العدد 5166 - الجمعة 28 أكتوبر 2016م الموافق 27 محرم 1438هـ

بلاد النجاشي... ذلك البلد المنسي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَنْ منا لم يسمع بـ أصْحمة النجاشي؟ إنه ملِكُ الحبشة «أثيوبيا الآن»، الذي آوى المسلمين في بداية الدعوة على رغم نصرانيته. والأصْحَم والصُّحْمَة في اللغة تعني السواد المائل للصُّفرة، وفي أقوال أخرى الغُبْرة مع سواد قليل أو «حمرة وبياض» أو «صفرة في بياض». أما لفظ النجاشيّ فتعني المستخرج للشيء، لكنها بلغة الأحباش أو الأنباط هي مرادفة لأصْحَمَة التي تعني العطيّة.

أثيوبيا أو الحبشة هي هضبة مرتفعة تقع في غرب اليمن، تُشكلها دولة مغلقة في القرن الأفريقي تعتبر الثانية في القارة السمراء من حيث عدد السكان. أهمية هذا البلد تأتي من كونه يُجاور البلدان الخمسة المؤثرة في الأمن القومي لشرق أفريقيا والبحر الأحمر وخليج عدن ومنطقة جنوب شبه الجزيرة العربية: أريتيريا والصومال والسودان وجنوب السودان وكينيا.

تداخل هذا البلد مع العالم العربي منذ زمن بعيد. ففي الحقب الغابرة زحفت قبائل عربية من الحبشتيين والأجعازيين نحو تلك المنطقة، مُشكِّلين نواة ساميّة. وعند ظهور المسيحية، اعتنق الأحباش هذه الديانة السماوية، ثم مع ظهور الإسلام أخذ الدين الجديد في التمركز على أطرافها في حين بقيت الهضبة على المسيحية. اليوم هناك 34 مليون مسلم من أصل 100 مليون يعيشون في ذلك البلد.

وعند دراسة ظروف علاقات أثيوبيا الخارجية، سنرى أن أكثر توتر فيها هو في الزاوية الأريتيرية؛ والسبب في ذلك أن أريتيريا هي السبب الأساس في جعل أثيوبيا دولة مغلقة، ليس لها بحار. فهي تحجبها عن أهم ممر دولي وهو باب المندب وصولاً إلى منتصف البحر الأحمر تقريباً، فضلاً عن أن الأحباش كانوا هم المهيمنين على أرتيريا لسنوات طويلة، ولذلك مايزالون يرون تاريخهم فيها.

أما الزاوية الثانية التي تستعر عليها علاقات أثيوبيا فهي مع الصومال بشأن قضية أوغادين الذي تحتله أثيوبيا منذ أزيد من 6 عقود. لذلك، نرى حضور أديس أبابا واضحاً في القضايا الأمنية الصومالية، ومشاركتها بقوات عسكرية منذ سنوات ضد «حركة الشباب المجاهدين» قبل أن تقرر سحبها منذ أيام؛ بسبب مشاكل في التمويل ومشاكل سياسية داخلية.

أما الزاوية الثالثة الملتهبة في علاقات أثيوبيا فهي مع مصر، التي تعارض قيام أديس أبابا بتشييد سدّ النهضة الذي سيؤثر كثيراً على حصة مصر من نهر النيل الذي يبدأ في الجزء الشمال الشرقي من القارة الإفريقية، مارّاً بأوغندا والسودان وجنوب السودان ومصر والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وأريتيريا وكينيا لينتهي إلى البحر الأبيض المتوسط.

كانت أثيوبيا بنظر الكثير من المنظمات الدولية بلداً منكوباً أو مغلوبا على أمره، إلاّ أنه وبعد العام 1991 بدا مختلفاً. ففي ذلك الأوان كانت البلاد للتو خارجة من حكم منغستو هيلي ميريام الذي استمرّ منذ العام 1976 ولغاية العام 1990. لكن الأكيد هو أن هذا البلد لاقى عناية خاصة من الغرب بعد أن تعاون مع جمعيات أميركية ويهودية لترتيب هجرة يهود الفلاشا صوب إسرائيل.

ومنذ التسعينات ولغاية الآن، ظهر هذا البلد للعالم بصورة الدولة المتطورة في الصناعات التحويلية وتطوير البنية التحتية وشبكة المواصلات. وبات يستقبل المستثمرين للعمل على أراضيه تشجيعاً منه على تنويع مصادر الدخل. وقد نسجت أثيوبيا في سبيل ذلك علاقات متينة مع الصينيين والأتراك الذين وجدوا فيها مؤخراً باباً يُؤذون من خلاله مصر ما بعد الأخوان.

كان ذلك مدعاة لأن يصل فيها النمو إلى 9 في المئة في بداية الألفية، وزاد متوسط دخل الفرد 4 أضعاف بعد أن كان لايتجاوز الـ 517 دولارا. وقد أثر كل ذلك على نمو الطبقة الوسطى، ووجود حياة اجتماعية وصحية متنامية، رفعت من متوسط الأعمار، وزادت من فرص التعليم، ونبّهت الأكاديميين إلى أدوار أخرى خارج الجامعة تتمثل في تصويب مسيرة الدولة السياسية والاقتصادية.

هذه اللحظة، التي تزامنت مع تطور أثيوبيا كانت غائبة عن أذهان السياسيين في أديس أبابا، الذين اعتقدوا بأن الصراعات القومية وتطوير بنية البلد الاقتصادية كافية لأن تجعل الشعب الأثيوبي لا يتطلع إلى مستقبل سياسي مختلف. فمن فروض التنمية الاقتصادية أنها تُنبّه إلى مسارات التنمية السياسية. وهو أمر حدث ويحدث في غيرها من البلدان، وهو ما غيَّر من صورة أثيوبيا.

ذلك الشعور يتنامى مع وجود الأقليات والجماعات المتغايرة والمتكاثرة في داخل البلد الواحد، وهو ما انطبق على ظروف أثيوبيا تحديداً. فمنذ عام وهذا البلد يعيش واقعاً سياسياً متأزماً؛ بسبب المظاهرات التي خرجت مطالبة بإنصاف القوميات الأخرى، وهو ما أدى إلى مقتل المئات، ما دفع الحكومة الأثيوبية لأن تفرض حالة الطوارئ في البلاد لستة أشهر. وهو أمر لم يحصل منذ 25 عاماً.

بين قومية الأرومو (32 في المئة) وقومية التيجراي (6 في المئة) وقومية الأمهرا (30 في المئة) تظهر القومية الأصغر هي المهيمنة على كل شيء، ما يجعل القوميات الأخرى تنتفض. في حسابات كهذه تصبح التنمية بلا وزن ولا لون ولا رائحة في ظل تمييز ضد جماعات وطوائف أخرى. فالعدالة ليست في أن تُوجِد نهضة فقط، بل كيف تُشعِر مَنْ يعيش معك بأنه موجود وله قيمة وطنية غير منقوصة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5166 - الجمعة 28 أكتوبر 2016م الموافق 27 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً