العدد 5275 - الثلثاء 14 فبراير 2017م الموافق 17 جمادى الأولى 1438هـ

الروائي واسيني الأعرج... سياسياً

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ أخيرة، تحدّث الروائي الجزائري الشهير واسيني الأعرج عن الوضع العربي العام الذي يعاني من أزمةٍ عميقةٍ جداً.

إلى جانب رواياته الكثيرة، يكتب واسيني الأعرج مقالاتٍ فكريةً في عددٍ من المجلات الثقافية، الخليجية والعربية، ومعرفتي بعالمه الروائي محدودة، حيث قرأت له عملاً روائياً واحداً فقط، ولم تشجّعني لغته على متابعته، بسبب التكرار والإطالة في السرد والتفصيل، رغم إعجاب الكثيرين بلغته الأدبية. على خلاف ذلك جاء لقاؤه التلفزيوني الأخير، لبقاً، سلساً، متدفقاً، عن القضايا السياسية الساخنة التي تلهب ظهر العالم العربي.

بدا الكاتب متأثراً جداً بأحداث العشرية الدامية التي تعرّضت لها الجزائر، في أعقاب إلغاء الانتخابات التي فازت فيها «جبهة الإنقاذ»، فقطع عليها الجيش الطريق، لتدخل البلاد في نفقٍ مظلم، حيث انطلق مارد العنف من قمقمه، فسالت أوديةٌ بالدماء، وشاعت ممارسات القتل وقطع الرقاب والأعضاء. وتقاذف الجيش والإسلاميون التهم بالمسئولية عن القتل والتدمير، ولم تخرج الجزائر من نفقها المظلم إلا بعد عشر سنوات عجاف، دفعت خلالها ثمناً غالياً، مادياً وبشرياً. كان ما جرى في الجزائر البروفة الأولى لما سنشاهده لاحقاً من فجائع وجرائم في العراق وسورية، ودول أخرى مثل اليمن وليبيا ومصر وتونس... بعد إجهاض الربيع العربي وقتل آمال الشعوب في التغيير.

في تحليله للعنف والقتل والإرهاب، قال الروائي الجزائري إن ذلك ليس طارئاً ولا جديداً على ثقافتنا، فالحلاج تم إعدامه بطريقةٍ بشعةٍ، حيث قُطعت أطرافه وأُحرقت جثته وأُلقِي رماده في النهر. وهي الصور التي شاهدناها في زماننا بالصوت والصورة على يد «داعش»، ما يدل على الجذور «الداعشية» العميقة في ثقافتنا العربية.

الحلاج كان رجلاً صوفياً زاهداً، عاش في العصر العباسي الثاني، الذي جمع المتناقضات، من غنى فاحش وفقر مدقع، وصعود التيارات الدينية المتشدّدة، بعد إخفاق عددٍ من الثورات التي قوبلت بعنفٍ شديد. واستغلت السلطات القوى الدينية المحافظة لإدانة الحلاج مستندةً إلى أشعاره الصوفية الغامضة، حيث تم إحضار مجموعة من وعاظ السلاطين والقضاة والشهود المرتشين، ليشهدوا عليه بالزندقة، وهكذا أُعدِم بهذه الصورة الوحشية وسط تصفيق الجماهير المستَغْفَلة. وهو ما خلّده الشاعر المصري الكبير صلاح عبدالصبور في «مأساة الحلاج».

لم يكن الحلاج إلا سطراً واحداً في كتاب الاستبداد بتاريخنا العربي، وكان محظوظاً حيث تم اكتشافه في القرن العشرين على يد بعض الشعراء والكتاب من ذوي الميول اليسارية غالباً لينشروا قضيته. إلا أن هناك مئات المآسي الأخرى أكبر وأفجع من الحلاج، لم يُتح لها مثل هذا الإشهار، وخصوصاً أيام الحجّاج، ولعل أفظعها مأساة زيد بن علي الذي قُتل وصُلب في ظهر الكوفة أيام الدولة الأموية، وظلّ معلقاً على الصليب ست سنوات، بعدها أنزل من خشبته وأُحرق وذر في الفرات، إمعاناً في التشفي والإذلال.

الروائي واسيني الأعرج، أمام الواقع العربي الراهن، أشار إلى أن كل ما أنجزه العرب خلال قرون، من قيم ومنتجات ومجتمع وأفكار، ينهار على أيدي «داعش» وأشكالها. والخطر لن يمس سورية والعراق فقط، بل سيعم الأمة كلها، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فـ «إننا نتجه نحو العدم».

كان الكاتب يحذّر من المستقبل، فـ «نحن العرب لسنا أغبياء، والعبقرية العربية موجودة»، لكن القوى التي تعبث بحياة الشعوب العربية وتتلاعب بمستقبلها، تهدّد الأمة بالزوال، وخصوصاً هؤلاء الذين يصدرون فتاوى التكفير ويبيحون لأتباعهم سفك دماء الآخرين، «فهم لا يستحقون لقب شيخ، فهذا اللقب رتبة دينية رفيعة، يجب ألا تُعطى لأصحاب فتاوى التكفير».

ما هو الحل للخروج من هذا المستنقع؟ وماذا نريد أن نصنع بهذه المجتمعات؟ يجيب واسيني: البدء بالنهضة التعليمية، فنحن نريد أن تتربى هذه الشعوب على الرؤية العلمية والإنسانية والنقدية، حتى في مجال الدين. مدرسةٌ عربيةٌ عقلانيةٌ إنسانيةُ التكوين، بعيداً عن القمع والاستبداد والتكفير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5275 - الثلثاء 14 فبراير 2017م الموافق 17 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:24 ص

      القوى التي تعبث بحياة الشعوب العربية وتتلاعب بمستقبلها، تهدّد الأمة بالزوال، وخصوصاً هؤلاء الذين يصدرون فتاوى التكفير ويبيحون لأتباعهم سفك دماء الآخرين، «فهم لا يستحقون لقب شيخ، فهذا اللقب رتبة دينية رفيعة، يجب ألا تُعطى لأصحاب فتاوى التكفير».
      هؤلاء هم اصحاب الصوت العالي الذي يدمر البلدان وينشر الكراهية ويسمونهم شيوخ دين.

    • زائر 6 | 4:13 ص

      فعلاً نحن نريد أن تتربى هذه الشعوب على الرؤية العلمية والإنسانية والنقدية، حتى في مجال الدين. مدرسةٌ عربيةٌ عقلانيةٌ إنسانيةُ التكوين، بعيداً عن القمع والاستبداد والتكفير.

    • زائر 4 | 2:19 ص

      لقد اسمعت لو ناديت حيا
      ولكن لا حياة لمن تنادي

اقرأ ايضاً