك» وهي وصف معبر عن شخصية السيد وهو معتكف بين الكتب يمارس طقوسه وشعائره. ففي هذه القصيدة نجد أن السيد:

«لا يسعه العالم

لا تسكنه الحروف

أينما يذهب يتأبط شعراً ونبوءة

أينما يحل يفتح مصحفاً جديداً

يدوّن جراح التاريخ

ويتوجه بالأسماء» .

وتنتهي القصيدة بمقطع أخير يصور السيد وهو في أقصى حالات الوجد مع الصدّيقة:

«كلما هبط الليل وانسحب من تحت عباءته

صنَاع وعلماء

جاءته الصدّيقة وحيداً

إلَا من رعشة الرهبة».

وهكذا تستمر قصائد «مهجة البيت» في الانثيال العاطفي من قبل الشاعرة تجاه السيد لتكن هي حارسته في لحظاته الأخيرة كما في قصيدة (جناح 12) ففي المقطع الأخير من القصيدة تصوير جميل لهذا الموقف التراجيدي:

«على سرير الله

لي وحدي

أطرافه الباردة

في ظهيرة باردة

أنامل معطلة عن القلم

ترجل تشيد الأمل

على حافة الولادة».

(وللكتابة صِلة)

غلاف الديوان
غلاف الديوان




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً