العدد 5248 - الأربعاء 18 يناير 2017م الموافق 20 ربيع الثاني 1438هـ

أغيب عن الرسم ذهاباً إلى الحب الأول... الشعر والعُود

الماجد في مركز شباب الشاخورة...

عبدالهادي الماجد
عبدالهادي الماجد

رويدا رويدا يزحف العمران ببطء وتذهب معالم القرية كل القرية إلى فضاءات العالم الجديد، هذا الجديد المر، يزحف كغول نحو القرى من جهة البساتين الأربع زحفا لا يبقي زرعا ولا ضرعا، زحفا غيّر معالم القرى العمرانية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية، داخلها تنبت البيوتات والمساكن الفخمة كالفطر. القرية آخذة في السقوط ولم يتبقى منها سوى اسمها. الفنان عبد الهادي الماجد مواليد 1955 ابن قرية الشاخورة الذي مازال مرابضا في عمقها لا يبارحها البتة، يتلذذ بماضيها ويرصده ... يرصد ناسها وحاكاياتهم، يمهر شكل القرية.. بساتينها.. أزقتها.. نخليها بألوانه وخطوطه. يقول أنا أنتمي لعائلة تتمتع بذاكرة متوهجة وقوية جدا، لكن ذاكرتي أقواها كونها ذاكرة تعتمد على المشهدية الفنية، أكثر أحاديثي أخالها مرسومة في ذاكرتي، نعم مازلت أحفظ شكل القرية بكل أبعادها، صور بساتينها، المسافة بين النخلة والنخلة وطول جدول الماء وعرضه وعمقه وأنواع الطيور التي تحل بها.. أحن إليها، إلى جمالها وإلى بساطتها الغنية.. أشتاق إلى فجرها وساعة غروب شمسها وهي تعكس نورها على جميع ألوانها، فتراني أذهب إلى زيارتها وهي على قارعة المحو والزوال.. أجد المسافات كما كانت عليه، طقسها والتقسيم الجغرافي الذي لا يعرفه إلا فلاحوها، أنا أحدهم، صورها مسجلة في ذاكرتي وقلبي ، محفوظة في أعماق فنان لا ينسى فما بالنا إذا كان الفنان على قدر كبير من الحفظ ومن الوعي والإيمان بأهمية التاريخ والصورة، الصورة بوصفها شكلا لنقل الواقع أو لنقل في أقل تقدير رصده ورسم ما تبقى منه، أحن إليه باستمرار ولا يمكنني مغادرته، ليتني فنانا مجيدا لفعلت الكثير الكثير ولرسمت ما بداخلي من شحن ومن عاطفة بشكل أعمق ولذهبت به بعيدا أعلى مما أتصور، هكذا كان يقول بمحبة وتواضع.

اثنتا وخمسون 52 لوحة تزينت بها صالة مركز شباب الشاخورة التي احتضنت معرض الفنان عبد الهادي الماجد في الفترة من 7 إلى 12 من شهر يناير الحالي 2017 جميعها (باستثناء عملين أو أكثر) تنتمي إلى الواقعية التسجيلية الصرفة، واقعية محور مواضيعا تنصب على القرية، من ناس (بورتريهات) ومهنهم.. نخل وأشجار وزوايا قريبة وبعيدة من بساتين ألفها وعرفها، ثمة صدق في نقل الواقع سواء بالرسم المباشر أو اعتمادا على الذاكرة أو نقلا من صورة فوتوغرافية، ثمة عاطفة مفرغة داخل كل لوحة، دقة التفصيل لنقل واقعه كما يراه أو رآه ذات يوم وإن اقتضت الحاسة الفنية لحذف أو إضافة. أعمال لا تركن إلى مزاج السوق الفني ومتطلباته ومطباته وخوافيه، بقدر ما تنتمي لإخلاص منتجها تجاه مشروعه الفني الداخلي بأحاسيس مرهفة بعيدة كل البعد عن الابتذال ، قوتها تكمن في فكرتها وأصيل انتمائها، لا زخرف تنظير يؤطرها ولا هالات سماوية ترفع من قدرها، الحب وحده تجاه رسمه.. تجاه ما يحب هو الرافعة الحقيقية لها. يقول في ذلك: أحب رسم القرية كل القرية التي أنتمي لها.. أعشقها.. أعشق كل تفاصيلها، الصغيرة قبل الكبيرة والتي ذهبت إلى غير عودة قبل الحاضرة منها.

في بعض الأعمال وردت السماء غائمة بعض الشيء، غيوم لا تشبه تلك التي تعودت أعيننا على رؤيتها، غيوم يمتزج البني فيها بالبنفسجي، ولا أعرف ما الذي يشدني إليها.. إلى رسمها، أحب الغيوم.. ولا أعرف بالضبط ما هو السبب لكني أظن أن للفنانين الانطباعيين دور في هذا الحب، وهذا ما وجدناه في بعض أعمال المعرض ذات الطابع الانطباعي.

أن لا أكتب تاريخ نتاج اللوحة وأكتفي بوضع توقيعي فقط لأني لم أقتنع بعد أني رساما، أحيانا كثيرة أغيب عن الرسم لمدة سنتين أو أكثر وأذهب إلى حبي الأول.. الشعر والعزف على آلة العود حيث ملاذي واختفائي .





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً