العدد 5256 - الخميس 26 يناير 2017م الموافق 28 ربيع الثاني 1438هـ

التشرد والحرمان والموقف الاجتماعي

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

التشرد والحرمان محور رئيس في مشكلة الفقر، وقضية إنسانية ذات بعد استراتيجي في المشاريع الدولية للتنمية البشرية، ومقوم استراتيجي في خريطة أهداف التنمية المستدامة، كما أنها في مقدمة أولويات الوثائق والمواثيق الدولية في الشأن الاجتماعي والبيئي والإنساني، ومحور رئيسي في أهداف استراتيجيات الدول بشأن التنمية الاجتماعية، ويمثل ذلك أولوية استراتيجية في محور التنمية البشرية والخدمات الاجتماعية في برنامج عمل الحكومة في مملكة البحرين للعام 2015 - 2018 ، كما أن هذه القضايا تقع ضمن اهتمامات ومسئوليات مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في العمل الخيري، وهي بذات المستوى من الأهمية في المبادرات والمواقف الاجتماعية.

واقع الظروف غير الإنسانية للإنسان الذي كان يعيش في خرابة وسط المزارع، متخذاً الكلاب والقطط أصدقاء له قضية جسدت قيمة تلك المواقف، إذ تركت أثرها في اهتمام الرأي العام البحريني، وذلك ما جرى الإشارة إليه في صحيفة الوسط البحرينية في عددها الصادر يوم الخميس 7 يوليو/ تموز العام 2016، إذ توافد عدد من أبناء المجتمع البحريني لزيارة المشرد الذي يعيش بلا مأوى في عصر التقدم الحضاري للإنسانية، للاطلاع على حالته، ومعرفة ما الذي ينبغي تقديمه من دعم ومساعدة لإخراجه من الأزمة التي يعيشها، وبناء عليه بادر عدد من المحسنين لتقديم ما يلزم من مساعدة، لانتشاله من واقعه المأساوي، وتوفير ما يلزم من متطلبات لتصحيح وضعه الإنساني، وتلك مبادرة تشير إلى دﻻلات مهمة تجسد في جوهر مضمونها البعد الأخلاقي والإنساني لقيم وثقافة المجتمع البحريني الأصيل، في قيمه وتمسكه بالمبادئ والقيم الإسلامية.

الحدث كان له أثره البليغ في الحوارات بين مختلف أطياف المجتمع المحلي في مختلف المناطق، حيث يتجمع الناس في المجالس والبقاﻻت والمقاهي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، جرى في سياقها طرح الكثير من الأسئلة، وتمحور جوهر مضامين الحوارات والرؤى المختلفة في حلقة واحدة، جسدت مرئيات المجتمع بشأن واقع المشكلة وأبعادها الاجتماعية والإنسانية، إذ جرى الإشارة إلى أنه كيف يمكن أن يحدث ذلك في هذه المرحلة المتقدمة من عصر التطور الحضاري للبشرية؟ وفي سياق الجدل والحوارات وجه إلينا أحد المتحاورين سؤالاً أشار فيه، أين يكمن واقع ما عالجته في مقالاتك بشأن التزامات الدول بتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ وهل الفقر والعوز والحرمان ﻻ تشمله تلك الأهداف؟ وإذا كانت الأهداف التي عالجتها في مقالاتك تشمل تلك الحاﻻت، أين إذاً موقعها من الإعراب في واقع مشكلة هذا الفقير الذي كان يعاني مأساة التشرد؟

معالجات الحدث لم تقف عند حدود ذلك؛ بل اتخذت بعداً اجتماعياً وأخلاقياً، وحفزت تلك المشكلة عدداً من أفراد المجتمع في طرح قضايا اجتماعية بأبعاد مختلفة ومقاربة ذلك الحدث بقضايا مجتمعية أخرى، والإشارة في سياق ذلك إلى المقولة الشعبية «رُبَّ أخاً لم تلده أمك» في إشارة إلى المساعدات التي قدمها عدد من أفراد المجتمع لإخراج المشرد من أزمته.

وتشخيص أهمية وموقع هذه المقولة في ثقافة السلوك الفردي والمجتمعي، وفي ذات السياق طرح البعض معضلات الخلافات المتصاعدة آثارها السلبية، التي تنشأ نتيجة أسباب ضعيفة في مرتكزاتها بيد أنها عميقة في أثر أضرارها المجتمعية، إلى جانب طرح قضايا التفتت الأسري والأنانية الفردية في تجاهل حق أفراد الأسرة الواحدة، وما ينجم عنه من مشكلات التشرد والحرمان لبعض الأفراد أو لمجموعة من الأفراد، والإشارة إلى الأهمية الإنسانية والأخلاقية في ما قام به بعض أفراد المجتمع بمساعدة هذا الفقير، والتأكيد على أنها ظاهرة إيجابية ينبغي أن تجد مكانها في الثقافة المجتمعية، بيد أن ما هو مؤسف أن تجد حاﻻت عكس تلك الظاهرة، نتيجة ظلم الأخ لأخيه ما يتسبب في بروز الحاﻻت المأساوية والمعاناة وتفكك الكيان الأسري والمجتمعي.

الواقع أن مشاكل التشرد والحرمان تمثل ظاهرة عامة في عدد من البلدان غير المستقرة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وهي متعددة الأسباب، بعضها ذاتي وتتمثل في الأخطاء الحياتية والسلوك غير السوي للفرد، والبعض الآخر خارجي نتيجة الظروف المحيطة وذلك بفعل الحوادث والنزاعات والقسوة المجتمعية، والبعض منها أسري نتيجة المحسوبية والاستئثار بالحقوق، ويمكن أن تكون أيضاً بسبب انتفاء العدالة القضائية كما يحدث في بعض الدول والتي نشهد معالجات واقعها في برامج القنوات التلفزيونية العالمية، وكذلك بسبب ظلم ذوي القربى وسلب الحقوق الأسرية للفرد، إلى جانب عدم التوافق والقسوة وافتعال المعوقات للفرد في الأسرة الواحدة، وإن وجود تلك الأسباب في شكلها ومضمونها العام والخاص نتيجة طبيعية للثقافة العدوانية لفئة محدودة من المجتمع، ويتسبب ذلك في تكون الظروف الصعبة للفرد، والعيش في حالة غير مستقرة وغير آمنة، ما يؤدي إلى نتائج سلبية تبرز مظاهرها في تهتك مقوم الأمن المعيشي للفرد والأسرة والمجتمع.

أهداف التنمية المستدامة حددت منظومة من القيم والمبادئ المؤسسة في بعدها الإنساني لحل معضلة القرن، المتمثلة في الفقر والتشرد والحرمان، وتعالج الأهداف المشكلة من المنظور الشامل للحل، والعمل في وضع معايير وأسس مؤسسة في بعدها الاستراتيجي لاجتثاث جذور المشكلة، وذلك ما يمكن تبينه في أبعاد الحلول المتجسدة في منهج الأهداف والمتمثلة في البعد الإنساني والأخلاقي والاجتماعي والبيئي والتنموي والسياسي، وإذا ما تمعنا في قراءة جوهر مضامينها، يمكن أن نشخص الإجابة المنهجية على ما هو مطروح من تساؤلات في شأن موقع أهداف التنمية المستدامة في بناء خريطة الطريق لحل المعضلات الإنسانية لحالات التشرد، في بعدها الشامل على المستوى المحلي والوطني والإقليمي والعالمي.

الحديث في شأن جدلية العلاقة في مدى الموقف الإيجابي للدول في الإمتثال بالالتزامات الدولية في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وواقع التشرد والحرمان في جوهر مضمونه الخاص والعام الذي يشهد تصاعداً متواتراً في مختلف المناطق في العالم، ينبغي أن يُؤخذ في الاعتبار الإرادة الدولية والإرادة السياسية للدول في الحرص على توفير مقومات تغيير واقع الفئات الفقيرة المتجسدة في جوهر مضمون أهداف التنمية المستدامة، للعمل على تحسين واقعها الإنساني، وفي وضع وإقرار الأهداف المُؤسِسِة للمسئولية الدولية في تحفيز جهود العمل التنفيذي لتغيير حالة الفئات الأشد فقراً في العالم، التي تصنف في وضعها الإنساني ضمن فئة المشردين والمحرومين، وتمكينها في العيش بكرامة وإنسانية، وينبغي أيضاً إدراك حقيقة أن تغيير حالة التشرد والحرمان ليست مسئولية محددة الالتزامات، ومحصورة في دولة دون غيرها، أو في مجموعة من الدول بل هي مسئولية مشتركة لحكومات الدول ومؤسسات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني والمجتمع المحلي على حد سواء، وذلك ما ينبغي علينا إدراكه.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5256 - الخميس 26 يناير 2017م الموافق 28 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً