العدد 5292 - الجمعة 03 مارس 2017م الموافق 04 جمادى الآخرة 1438هـ

قراءة رواية ما هو ضرب موعد مع الذات

موباسان-بلزاك-أوسكار وايلد
موباسان-بلزاك-أوسكار وايلد

لكل قارئ أسلوبه الخاص في القراءة. في انتقاء الكتب التي يضعها في مفضلته، وفي قائمة ما سيقرأ. وتأتي الرواية في مقدمة هذه الكتب التي يذهب إليها كثيرون، ولكن لماذا نقرأ الرواية؟

في العدد 112 من مجلة الدوحة الصادرة في فبراير/ شباط الماضي، تحاول «هيلواز ليريتي» أن تجيب على سؤال: لماذا نقرأ الروايات؟ من خلال مقال ترجمه عن الفرنسية محمد الإدريسي.

تأتي إجابتها في خمسة محاور أوردتها في المقال: أولها التفرد والزوال والصغر، إذ تؤكد ما ذهب إليه «موباسان» إلى أن «الناقد الذي يجرؤ على كتابة: «هذه هي الرواية وليست تلك» يبدو غير موهوب ببصيرة تحيل بقوة إلى عدم الكفاءة»، وتقول إن الرواية تتسم بطابعها الجمعي ولهذا ليس هناك سبب مقنع لقراءتها، وعلى رغم كل ما تحمله من معارف إلا أنها لا تطفي علمية تذكر على خطاباتها لكون الرواية لا تعرض الحقائق ولا تستعرض المفاهيم ولا تجابه الأفكار. وأمام الصرامة العلمية نجدها تعارض العشوائية واللاتوقع وتناشد التفرد والزوال وضربات القلب، مستندة إلى مقولة «رونالد شوسترمان» المتخصص في الجماليات: «إن العلم هو المجال الحقيقي للمعرفة بينما الخيال لا يعد معرفة».

المحور الثاني كُتِب تحت عنوان «معرفة أفضل بالناس»، إذ تؤكد أن ما نسعى إليه من خلال قراءة الرواية هو معرفة أفضل بالإنسان والعالم والحياة، وهو المحور الذي يتنافى مع الأول الذي يبعد موضوع إمكانية اكتساب المعرفة من الرواية. ومن خلال مقولات لعدة أدباء ومتخصصين في الأدب والجماليات والنقد تحاول ليريتي إقناع القارئ بهذا المحور؛ إذ تورد آراء كل من «جيرار جانيت» و «جان ماري» و «راينر روشليز» التي تؤكد إسهام الرواية في البعد المعرفي، وأن بعض المؤرخين يبحثون في الأدب عن الحقائق التاريخية والعلوم المعرفية. وفي هذا السياق تذكر الكاتبة بعض الأمثلة التي يخرج منها القارئ بمجموعة من المعارف التي يمكن تمييزها عن المتخيل في كل عمل، كرواية الغريب لـ «ألبير كامو» على سبيل المثال والتي تضم توليفة من الموضوعات الفلسفية كالوحدانية والموت واللامعقولية، إضافة إلى روايات «ميشال ويلبك» التي تتحدث عن سيكولوجيا الحب أو سياحة الجماهير. وبهذا تكون الرواية معنية بالكفاءة اللغوية بقدر اعتنائها بفهم الواقع.

وفي المحور الثالث المعنون بـ «حيوات بالنيابة»، تؤكد ليريتي على أهمية الرواية في قدرتها على اقتراض عيون الآخرين لرؤية العالم، إذ تجعل القارئ يتقمص أدوار الأبطال فيها وتعطيه تجارب مختلفة من غير حاجته لعيشها على أرض الواقع وتحمل مخاطر ذلك.

وتضيف: «في هذا الصدد، يكمن واحد من أهم الأبعاد الأكثر لفتاً لقراءة الرواية في توريدها للخواطر».

أما المحور قبل الأخير فهو من وجهة نظر هيلواز ليريتي: «عودة اللذة»، وهنا تتحدث عن أهمية قراءة الرواية باعتبارها مصدراً للذة والحصول على الترفيه، وذلك من خلال تفاعل القارئ مع شخصيات الرواية وخصوصاً حين يكون بينه وبينهم رابط عاطفي، ويمكن القول إن العواطف المنشودة والأحلام المقدمة من خلال الرواية لها أهمية كبيرة في وجوده الخاص، حتى وإن لم يتفق القارئ مع أفعال تلك الشخصيات، وهو ما ذهب إليه الكاتب «أوسكار وايلد» حول إحدى شخصيات «بلزاك» حين قال مقولته الشهيرة: «وفاة لوسيان ديرومبري هي أكبر مأساة في حياتي». وما يعلل القول إن «جان جاك روسو» ساهم في تعديل التوازن العاطفي للعديد من الأجيال، بينما ساهم «فيرتر غوتيه» في دفع العديد من المراهقين إلى الانتحار.

وأخيراً تنهي الكاتبة مقالها بتساؤل حول ما إذا كانت قراءة الرواية تؤكد على الذات أم تجعل القارئ يسعى إلى مواجهتها. وتجيب على هذا التساؤل من خلال الذهاب إلى أن أكثر الكتب مبيعاً عادة ما تكون تلك الكتب التي تقدم شخصيات تشبهنا وتحمل عواطف وقيماً تمثلنا وتتحدث عنا؛ فهي تشجع القارئ على اعتناق معتقداته وتوقعاته، بينما تقدم بعض تلك الكتب شخصيات تواجهنا مع غيرية راديكالية تجعلنا في مواجهة مع الجانب المظلم من أنفسنا. ولهذا فإن القارئ يبحث في بعض الحالات عن تأكيد لذاته بينما يسعى أحياناً للمقارنة مع نفسه ومواجهتها.

وبهذا فإن الكاتبة تذهب في مقالها إلى أن الرواية ليست وسيلة للتحدث إلى كبار المؤلفين في الماضي والحاضر، وإنما هي تجربة فكرية وترحيب باللغات والشخصيات والعواطف الأخرى؛ فقراءة الرواية هو ضرب موعد مع الذات.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً