العدد 5345 - الثلثاء 25 أبريل 2017م الموافق 28 رجب 1438هـ

معضلة الاختيار بين لوبان وماكرون

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أُقفلت أبواب انتخابات الدورة الأولى وأعلن عن نتائجها الأولية، حيث تأهل للدورة الثانية كلٌّ من إيمانويل ماكرون الذي يصفه الإعلام بمرشح الوسط وزعيم حركة «إلى الأمام»؛ ومارين لوبان مرشحة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرّف.

في المعلومات حقق ماكرون 23.54 في المئة من أصوات الناخبين البالغ عددهم 47 مليون فرنسي، فيما حصدت لوبان 22.33 في المئة، وبلغت نسبة المشاركة 70.59 في المئة، والامتناع نحو 22.7 في المئة، كما جاء فرانسوا فيون في المرتبة الثالثة بنسبة 19.96 في المئة، وأعلن في الحال عن هزيمته داعياً هو ومعظم الأوساط السياسية من اليمين واليسار إلى حشد طاقات التصويت لماكرون، للحيلولة دون وصول لوبان للإليزيه خلال الدورة الثانية من انتخابات 7 مايو/ أيار المقبل، فحسب رأي معارضيها، تمثل سياساتها المناهضة للهجرة ولأوروبا، كارثةً ومصيبةً على فرنسا.

«داعش» تنتخب

اعتبر بعض المراقبين هذه الانتخابات تاريخية بامتياز، لأسباب كثيرة، كونها عمقت الانقسام والتشرذم بين اليمين التقليدي والاشتراكي وضعضعت شعبيتهما بسبب التنافس والخلافات وملفات الفساد، كما أنها عُقدت في ظل توتر وإرباك سبّبه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتصاعد لاتجاهات اليمين المتطرّف في أوروبا وتنامي خطابه التعبوي العنصري خصوصاً مع استمرار الخوف والرعب من تكرار العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا في السنوات الأخيرة، وتصاعدت معها التهديدات الإرهابية التي كان آخرها اعتداء «داعش» على حافلة شرطة، أسفر عن مقتل شرطي وجرح آخرين في جادة الشانزيليزيه أكثر المعالم السياحية شهرة واكتظاظاً وذات البعد الرمزي الذي تُقام فيه الاستعراضات الوطنية. وفوق ذلك فهي تبعد أمتاراً فقط من القصر الرئاسي، وبذلك أعاد الاعتداء قضايا الأمن والإرهاب إلى صدارة عناوين الحملات الانتخابية وقلب موازين قواها، حتى كتب أحدهم أن «داعش» وعلى رغم رفضها الديمقراطية، إلا أنها صوّتت بلغة الموت مع الفرنسيين ولصالح اليمين المتطرّف الذي ما برحت ممثلته لوبان تحشد الناخبين باتجاه شعارات الأمن والحرب على الإرهاب ووقف الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي.

خطورة الانتخابات

يعاني قطاع كبير من المجتمع الفرنسي كما غيره من المجتمعات الأوروبية، من الرهاب الإسلامي (الإسلاموفوبيا)، بمؤازرة خطاب عنصري متطرّف تجاه المسلمين والمهاجرين، ولهذا شكّل الأمن والإرهاب مواضيع استقطابية دسمة حاول المرشّحون من خلالها جذب الناخبين. وعليه فإن فرنسا اليوم وهي تترقب نتائج الدورة الانتخابية النهائية، تقف عند حافة منعطف خطير، لا بل وتواجه وضعاً أكثر تعقيداً في تاريخها مع تصاعد موجة الشعبوية في أوساط اليمين واليسار، وبما ساد في الأجواء الانتخابية من اتهامات بين المترشحين بشأن النزاهة والشفافية والوظائف الوهمية والفضائح. ولعل خطورة هذه الانتخابات تكمن من جهة متصلة في تحديدها لمستقبل الكتلة الأوروبية، لم لا؟ وفرنسا تمثل العمود الفقري لبناء هذه الكتلة، وثاني أكبر اقتصاد فيه بعد ألمانيا، إذ يفوق حجم اقتصادها 2.8 تريليون دولار.

وبمجرد إعلان النتائج الأولية احتدم التنافس بين الطرفين المؤهلين لخوض الدورة الثانية، وبرز تنافسهما عبر قضايا تتباين فيها وجهات نظرهما بشكل حاد، سواء لجهة الهجرة والهوية، والإندماج في المجتمع، أو بالنسبة للدور الفرنسي في العالم والاقتصاد. وأصبح العالم يترقب بشغف النتائج النهائية للانتخابات لما تمثله من تحديات كبرى أمام الديمقراطية الغربية ومؤسساتها، وبما يمثله ماكرون ولوبان من رمزية لظاهرة التوحش الامبريالي المتمدد بلا ضوابط من جهة، ولتيار التطرف والعنصرية المنفلت من عقاله من جهة أخرى، ففي خضم هذا الحراك وما أفرزه من معطيات، تخلص بعض الآراء إلى أن فرنسا ابتعدت عن تقاليدها في العمل السياسي، وباتت اليوم في مواجهة طريق صعب تغرق فيه البلاد بين شعبوية اليمين واليسار، واليمين المتطرف الذي تمثله الرأسمالية المتوحشة.

لمن حظوظ الأصوات؟

في حملاتها الانتخابية شكّكت لوبان في جدوى بقاء فرنسا بالاتحاد الأوروبي، الذي تحمّله مسئولية المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها فرنسا، وتطالب في برنامجها بإجراء استفتاء بشأن استمرار عضوية فرنسا فيه على غرار ما فعلته بريطانيا. كما أنها ومن منطلقات وطنية وقومية، تناهض الهجرة وتطالب بخفضها إلى حدود 10 آلاف مهاجر سنوياً، فضلاً عن إغلاق المساجد الإسلامية المتطرفة ومنح أفضلية السكن الحكومي للفرنسيين.

وعلى النقيض منافسها ماكرون، الذي يدعم استمرارية البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو بذلك يحظى بدعم المؤسسة السياسية ورجالات المصارف والأعمال. ومنه لا عجب إن كان التنافس في الحملات الانتخابية المقبلة بشأن هذه القضية سيكون على أشده، خصوصاً أن فرنسا وألمانيا تمثلان عمودين أساسيين في الاتحاد الأوروبي، وقوة عسكرية رئيسية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وبما لها من مناطق نفوذ في العالم.

وإذا كانت ثمة حظوظ لماكرون بكرسي الرئاسة أكثر بسبب حصوله على الأصوات التي حققها فيون (19.96 في المئة) من جهة، ومن جهة أخرى دعم المؤسسة السياسية ولوبيات المصارف ومراكز القوى المالية المؤثرة على الإعلام التي وجدت ظرفاً سياسياً واجتماعياً مهيئاً لتوجيه الرأي العام نحو تعزيز شعبيته، على رغم ضعف خبرته في السياسات الأمنية والخارجية، إلا إنه «الأقل سوءاً» كما يراه البعض، ويمكنه إحداث خرق لدى الشباب الناقم في أوساط اليمين واليسار.

ومع ذلك فحظوظ لوبان تثير مخاوف المسئولين السياسيين في الداخل والخارج، فهي تبقى متقاربةً فيما لو حصلت على أصوات ممثل جبهة اليسار الشعبوي جون لوك ميلاتسون الذي يلتقي معها في تأييدها الخروج من منطقة اليورو، علماً بأن أصواته بلغت 19.49 في المئة، حيث يُشار إلى صعوده لما يمثله من جبهة سياسية عريضة تتشكل من المتذمرين من سياسة الحزب الاشتراكي، واليسار النقابي وحزب الخضر والحزب الشيوعي الفرنسي.

ختاماً إن تنامي العنصرية العدائية للمهاجرين في المجتمعات الأوروبية في العقود الأخيرة، باتت حقيقةً واقعة، وتنذر بعودة الاضطرابات والنزاعات بشأن الهوية في هذه المجتمعات ومنها فرنسا. كما أن انتصار اليمين المتطرّف كخيارٍ لمناهضة الإرهاب، لاشك سينقل العنصرية التي ترعرعت على الكراهية والخوف والرعب من واقعها المتنامي بين أفراد المجتمع إلى واقعها الرسمي والمؤسساتي، وبما يشكّل من صدمة حضارية.

لقد أصبح الفرنسيون اليوم في مواجهة خيار صعب، وعلى طرفي نقيض لجهة النظر فيمن سيتولى قيادتهم، ويحدّد علاقتهم بالاتحاد الأوروبي، ويباشر في حل أزماتهم السياسية والاقتصادية التي يتصدرها ارتفاع معدلات البطالة إلى 10 في المئة، وتباطؤ الاقتصاد واستمرار التهديدات الإرهابية والدعوات العنصرية والتمييزية ضد المهاجرين وقضايا الهوية. فكل هذه العوامل تؤثر بشكل عميق في آراء الناخبين وتوجهاتهم، التي سينتهي أمرها قريباً في صناديق الاقتراع لتأتي برئيس جديد للأليزيه.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5345 - الثلثاء 25 أبريل 2017م الموافق 28 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً