العدد 5202 - السبت 03 ديسمبر 2016م الموافق 03 ربيع الاول 1438هـ

رضي: مجانية قصيدة النثر هي من تعطيها جمالها

شاعر النثر إمّا أن يكون شاعراً أو دعِيّاً...

إيمان أسيري-أحمد العجمي-كريم رضي-قاسم حدَّاد
إيمان أسيري-أحمد العجمي-كريم رضي-قاسم حدَّاد

حول حامل لواء قصيدة النثر في البحرين، ما إذا كان قاسم حداد في العام 1980 أم إيمان أسيري قبله أم ثالث غيرهما. وحول جدوى قصيدة النثر أو لا جدواها. غائيتها وانعدام الغاية فيها. اهتمام الشعراء بالمعنى أو انحسارهم عنه. حول ما إذا كانت هنالك ثورة في الإبداع أم لا ثورة إلا في السياسة. وحول وجود بياضات وصوت في قصيدة النثر أم أنها خالية منه، كانت النقاشات محتدمة إثر انتهاء ورقة الشاعر كريم رضي يوم الأربعاء الماضي (30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016) بأسرة الأدباء والكتاب، والمعنونة بـ «قصيدة فيما... قراءة أولية في قصيدة النثر في البحرين».

بدأ الشاعر رضي ورقته بتعليل اختيار هذه الورقة، ولماذا اختار قصيدة النثر دون غيرها قائلاً: «لأنها الشكل الشعري الأحدث والأكثر إثارة للجدل، لأنها أكثر الأمور جدلاً في الشعر. لأن الشاعر في قصيدة النثر يمضي مفرداً عارياً إلا من الشعر. ليس معه إيقاع يسعفه فيجعل التطريب وسيلته لجذب مستمعه والأخذ به مسحوراً إلى وادي عبقر مخفوراً بالجن والجنون. ولا معه روي قافية تسكره فيتمايل طرباً قائلاً أعد. ولا معه إرث من العمود الذي يمتد ضرباً في التاريخ آلاف السنين. كلا، ليس معه شيء من ذلك كله. فقط الشعر.

وقال مؤكداً: «إن كاتب قصيدة النثر إما أن يكون شاعراً أو دعِيَّاً. إما أن يكون شاعراً أو ملفقاً. لا «حلول وسط» مع قصيدة النثر... ألم يقل ابن عربي «المحنة منحة». وربما تحركت النقطة فصارت محبة»؟

بياض قصيدة النثر

يقول رضي: «إن قصيدة النثر هي شكل جديد ولد تماماً كما ولد شعر التفعيلة أو ما يسمى بالشعر الحر من عمود الشعر الكلاسيكي. ولقد غيَّرت قصيدة النثر الإيقاع ليس السمعي فقط وإن كان هو الأهم؛ لكونها نقضت أول ما نقضت الوزن وبالتالي اللحن والغناء والحداء والسجع، ولكنها نقضت أيضاً؛ وخصوصاً الإيقاع البصري حين حوَّلت البياض الإجباري في العمود والتفعيلة سواداً.

وأضاف أن «قصيدة النثر تتوافر أيضاً على بياضات إلا أنها بياضات افتراضية لا علاقة لها بالصوتي، إذ إنها فصلت العلاقة بين الصوت والضوء. فأصبح الضوء مستقلاً، يضعه الكاتب حيث يشاء وربما اختار أن تكون القصيدة مكتوبة بطريقة مسترسلة دون بياض إطلاقاً.

وهو ما أثار الشاعر السماهيجي في مداخلات الحضور، فأكد أن البياض موجود وواضح في قصيدة النثر. بياض الشكل والصوت.

مجانية قصيدة النثر

وفي نقطة أثارت جدلاً في النقاشات بعد الورقة يقول كريم: «تكاد تكون قصيدة العمود والتفعيلة معروفة الغاية والخروج من المتاهة، بينما تبدو متاهة قصيدة النثر أنها تبدأ مع نهايتها، وهذا ما يسميه أحد عمالقة قصيدة النثر أنسي الحاج بالمجانية والتي يراها عنصراً من عناصر نجاح قصيدة النثر».

وأكد رضي أن هذا لا ينطبق بالطبع على كل قصائد النثر من حيث اتسامها بالمجانية أو ما يوصف باللاغرضية، إذ قال إن الجمال وخاصة جمال البحث والحيرة هو غرض بحد ذاته. ولكن بقدر ما تكون هذه اللاغرضية يكون النص أقرب إلى كونه قصيدة نثر ناجحة.

ويضيف مستدركاً ما قد يواجهه من انتقاد «وهنا قد يجادل مجادل بأن سمة اللاغرضية واللاجدوائية والجمالية المحضة أو على الأقل الجمالية الكثيرة هي سمة الشعر عموماً، وذلك صحيح مع فارق جوهري، وهو أن قصيدة النثر لا يمكنها أن تدخل في الجدوائية والغرضية بالقوة ذاتها التي قد يدخل بها النص العمودي أو الحر وإلا صارت قصيدة النثر خطبة أو تقريراً.

وتساءل كريم رضي ما إذا كانت إشارات ابن عربي ونيتشه قصيدة نثر في ظل الخلط الواقع بين الفلسفة والحكمة وبين الشعر. وأضاف «تقول سوزان برنار: تنطوي قصيدة النثر على قوة فوضوية هدامة تطمح إلى نفي الأشكال الموجودة وأيضاً قوة منظمة بانية تهدف إلى بناء كتلة شعرية. وهذا ما نلحظه فعلاً حتى في اللغة العربية في مصطلح قصيدة نثر، فهو من جهة يحيلنا إلى ذاكرة مرجعية حين نسمع كلمة (قصيدة) ثم هو في الوقت نفسه يحطم هذه المرجعية حين نسمع كلمة (نثر)، وهذا إذن ليس في الاسم فقط ولكن في المتن أيضاً حيث يحضر المعنى وتفكيكه في آن».

في الهجوم على قصيدة النثر

ويخلص رضي إلى أن قصيدة النثر بهذا المعنى هي ضدنا ومعنا في الوقت نفسه، ضد عاداتنا وقيمنا الثقافية لكنها تتوسَّلها أيضاً وهي تخادعنا باسمها. لعلكم لاحظتم في أكثر من ندوة أو أكثر من حوارية مع أناس يتوجسون من الحداثة سواء الفكرية أم الأدبية أنهم ودون أن يشعروا يهاجمون قصيدة النثر رابطين بشكل تلقائي بينها وبين ما يصفونه بتخريب أو تغريب الثقافة مع أنه قد يكون ثمة من التجديف واللايقين في بعض قصائد العمود والتفعيلة أكثر مما في قصيدة النثر. ويؤكد أن هذا هو دور العقل الباطن الذي ينظر إلى هدم النظام الصوتي بإلغاء القافية والوزن وهدم النظام البصري بإلغاء الفاصل بين الصدر والعجز في العمود أو بين العبارة والعبارة في الشعر الحر بوصفه هدماً عقائدياً وليس فنياً فقط.

عداء نازك الملائكة وخطأ الغذامي

ويشير كريم رضي في ورقته إلى أنه وعلى رغم ما واجهه شعر التفعيلة في بداياته من رفض وهجوم في موطنه في أوروبا ثم في الوطن العربي بالنظر إليه كمخرب للاستقرار الأدبي والثقافي، فإن رواداً من رواد الشعر الحر - نازك الملائكة مثالاً - كانت ذات عداء شديد لقصيدة النثر. ولعل هذا يدحض نظرية الغذامي الغريبة في كتابه «النقد الثقافي» بوصفه كسر نازك الملائكة للعمود الشعري أنه تحدٍ للفحولة الشعرية والثقافية العربية، إذ يجد رضي أن العكس تماماً هو الصحيح، فليس هناك وسيلة لكبح جماح ثورة حقيقية أفضل من اختراع ثورة وهمية تجدد قليلاً وتبقي على البنية الأساسية للنظام السائد ولعل هذا ما فعلته نازك الملائكة حماية لنظام العمود من ثورة قصيدة النثر.

قصيدة النثر في البحرين

تناول رضي قصيدة النثر في البحرين على عجالة على رغم أنها موضوع الورقة فبدأ بذكر أسماء شعراء قصيدة النثر في البحرين: كقاسم حدَّاد، جعفر الجمري، إيمان أسيري، حمدة خميس، أحمد العجمي، عبد الحميد القائد، علي الستراوي، أحمد رضي، جاسم حاجي، سوسن دهنيم، مهدي سلمان، وضحى المسجن، جنان العود، منى الصفار، بتول حميد، كريم رضي، وليلى السيد، وملاك لطيف، وفوزية السندي.

ثم تناول عنوان الورقة وقصيدة «فيما»، فقال: «بسبب المجانية التي أسلفنا في قصيدة النثر والتي هي كما قلنا وإن كانت لازماً من لوازم الشعر حيث غاية الشعر في النهاية الجمال المحض وكل جمال محض قائم أصلاً على اللاجدوى ملقى هكذا عفواً ومباحاً من دون غرض إلا عبادة الجمال ذاته، تماماً كما كان عليه الخلق الأول حين الانفجار العظيم في سديم الكون، وقال الخالق للأشياء كوني فكانت، إلا أنه ومع ذلك تتأكد المجانية أو بالأدق اللاغرضية في قصيدة النثر أكثر من غيرها فلهذا يكون التوازي في الزمن أكثر من التوالي. لأن التوالي سواء كان باستخدام حرف العطف (و) أو (ثم) أو (ف) سيرتب اللاحق على السابق أو إلى السابق فثمة نظام هنا يستدعي كسره لتكتمل اللاجدوى والعبث. أما التوازي فهو يضع الحدث العظيم والتافه والمقدس والمدنس والموت والحياة والحرب والحب والخطيئة والإيمان على مستوى واحد وهكذا».

وأضاف «ولكي يكون هناك هذا التوازي في الزمن فهناك طريقتان لا ثالث لهما: الطريقة الأولى أن تتناول القصيدة حدثاً ما ثم وفي المقطع النثري نفسه تتناول حدثاً آخر في مكان آخر وربما في زمن آخر من حيث هو لكنه في الزمن نفسه من حيث هي أي القصيدة، ولكن مع ذلك فإنه بدون استخدام كلمة (فيما) لا يمكن أن نوصل ذلك الشعور بتوحيد الزمن؛ إذ سيبقى الحدثان متعاقبين على أي حال مهما أوحى لنا الشاعر بالتوازي. على أن تحقيق الفيمائية المجانية اللاغرضية ليس مستحيلاً بدون استخدام (فيما)، ففي قصيدة طاغور (في محفل الكون يقف العود الصغير من العشب على صعيد واحد من أشعة الشمس ونجوم منتصف الليل) وفي قصيدة (الهنا والهناك) لقاسم حداد».

ملامح قصيدة النثر في البحرين

عموماً، إن قصيدة النثر في البحرين لا تزال متأثرة بجدوائية العمود والتفعيلة فهي لا تزال قصيدة قائمة على الجدوى والغرض وتفتقر إلى المجانية إلى حد كبير وهذا سببه أن قصيدة النثر لم تأتِ كثورة إبداعية قام بها فريق من الشعراء صاحب مشروع بل جاءت أول ما جاءت على يد كتاب العمود والتفعيلة أنفسهم حيث صدور أول ديوان قصيدة نثر في العام 1980. وهو ما رفضه بعض حضور الندوة، إذ أكدوا أن الشاعرة إيمان أسيري بدأت بكتابة قصيدة النثر قبل قاسم حداد، في حين قال أحدهم إن من بدأها لا هذا ولا ذاك.

قصائد فيما

يقول كريم رضي: إن الطريقة الثانية هي باستخدام كلمة فيما كما يقول أحمد العجمي: «ها هي الأمواج تدفن أسرارها عند قدميك فيما تبحث النوارس عن سبب لانتظارها». - ديوان مساء في يدي - 2003. وقصيدة احتفال لفضيلة الموسوي «تتناثر في الوجه نتوءات حمراء كالمصابيح

الأثداء نافرة، شامخة

وفي أبهى صورتها

لكنها تعادي اللمس والحب

يختنق الثوب حول الخصر

وتستولي الكآبة على بهجة الروح

فيما تضيق الدموع ذرعاً

من الحبس في محاجرها».

على أننا يجب أن ننتبه إلى أنه لا يمكن لأدوات أخرى مثل (عندما) أو (كلما) أن تقوما مقام (فيما) فكلاهما أداتان قادمتان من الشعر الموزون وموحيتان بالشرط وقائمتان على فكرة ترتيب الأثر على الفعل، كقول سوسن دهنيم مثلاً: «كلما قبلت أمي خدي نهضت أوتار نبضي تغني صلاة القيامة» - «فاتني أن أكتب على أصابعك سورة اللمس، كلما تلوتها. فاتك أن تضمخ كفي بماء الوضوء». ديوان «لمس» 2011. أو قول قاسم حداد «كلما رشفت قهوة نقصت صارية ولمع لون جديد في تاج الشارع المغرور». «لست ضيفاً على أحد» (2007م).

وأخيراً خلص كريم رضي إلى أن توازي الحدث ونظيره أو مُضادِّه أو المختلف عنه في الزمن ذاته هو من خصائص قصيدة النثر دون غيرها. وأن هذه الظاهرة الفيمائية تأتي إما عبر استخدام كلمة فيما أو بدونها. وأخيراً يقول إنه يندر أو يكاد ينعدم وجود مثل هذه الخصيصة في قصيدة العمود أو التفعيلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً