العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ

تحديان يواجهان منطقة الخليج... أنا متفائل بتجربة البحرين الديمقراطية

الخبير في شئون الخليج والجزيرة العربية بجامعة كولومبيا - نيويورك، البروفيسور جين سوزانيه

البروفيسور جين فرانسوا - سوزينك (ويلفظ سوزانيه) يعتبر أحد الخبراء المطلعين بشكل واسع على منطقة الخليج والشرق الأوسط. عاش في البحرين عدة سنوات في الثمانينات وانتقل إلى نيويورك ليحاضر في جامعة كولومبيا ويمارس نشاطه كاستشاري في العلاقات السياسية والقضايا الاستراتيجية. تتركز بحوثه حول الشئون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الخليج العربي. لديه 25 سنة خبرة في الأسواق المالية والمصارف الدولية قبل انتقاله إلى نيويورك للتدريس في جامعة كولومبيا.

التقته «الوسط» في المنامة أثناء زيارته لمتابعة التطورات الأخيرة واستقصاء الآراء الرسمية والمعارضة حول الحياة النيابية ومستقبل العمل السياسي في البحرين. وفيما يلي نص الحوار:

* بصفتك خبيرا في شئون الخليج ما الذي تراه من تحديات تواجه المنطقة في الفترة المقبلة؟

- يواجه الخليج في الوقت الراهن تحديين أساسيين، خارجي وداخلي. التحدي الخارجي يتمثل في سياسة الولايات المتحدة الاميركية والضغط الذي تفرضه على دول الخليج لدعم حربها ضد العراق. وبالطبع ، سمعت من أصدقائي في الخليج أن الكل يرغب في التخلص من صدام حسين، ولكن أن تقرر الولايات المتحدة وحدها تولي الأمر، بينما تعطي الضوء الاخضر لآرييل شارون لاضطهاد الفلسطينيين بالطريقة التي يراها ضرورية، فذلك يعتبر تلويحا بالراية الحمراء امام غالبية العرب.

وبينما تسعى الولايات المتحدة جاهدة إلى كسب الدعم من دول الخليج لشن حرب ضد صدام حسين من دون أن تفرض أولا السلام في فلسطين، تجد حكومات الخليج نفسها بين المطرقة والسندان. فهذه الحكومات لا تستطيع فرض رغبات الولايات المتحدة على شعوبها، ولكن لا تستطيع ايضا ان تقول «لا» للقوة العظمى الوحيدة في العالم.

ومع ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى تشجيع الحركات الديمقراطية في العالم. وفي الواقع، يمكن ان تكون هذه طريقة مثلى لدول الخليج تستطيع ان تتجنب بها ضغط الولايات المتحدة.

مما لاشك فيه، إذا وجدت أي هيئة منتخبة في الخليج ستتخذ مواقف صلبة ضد الحرب على العراق. ومن ثم تستطيع الحكومات ان تُظهر للولايات المتحدة أن العملية الديمقراطية وكما يحدث في غالبية الحكومات الديمقراطية في العالم، تحد من قدرتها في تأييد الحرب.

ويأتي التحدي الداخلي الاساسي لدول الخليج، من وجهة نظري، من الضغوطات الديمغرافية. فمع وجود 50 في المئة من السكان تحت سن 18 عاما، يجب على الدول ان تخلق فرص عمل. ويقتضي ذلك استثمارات ضخمة في الصناعات، إذ يمتلك الخليج المقومات الطبيعية مثل البتروكيماويات وجميع الخدمات ذات الصلة مثل الصيانة أو التمويل. كما يقتضي ذلك ايضا اصلاحا عاما في النظام التعليمي لتطوير العلوم والتكنولوجيا والفكر المبدع.

واعتقد ان الخليج يحتاج إلى حوالي 90 بليون دولار اميركي سنويا في الاستثمارات لسد الحاجة إلى فرص العمل. وتوفر الحكومات جزءا من هذا المبلغ. يجب ان تأتي الغالبية العظمى للاستثمارات من القطاع الخاص. وهنا يكمن التحدي.

ولكي يُستثمر القطاع الخاص سريعا، لابد من الحد من لبيروقراطية، ولكن هذه البيروقراطيات في الخليج لم تنشأ من فراغ. فقد تكونت منذ العام 1950 لتأكيد قدرة الحكومة على الحد من نفوذ مجموعة من المواطنين لصالح مجموعة اخرى. وبمعنى آخر، ما دامت بعض فئات المجتمع ستظل فوق القانون ويستثنيها النظام القضائي، فإن البيروقراطيات المترهلة ستستمر في وجودها وتتطور لتحفظ التفرقة بين فئات المجتمع.

ومع ذلك فإنني متفائل. فقد بدأت البحرين عملية ديمقراطية. وحتى المملكة العربية السعودية زادت من مشاركة مواطنيها كثيرا في عميات اتخاذ القرار. وبالتالي، في نهاية المطاف، ستؤدى دمقرطة المنطقة إلى استقلال القضاء والحدّ من السلطات التحكمية والامتيازات.

* لقد أقمت وعملت في المنطقة، وفي البحرين بالذات في فترة الثمانينات، ما هي التغييرات الرئيسية التي تراها في هذه الأيام؟

- أرى نموا ضخما في البنية التحتية ونموا في وعي الشعب بالعالم من حوله. ولدى المواطنين فرصة كبيرة للوصول إلى كمية ضخمة من الأخبار التي تمتد من الصين إلى أميركا. ويستطيعون أن يكونوا وجهات نظرهم الخاصة بهم بطريقة اكثر وعيا. كما ان الرقابة انخفضت فعليا، يستطيع كل إنسان ان يسافر بحرية وسهولة. ويعلم معظم المواطنين الشباب عن الانترنت مثل نظرائهم في الغرب. كما تركت العولمة أثرها، إلى الافضل وأحيانا إلى الأسوأ.

* تدخل البحرين في تجربة انتخابية، وقد استمعت إلى الآراء المختلفة التي طرحها البحرينيون، ما هي وجهة نظرك؟

- أقمتُ في الخليج مدة عشر سنوات من العام 1975 إلى العام 1985، قضيت ست سنوات منها في البحرين، وسافرت منذ ذلك الوقت إلى الخليج بانتظام.

أعتقد وأسرتي ان السنوات التي عشناها في البحرين كانت اسعد السنوات. ولد أبناؤنا عندما كنا في المنطقة وكبروا هنا. فقد نما لدينا شعور عظيم من الاحترام لثقافة وتاريخ شعب الخليج، وخصوصا شعب البحرين. ولذلك تابعنا بحزن شديد المشكلات في البحرين ما بين العام 1994 و1999، وسعدنا كثيرا أن نرى تطور التجربة الديمقراطية. ووفقا لوجهة نظري اعتبرها فرصة عظيمة للبحريني أن يظهر لباقي الخليج ان المشاركة ستخلق تنمية اقتصادية واجتماعية تقابل التحديات التي تعرضنا لها آنفا.

افهم أن كثيرا من افراد المجتمع سئموا من بطء العملية الديمقراطية، ويرغبون في ان يكون البرلمان مسئولا بالكامل عن العملية السياسية من دون ان تعيقه القيود المتمثلة بعدد الاعضاء المنتخبين مقابل الاعضاء المعينين. ويشعرون انه بمجرد موافقتهم على عملية التحول، يجب ان تفعَّل بحيث تصبح غير قابلة للتغيير. إنه بحق اعتراض شرعي. ومع ذلك، تعتبر العملية تطورا حقيقيا ضخما مقارنة بالوضع السابق. ويبدو لي انه على رغم أن النظام الجديد لم يتم تقييمه بعد بواسطة أي معايير، فأنه يجب ان يستفيد منه الجميع للتعبير عن وجهات نظرهم وليدفعوا في اتجاه الحصول على تطور اكثر من داخل النظام. ويبدو لي بحسب معرفتي المحدودة بسياسة البحرين المعقدة للغاية، لم يستطع القائمون على الأمر من الحصول على الاجماع في العملية التحررية من قبل النخبة اذ تم فتح النظام بالكامل وتمت المخاطرة إلى حدٍّ ما بحكومة غير مستقرة مسئولة تماما امام برلمان جديد مجهول.

واعتقد انه حتى في حال التجربة الناقصة، فإن المشاركة في العملية ستحدث في النهاية التغييرات المطلوبة في البحرين وتصبح دولة ديمقراطية كلية. بينما تفوِّت مقاطعة الانتخابات - بحسب اعتقادي - على الكثيرين فرصا لإسماع أصواتهم.

* تدخل البحرين فترة انتقالية وتطمح إلى جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة، هل ترى أن هناك حوافز كافية للمستثمرين للمجيء إلى البحرين؟

- تبقى البحرين، بسبب حجمها، محدودة نسبيا في قدرتها الفعلية على جذب استثمارات صناعية ضخمة، ولكنها تمتلك فعليا تاريخا في توفير البيئة الملائمة لخدماتها. البحرين مركز إقليمي وهي محط الانظار في المنطقة. اعتقد ان البحرين، بصفتها عضوا في مجلس التعاون الخليجي تستطيع الاستمرار في الاستفادة من موقعها وتجربتها في جذب الاستثمارات الخليجية. ويمكن ان تجذب بورصة البحرين - على سبيل المثال - كثيرا من أموال الخليج الموجودة حاليا في الخارج لإعادة استثمارها في البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية أو قطر. ومن ثم ستصبح البحرين تدريجيا «وول ستريت» المنطقة. وينطبق على ذلك تطور البحرين الحالي كمركز للصرافة الاسلامية في العالم، إذ يؤكد مقدرة البحرين على ايجاد بيئة ملائمة لم يكتشفها أي بلد حتى الآن.

مرة اخرى، ستساعد عملية الدمقرطة الراهنة في مشاهدة البحرين رائدة في المنطقة وتعزز من استقرارها ويؤدي ذلك إلى جذب الاستثمارات

العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً