العدد 5369 - الجمعة 19 مايو 2017م الموافق 23 شعبان 1438هـ

القطان حاثّاً على الاستغفار: اليأس والقنوط سلاحٌ لإبليس... ورمضان موسم التوبة

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

الجفير - محرر الشئون المحلية 

19 مايو 2017

حث خطيب جامع الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان بن عبدالله القطان، في خطبته أمس الجمعة (19 مايو/ أيار 2017)، على الاستغفار قبل شهر رمضان، وقال: «إن اليأس والقنوط سلاحٌ لإبليس ليمضيَه في الإنسان العاصي حتى يستمر على عصيانه»، ونوه إلى أن «التوبة تهدم ما قبلها، والإنابة تجب ما سلفها، والاستغفار يمحو سالف الأوزار، فمن كان مبتلى بمعصية، فرمضان موسم التوبة والإنابة، الشياطين مصفّدة، والنفس منكسرة».

وتحت عنوان «الاستغفار والتوبة قبل دخول رمضان»، قال القطان: «يا عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، وتقربوا إليه جل وعلا بصالح الأعمال وكثرة التوبة والاستغفار، فإن الله تعالى ـ وهو اللطيف الخبير ـ قد علم ما في الخلق من ضعف، وما هم عليه من قصور ونقص، قد يحملهم على ارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي، ففتح لهم سبحانه باب الأمل والرجاء في العفو والمغفرة، وأمرهم أن يلجأوا إلى ساحات كرمه وخزائن فضله، فهو سبحانه رحيم بمن رجاه، قريب ممن دعاه، والخطأ والتقصير مما جبل عليه البشر، والسلامة من ذلك مما لا مطمع فيه لأحد، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُم) وإن شأن الكمّل من أهل التقوى وأرباب الهدى أنهم إذا أذنبوا استغفروا، وإذا أخطأوا تابوا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) وإن من واسع فضل الله على العباد أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يغفر الذنوب كلها، فعلى العبد أن لا يقنط من رحمة ربه وإن عظمت ذنوبه وكثرت آثامه، فقد قال عز وجل: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ)... وعن أنس بن مالك رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتنِي وَرَجَوْتنِي غَفَرْتُ لَك عَلَى مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتنِي غَفَرْتُ لَك، يَا ابْنَ آدَمَ! إنَّك لَوْ أتَيْتنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لَأَتَيْتُك بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)».

وتابع القطان «أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ـ وهو أتقى الخلق ـ بإخلاص الدين وإدامة الاستغفار، فقال عز وجل: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ)، فكان ملازماً للاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، حتى قال عن نفسه: (وَاللَّهِ إِنِّي لاَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِئَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)... وهكذا شأن عباد الله أرباب العزائم وأهل الإيمان الخلّص، يلجأون إلى الله على الدوام، ويكثرون التوبة والاستغفار، صادقين مخلصين، غير يائسين ولا مصرين، قد ملأت خشية الله قلوبهم، ورسخت في مقام الإحسان أقدامهم، فهم بين مراقبة ربهم وشهود أعمالهم، (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّـابِرِينَ وَالصَّـادِقِينَ وَالْقَـانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ). أولئك هم العارفون المتقون، يؤدون الفرائض، ويكثرون من الطاعات والنوافل، ثم يسارعون إلى الاستغفار خشية التقصير أو الإخلال فيما قدموا من صالح الأعمال، (كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِألأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)».

وبين القطان أن «رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن فرغ من تبليغ رسالة ربه وبلغ البلاغ المبين أمره ربه أن يكثر من الذكر والاستغفار فقال سبحانه: (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْواجًا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوبَا). وكان عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من صلاته بادر إلى الاستغفار، وحجاج بيت الله الحرام مأمورون بالاستغفار بعد الإفاضة من عرفة والمشعر الحرام، (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)».

وذكر القطان أن «من رحمة الله عز وجل بنا، ومزيد فضله علينا ما رتب على الاستغفار من عظيم الجزاء وسابغ الفضل والعطاء، فإن كثرة الاستغفار والتوبة من أسباب تنزل الرحمات الإلهية والألطاف الربانية والفلاح في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: (لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وقال عز وجل: (وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)».

وأضاف «إذا كثر الاستغفار في الأمة والمجتمعات وعم أفرادها وصدر عن قلوب موقنة مخلصة دفع الله به عن العباد والبلاد ضروبًا من البلاء والنقم وصنوفًا من الرزايا والمحن، كما قال عز وجل: (وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)... ومن آثار الاستغفار أنه يدفع العقوبة عن صاحبه، ويمنع نزول المصائب به، ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات، ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان، كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة، ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :(أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فإذا مضَيْت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)».

وأشار القطان إلى أن «من آثار الاستغفار أنه سبب لنزول الغيث والإمداد بالأموال والبنين ونبات الأشجار وتوفر المياه، وحصول البركة في الأرزاق والثمار، وكثرة النسل والنماء، كما قال سبحانه حكاية عن نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)، وقال عن هود عليه السلام أنه قال لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)».

ونبه القطان إلى أن «المستغفرين يمتعهم ربهم متاعاً حسناً، فيهنئون بحياة طيبة، ويسبغ عليهم سبحانه مزيداً من فضله وإنعامه، (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)... وفي ملازمة الاستغفار تفريج الكروب والهموم، والمخرج من ضائقات الأمور، وحصول الرزق من حيث لا يحتسب العبد، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)».

وبين أن «الاستغفار دواء وعلاج، وملاذ المضطر وباب الفوز برضا الله، وأساس الوقاية من غضبه، وهو سبب فرح العبد وحبوره يوم لقاء الله، يوم يجد صحيفته مملوءة بالاستغفار، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن تَسُره صحيفتُه فليكثر فيها من الاستغفار). وقال: (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً)، فالمكثر من الاستغفار يُبعث طاهراً نقياً فرحاً مسروراً لا ذنب يؤاخذ عليه، ويزداد فرحاً وحبوراً عندما يقبض صحيفته بيمينه ويجدها ممتلئة بالاستغفار».

وأضاف «هذه بعض فضائل الاستغفار ومنافعه، جلاّها لنا ربنا في كتابه، وأفصح عنها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح من خبره، تحمل أهل الإيمان وأرباب التقوى على البدار بالتوبة وكثرة الاستغفار، غير أن هذه المنح الإلهية والفضائل الربانية إنما تحصل للمستغفرين الله تعالى حقاً وصدقاً، إذ الاستغفار ليس بأقوال ترددها الألسن وعبارات تكرر بين الحين والآخر فحسب، وإنما الاستغفار الحق ما تواطأ عليه القلب واللسان، وندم صاحبه على ما بدر منه من ذنوب وآثام، وعزم على أن لا يعود على اقتراف شيء من ذلك، إذ هذه أركان التوبة النصوح التي أمر الله تعالى بها العباد، ووعد عليها تكفير الخطيئات والفوز بنعيم الجنات، فقال عز شأنه: (ياَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـارُ)... يقول الإمام القرطبي رحمه الله: (قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار، ويثبت معناه في الجنان، وليس التلفظ بمجرد اللسان، فمن استغفر بلسانه وقلبه مصرّ على معصيته فاستغفارُه يحتاج إلى استغفار)، ويقول بعض العلماء: (من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه)... فاتقوا الله عباد الله، وتذكروا أن في حوادث الزمان وفجائع الأيام ما يحمل أولي الألباب والنهى وذوي الإيمان والتقى على الاعتبار والادِّكار والعودة إلى الله الواحد القهار والاعتصام بهدي القرآن واقتفاء هدي سيد الأنام والإقبال على طاعة الله ومرضاته وكثرة التوبة والاستغفار، فإن ذلك من أعظم الأسباب لحلول الأمن في البلاد، وإضفاء الطمأنينة في نفوس العباد، وهو وحده الكفيل بحفظ أمة الإسلام في كافة بلادها ومختلف مجتمعاتها من كل ما تخشى وتحاذر،فأقبلوا على ربكم وأطيعوه، واستغفروه وتوبوا إليه، فقد قال عز شأنه: (قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِـيبُواْ إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)».

وقال القطان في خطبته مفصلاً عن الاستغفار: «اتقوا الله تعالى ، وتذكروا أنه لن يخرج أحد من هذه الحياة الدنيا حتى يرى الحسن من عمله والسيئ منه، وإنما الأعمال بالخواتيم، وما الليل والنهار إلا مطيتان، فأحسنوا السير فيهما إلى الآخرة، ولتحذروا التسويف والتفريط، ولا تكونوا ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل، فإن الآجال مغيبة، والموت يأتي بغتة، فلا يغترنّ أحدكم بحلم الله عز وجل؛ فإن الله يمهل ولا يهمل، وإن الجنة والنار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله... وإن من نفاذ البصيرة وصدق الإيمان كثرة التوبة والاستغفار على الدوام، فذلك هدي رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت أكثر استغفاراً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وإن مما صح عنه عليه الصلاة والسلام من جوامع أدعية الاستغفار، ومما وجه الأمة إليه، قوله صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الاستغفارِ أَنْ يقول العبد: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، ثم قَالَ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ)... عباد الله: ها هو موسم التوبة والإنابة والاستغفار قد أقبل، فباب التوبة مفتوح، وعطاء ربك ممنوح، فمتى يتوب من أسرف في الخطايا وأكثرَ من المعاصي إن لم يتب في شهر رمضان ويستغفر؟ ومتى يعود إن لم يعد في شهر الرحمة والغفران؟ فبادر بالعودة إلى الله، واطرق بابَه، وأكثر من استغفاره، واغتنم زمنَ الأرباح، فأيام المواسم معدودة، وأوقات الفضائل مشهودة، وفي رمضان كنوز غالية، فلا تضيِّعها باللهو واللعب والغفلة وما لا فائدة فيه، فإننا والله لا ندري متى نرجع إلى الله، وهل ندرك رمضان الآخر أو لا ندركه. وإن اللبيب العاقل منا من نظر في حاله، وفكَّر في عيوبه، وأصلح نفسه قبل أن يفجأه الموت، فينقطع عمله، وينتقل إلى دار البرزخ، ثم إلى دار الحساب».

وذكر أن «اليأس والقنوط سلاحٌ لإبليس ليمضيَه في الإنسان العاصي حتى يستمر على عصيانه، مهما عمل العبد من المعاصي والفجور، فالإسلام لا يأس فيه من رحمة الله، فالتوبة تهدم ما قبلها، والإنابة تجب ما سلفها، والاستغفار يمحو سالف الأوزار، فمن كان مبتلى بمعصية، فرمضان موسم التوبة والإنابة، الشياطين مصفّدة، والنفس منكسرة، والله تعالى ينادي: (قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (لو أخطَأتم حتى تبلُغ خطاياكم السّماء ثم تُبتُم لتابَ الله عليكم) ويقول في الحديث القدسي :(قال الله تعالى: يا عبادي، إنكم تخطِئون بالليل والنهار وأنا أغفِر الذنوبَ جميعاً فاستغفِروني أغفر لكم)... فاتقوا الله عباد الله، وبادروا بالتوبة، ولازموا الاستغفار، وتعرضوا لنفحات ربكم في الجهر والإسرار».

العدد 5369 - الجمعة 19 مايو 2017م الموافق 23 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً