العدد 5175 - الأحد 06 نوفمبر 2016م الموافق 06 صفر 1438هـ

موراكامي يحذِّر من استبعاد الغرباء... عليك أن تراقب بعناية الظلام المقيم فيك

بعد عام من فوزه بجائزة هانز كريستيان... تسلَّمها قبل أسبوع...

هانز كريستيان أندرسن - هاروكي موراكامي
هانز كريستيان أندرسن - هاروكي موراكامي

قبل أقل من أسبوع فقط، تسلَّم الروائي الياباني العالمي هاروكي موراكامي، صاحب «الغابة النرويجية»، جائزة الكاتب والقاص الدنماركي هانز كريستيان آندرسن، على رغم أنه نالها في شهر سبتمبر/ أيلول 2015. وتحتل الجائزة مكانة مرموقة بين الجوائز المخصصة لأدب الأطفال، أو الأعمال التي تقترب من الأسلوب الحكائي لآندرسن، وتمنح كل عامين في احتفال رسمي تقوم فيه ملكة الدنمارك مارغريت بتسليم الجوائز.

بالعودة إلى ما كتبه آندرسن نفسه في توضيحه لعالم وفحوى قصصه، نقف على الآتي: «حكاياتي الخرافية هي للكبار كما هي للصغار، فالأطفال يفهمون السطحي منها، بينما الناضجون يتعرفون على مقاصدها ويدركون فحواها. ليس هناك إلا مقدار من السذاجة فيها، أما المزاح والدعابة فليست إلا ملحاً لها»، وفي المقام نفسه يشير إلى أن الكاتب «والراوي يجب أن يسمع صوته من خلال الأسلوب، واللغة يجب أن تقترب من الشفاهة. القص هو للأطفال ولكن الكبار يجب أن يصيبهم نصيب من المتعة أيضاً».

أليسون فلود كتبت تقريراً في صحيفة «الغارديان» يوم الثلثاء (1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، أضاء جانباً من كلمة كتبها موراكامي لحفل تسلُّمه الجائزة، وجانباً من أعماله، اخترنا أهم ما جاء فيه، مع هوامش وإضاءات كان لابد منها.

يشير تقرير فلود إلى أن هاروكي موراكامي حذَّر من أنه، بغضِّ النظر عن مدى تطاول الجدران التي نبنيها كي نبقي المتسللين خارجها. وبغضِّ النظر عن مدى دقة استبعادنا للغرباء. وبغضِّ النظر عن عدد المرات التي نُعيد فيها كتابة التاريخ كي يكون ملائماً لنا، فإننا لا نبرح في نهاية المطاف إفساد أنفسنا وإتلافها».

لكلِّ ظلٌّ

وتحدث الروائي الياباني في كلمة له، بعد حصوله على جائزة هانز كريستيان آندرسن الأدبية، قائلاً، «كما أن للناس جميعاً ظلالاً، كذلك فإن لكل مجتمع وأمة ظلالاً أيضاً»، و «إذا كان هناك إشراق، وجوانب مُشرقة، فستكون هنالك بالتأكيد موازنة للجانب المظلم. إذا كانت هنالك إيجابية، فستكون هناك سلبية بالتأكيد على الجانب العكسي».

مشيراً إلى أننا في بعض الأحيان نميل إلى أن نشيح بنظرنا عن الظل، وتلك هي الجوانب السلبية التي نُوصم بها. وفي أحيان أخرى نحاول القضاء عنوة على تلك الجوانب. لأن الناس يريدون - قدر الإمكان - تجنب النظر إلى تلك الجوانب المُعتمة لديهم، وتجنُّب النظر إلى الصفات السلبية لديهم. مُوضحاً بأنك «تحتاج إلى أن تكون لديك ظلال». وفي خلاصة يقول: «إن الضوء الذي لا ينتج ظلالاً ليس ضوءاً حقيقياً».

وتابع، عليك أن تتعلم بصبر العيش جنباً إلى جنب مع ظلك. وأن تراقب بعناية الظلام المقيم في داخلك. وحين تكون في نفق مظلم عليك أن تدخل في مواجهة مع الجانب المظلم فيك.

وتم الإعلان عن فوز موراكامي بجائزة هانز كريستيان آندرسن العام 2015، إلا أنه تلقاها في الأسبوع الماضي. الجائزة التي تبلغ قيمتها 500 ألف كرونة، ما يعادل 67 ألف يورو، وتمنح للكتابة التي يمكن أن تُقرن باسم آندرسن والتشابه في مواصفات الحكاية التي عُرف بها، وكذلك جودتها الفنية، فاز بها عدد من المؤلفين من بينهم الروائي باولو كويلو في العام 2007، والروائية الإنجليزية جي كي رولينغ، والروائي البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي. وللمتابعين لأعمال موراكامي سيجدون قدرته على المزج بين كثير من الفنون، وتفصيلاً في هذا الجانب، قالت لجنة الجائزة في تقريرها، إن موراكامي البالغ من العمر 66 عاماً استطاع «المزج بجرأة بين فن السرد الكلاسيكي والثقافة الشعبية والتراث الياباني والواقعية الحالمة والمحاورات الفلسفية».

حيوية السرْد

منوِّهة اللجنة إلى أن «نثر موراكامي الخيالي يجسِّد نظرة عالمية وحيوية في السرْد تحمل أوجه تشابه مع كتابات هانز كريستيان آندرسن».

وأشارت عضو لجنة التحكيم والأستاذة في جامعة جنوب الدنمارك آن ماري ماي، في كلمة ألقتها في حفل الافتتاح، إلى أن كتاباته تمتلك شعرية متميزة في الصور والأوصاف التي يقدم بها المناظر الطبيعية، ومناظر المدينة.

كوراكامي، مؤلف أعمال مثل «الغابة النرويجية»، التي تسرد قصة شاب يموت صديقه، فيدخل في حالة تقمّص الموت باعتباره مفصلاً من مفاصل الحياة، حيث تأخذنا تداعيات السرد فيها إلى حياته التي تتحول إلى الاقتراب من الأخيلة الجنسية، دنوَّاً من اكتشاف ما يربط الأشياء، كما نقف فيها على امتزاج الواقع بالخيال... العقل بالجنون، والموت بالحياة. وكذلك رواية «كافكا على الشاطئ» التي تتكون من 49 فصلاً حيث الفتى كافكا تامورا، وهو اسم السارد في الرواية، وليس اسماً حقيقياً، انطلاقاً من عالمه الخاص في مقابل العالم العجيب للعجوز ناكاتا. تضعنا الرواية أمام استشارة تامورا غرابه، حيث يغادر البيت تاركاً والده في توقيت عيد ميلاده الخامس عشر. التفاصيل في الهجرة والمكان الجديد، الانتقال إلى بلدة تاكاماتسو. لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد، اعتماداً على نفسه، وصولاً إلى استقراره في مكتبة أهلية صغيرة يعمل بها فرّاشاً وقارئاً لأعمال ناتسومه سوسيكي الكاملة (أبرز روائي ياباني في عصر ميجي. كما نظم الشعر بأسلوب الهايكو وأسلوب الكانشي. ولد في مدينة إدو، وتوفي فيها بعد أن صار اسمها طوكيو. عانى ناتسومِه طفولة قاسية؛ إذ إن عائلته كثيرة الأطفال والفقيرة اضطرت إلى منحه لعائلة إقطاعية لقاء إعالته، ولم تتمكّن من استعادته إلا بعد زوال الإقطاع، وكان الطفل قد بلغ الثامنة من عمره).

معنى الظلال

حملت الكلمة التي ألقاها موراكامي في الدنمارك عنوان «معنى الظلال»، في التفاتة تكريمية لقصة أندرسون «حكاية الظل».

قبل فوزه بهذه الجائزة بسنوات، وتحديداً في العام 2009، حين فاز بجائزة القدس، وقبوله بتسلُّمها، حدث لغط عمَّ الأوساط الثقافية العربية أولاً، وبقية المثقفين والروائيين العالميين ممن لهم موقف واضح من الأسس التي قام عليها الكيان الصهيوني، وممارساته تجاه الشعب الفلسطيني. في تلك المناسبة كان لابد أن يقدم توضيحاً، ربما تم قبوله من قبل فئة، واعتبرته فئة أخرى محاولة يائسة لإنقاذ ما تبقى من ماء الوجه، لأن كثيرين رأوا في قبوله الجائزة موقفاً لا ينمُّ عن شعور بالتزام ومسئولية المثقف. المثقف الإنساني، بعيداً عن أي انتماء.

وردت في كلمته التي ألقاها في الاحتفال بتسلُّمه الجائزة، إشارة أطلق عليها «رسالة شخصية جداً»، وجاء فيها «إنها أمر أحتفظ به دائماً في مخيّلتي عندما أكتب رواية. لم أصل في يوم من الأيام مرحلة كتابتها على ورقة وإلصاقها على الحائط، فهي بدلاً من ذلك محفورة على جدران ذهني، وهي على الصورة الآتية: «بين جدار صلب مرتفع بيضة هشة تنكسر عليه، أقف دائماً إلى جانب البيضة. نعم، بغضّ النظر عن مدى صواب الجدار وخطأ البيضة، سأقف مع البيضة. على شخص آخر أن يقرر ما الصواب وما الخطأ. قد يقرر الزمن أو التاريخ ذلك إذا كان هناك روائي كتب أعمالاً، لأي سبب من الأسباب، إلى جانب الجدار، فما هي قيمة هذه الأعمال»؟

ضوء لابد منه

وُلد هانس كريستيان آندرسن، في أودنسه، في 2 أبريل/ نيسان 1805، وتوفي في كوبنهاغن في 4 أغسطس/ آب 1875. كاتب وشاعر دنماركي يُعد واحداً من الكتاب البارزين في مجال كتابة الحكاية الخرافية. يُعتبر شاعر الدانمارك الوطني، وعلى رغم كونه كتب في مختلف حقول الأدب كالرواية، والنص المسرحي، والشعر غير أن موهبته تجلت، أكثر ما تجلت، في مجال الحكايات الخرافية التي برع في كتابتها ليحتل مكانة بارزة في هذا المجال على مستوى العالم.

من أعماله: «حكاية الملاك»، «الجرس»، «ملابس الملك الجديدة»، «زهور إيدا الصغيرة»، «شجرة الحور»، «الأسرة السعيدة»، «بائعة الكبريت»، «الحورية الصغيرة»، «العندليب المغرد»، «الأميرة وحبة البازلاء»، «الحذاء الأحمر»، «حكاية الظل»، «ملكة الثلج»، «جندي الصفيح»، «قصة أم»، «الراعي»، «عقلة الأصبع»، «فرخ البط القبيح»، «حورية السماء الصغيرة»، «ثياب الإمبراطور الجديدة»، «كلاوس الصغير وكلاوس الكبير»، «البطل المسافر»، «الطلّسم»، «الزهرة اللؤلؤية»، «الإوزات البرية»، وغيرها من الحكايات.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً