العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ

السلام والأمن والبيئة... الهدف الذي نبتغيه في العام 2017

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

تحلم البشرية وهي تستعد لاستقبال العام الجديد أن يتحقق أملها المنشود في السلام والأمن والبيئة، وأن يكون العام 2017 مختلفا في حوادثه، وبأن تشكل حوادث العام الجديد فاتحة خير، ومدخلا في تحقيق أمل البشرية في تعزز قيم الكرامة الإنسانية، وإرساء جوهر مضامين المشاريع الدولية الإنسانية والبيئية في بناء علاقات دولية نوعية، في حل المشكلات الدولية، وتكوين مناخ دولي يساهم في بناء التعايش السلمي بين بني البشر، مبني على مبدأ الانصاف والمصالح المشتركة في العلاقات بين الدول، وتحقيق ما تعهد به المجتمع الدولي في إنجاز أهداف التنمية المستدامة كمخرج لبناء الأمن البيئي الشامل للبشرية.

المجتمعات البشرية صار تقليداً لديها تستقبل العام الجديد بباقات الأمل والحلم في تحقيق طموحها الثابت في الأمن والاستقرار والتنمية والكرامة الإنسانية، ونحن أيضاً نجد حالنا لاعتبارت إنسانية وعقائدية أسيري تلك المعادلة، إذ لا نفقد الأمل في تَغّير الحالة المأساوية التي تشهدها البشرية، ونبادر في تسجيل أمنياتنا وحلمنا الإنساني في تحقيق ذلك، ونصر على تحقيق ذلك الأمل على رغم ما نشهده من انتكاسات نتيجة الحوادث المأساوية في مختلف بقاع الأرض، واستقبال العام المنقضية أيامه بتسجيل حلمنا في رسالة التهنئة إلى الأصدقاء بقدوم العام الجديد، ذلك ما التزمنا به في رسالتنا نهاية العام الماضي، إذ أشرنا فيها إلى أن التسامح والسلام والأمن والاستقرار والعيش في ظلال المودة والمحبة عنوان أمنياتنا للعام الجديد 2016، وعلى رغم ما شهده عالمنا من مآسي لم يغير ذلك الواقع من إصرارنا في التمسك بالحلم الجميل، لذلك رسالتنا لاستقبال العام الجديد، نؤكد على أن الأمن والاستقرار والتنمية الأمل والهدف الذي نبتغيه في العام 2017، ونتمنى أن تعيشوا أيها الأصدقاء في بقاع الارض في حياة آمنة ومستقرة.

السلام والأمن والبيئة معادلة تتجسد في بعد مضمون جوهرها ثوابت الحق الاجتماعي في توفير متطلبات الحياة الكريمة، والأمن البيئي الشامل بمختلف تجلياته المعيشية والحقوقية والانسانية، بيد أن الطريق في تحقيق تلك المعادلة يصطدم بجدار من المعوقات المتجسدة في السلوك البشري غير السوي، المبني على النظرة الضيقة في معالجة القضايا الكونية، وجعل المصالح السياسية والاقتصادية المدخل الذي ترتكز عليه في إدارتها للعلاقات الدولية، وبناء إستراتيجيتها في معالجة القضايا الخلافية، ما يتسبب في ما نشهده من صراعات وطنية وإقليمية ودولية ودمار بشري واقتصادي وبيئي.

العام المنقضية أيامه شهد حوادث مأساوية لم تستثن آثارها وتبعاتها مجتمع دون آخر، وتسببت في تصاعد وتيرة حالة التشرد، وفقدان الأمل في الأمن، وتهتك مقومات الكرامة والعدالة والحق الإنساني في المعيشة الآمنة والمستقرة، ما تسبب في انهيار القيم الإنسانية، وتفتت الكيانات المجتمعية، وتزايد بوتيرة عالية بؤرة الحروب، وتلك هي الحالة المأساوية التي تسببت في الاخلال بالعلاقة الانسانية بين الجماعات البشرية. الحروب بمختلف أشكالها تشكل معضلة البشرية منذ أن وجد الإنسان على البسيطة، بيد أن الحروب في العصر الحديث بفعل الأنا الإنساني، والأطماع الضيقة في بعد مفاهيمها والتقدم العلمي للمجتعات البشرية صارت أكثر تدميراً وشمولية وخطراً على أمن الوجود البشري، ذلك ما بينته الصراعات العسكرية ذات الأبعاد الكونية في عدد من المناطق في العالم، وجرى في عملياتها وتكتيكاتها استخدام الأسلحة بعيدة الآثار التدميرية على الانسان والبيئة، وتسببت في تدهور البيئات الطبيعية وتلويث المحيط البيئي للإنسان بالمواد السامة، وذات الأبعاد الخطيرة على صحة الإنسان.

التشرد والفقر والتشوهات الخلقية للأجنة، وانتشار الأمراض الخطيرة، وفقدان الأمن والاستقرار والإخلال بالتوازن الطبيعي للنظام البيئي، النتيجة المأساوية للحروب والخطر الذي تخشاه المجتمعات وتنظر بعين الريبة والحذر من أبعاد ما هو قادم من خطر كارثي على حياتها وحياة الأجيال المقبلة، وذلك نتيجة ظاهرة اختلال موازين العلاقات بين الدول والعلاقات الإنسانية بين الجماعات والطوائف المختلفة في مكونها العرقي والديني والمذهبي، وكذلك نتيجة فقدان الأمن، وانعدام أفق الحياة المستقرة والآمنة والمعيشة الكريمة، ما جعل البشرية في تأكيد قناعاتها وتوجيه نداءاتها إلى المجتمع الدولي في تبني النهج العاقل والحكيم، وتأكيد الإرادة السياسية للدول في تفعيل التعهدات الدولية في بناء أسس مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، والتجسيد الفعلي لمبدأ التعايش السلمي بين الدول.

ثقافة السلام لم تكن وليدة الصدفة؛ بل هي نتيجة طبيعية لواقع التطور الحضاري لمختلف المجتمعات والثقافات والحضارات الانسانية وتجاربها التاريخية، التي أكدت عقم نهج «ثقافة الحرب» وذلك ترك أثره الفعلي في رؤى وأبحاث المفكرين الاجتماعيين والسياسيين والمختصين في شئون البيئة، ومن أهم تلك المواقف ما يشير إليه الدكتور «p.j.crutzen»، وهو أحد المشاركين ضمن مجموعة من العلماء من 30 دولة، الذين أعدوا في العام 1982 دراسة مهمة بشأن خطر وتأثير الحرب النووية في البيئة والانسان، إذ يؤكد أن «السلام العالمي يجب ألا يؤسس أو يبنى على التهديد العسكري؛ وإنما بالإيمان العميق بجدية التعاون مع البشر كافة، من أجل الحفاظ على الكون وللحفاظ على الماضي، والتأكيد على الانجازات التي حققها الجنس البشري في هذا العصر».

السلام والأمن والبيئة مُعادلة تُشير إلى مبادئ المسئولية والالتزام والحق البيئي للإنسان، في البقاء والتطور والحياة المستقرة والعيش في بيئة آمنة وخالية من المخاطر، تتوفر فيها مقومات الحياة الكريمة، كما أنها معادلة متناغمة الوظائف الإجرائية في بناء منظومة الأمن البيئي، وان الاخلال بثوابت نظامها الإجرائي وقيمها ومبادئها المُؤسِسَةِ لمنظومة قواعد المسئوليات والالتزامات المحددة في قواعد القانون الدولي الانساني والبيئي الاتفاقي والتوافقي، الموجهة لبناء نظام الالتزامات القانونية والرقابية للتصدي ومنع الأسباب التي تؤدي الى بروز الحروب العدائية وصون السلام والأمن والبيئة، يتسبب في الاخلال بالعلاقات بين الدول والجماعات العرقية الداخلة ضمن منظومة المكون الاجتماعي في البلدان، ما يؤدي إلى بروز النزاعات المسلحة الأهلية والاقليمية، والتسبب في تدهور مقومات منظومة الكيان الاجتماعي، وتدمير المعالم الرئيسة لمكونات النظام البيئي، وذلك ما ينبغي ادراكه ويؤكد حضوره في مضمون جوهر العلاقات والسياسات الدولية في العام 2017.

الجميع ينبغي أن يدرك حقيقة القيمة الإنسانية لثقافة السلام والتسامح، وأن هذه الثقافة تمنح البشرية السعادة والسكينة، لذلك علينا فهم بعد جوهر تلك الحقيقة وفوائدها في بناء السلم الاجتماعي، والعمل في جعلها منهجا لعلاقاتنا وحياتنا في العام الجديد 2017.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً