العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ

الخيانة في صيغة الأ نثى منذ حكاية شمشون ودليلة

في الادب، كما في التاريخ، ولاحقا في الفنون، كان التجسس صنوا للخيانة. وفي هذا الاطار تساوى الرجال والنساء في اقبالهم عليها. ولا سيما في الازمان الحديثة إذ اشتهر جواسيس رجال كما اشتهرت جاسوسات نساء. ولكن في الماضي، ولا سيما في الاساطير والحكايات المتداولة. وقبل ان يشتهر بعض «الخائنين» من امثال بروتوس (في خيانته لقيصر الذي صرخ به تلك الصرخة التي صارت، على الدوام، رمزا للخيانة:

وانت ايضا يا بروتوس ويوحنا (في خيانته للسلاِ المسيح)، كانت الخيانة طبعا نسائيا. ولعل خيانة دليلة لشمشون، ترمز إلى هذا الحضور الانثوي في عالم الخيانة.

وحكاية دليلة وخيانتها لشمشون متداولة منذ القدم، نقلا - بالطبع وفي الاصل - عن العهد القديم الذي يتحدث عنها على الشكل التالي: «بعد ذلك اغرم شمشون بفتاة من وادي سوريف تدعى دليلة. وذات يوم ذهب امراء الفلسطينيين إلى دليلة وقالوا لها: اغويه واعرفي لنا من أين يأتي مصدر قوته الكبيرة، وباية وسيلة يمكننا ان نسيطر عليه ونربطه لكي ندجنه. اما نحن فإن كل واحد منا سيمتلك «الف ومئة شيكل» بعد ذلك سألت دليلة شمشون ثلاث مرات عن مصدر قوته. لكنه كان في كل مرة يجيبها كاذبا واخيرا اذ راحت كل يوم تثيره بكلماتها وتحاصره، بلغ به التوتر مبلغه ولم يعد يجد مندوحة من ان يسر اليها بمكنونات قلبه: «ان الشفرة لم تمر ابدا على رأسي، قال لها لانه منذور من الله، منذ رضعت حليب ثدي أمي. فاذا ما حلق احد شعري فإن القوة تنسحب بعيدا عني». واذ علمت دليلة هذا اتصلت بالامراء وقالت لهم: تعالوا هذه المرة، لانه فتح لي قلبه. فجاءوا وهم يحملون المال الموعود. وهنا انامت دليلة شمشمون فوق ركبتيها ونادت رجلا قص له سبع خصلات من شعره...

وهكذا تمكن الامراء من القبض عليه وفقأوا عينيه وبعثوا به إلى غزة. وهناك ربطوه بزوج من الاغلال الفولاذية وأداروه في المطحنة داخل السجن... الخ.

- هيلي الامارتي «شمشون ودليلة» (1948)

... وماذا اذا كانت الخيانة الوحيدة خيانة المرء لذاته؟

الباحثة الفرنسية، وكاتبة الروايات البوليسية والتاريخية جانين بواسار، حين سئلت ذات مرة، هي التي تمتلئ رواياتها بشتى انواع الخيانات، عن «جنس الخيانة» وعمن هو الاقدر عليها الرجل أو المرأة اجابت قائلة:

في الحقيقة هناك اختلاف حقيقي بين الخائنة والخائن... ذلك ان الرجال الخونة والنساء الخائنات لا يستعملون دائما الوسائل نفسها. فالرجال يخونون بكل قسوة وعنف اما النساء فخيانتهن تكون اكثر هدوءا. ولاقل بالأحرى انهن يغدرن وفي اكفهن قفازات انيقة.

وأنا اعتقد في الوقت نفسه ان ليس ثمة ما يسيء إلى المرأة في قرارة نفسها، اكثر من ان يغدر احد بحبها. ان الرجل حين يخون المرأة التي يحب لا يساوره ادنى انطباع بأنه يخون. اما حين يغدر بصديقه ويغدر به ذلك الصديق، فانه حينها يشعر بالخيانة الحقيقة. اما بالنسبة إلى المرأة فإنها تجد نفسها دائما امام واحد من اختيارين - حين تحدث الخيانة - احلاهما مر: فاما انها تساند حتى النهاية الرجل الذي ترتبط به، حين يخونها وتوجد له مبررات وذرائع وتسامحه، واما انها بدورها تخونه، لكي توجد في الحياة لحسابها الخاص وتحقق هويتها كإنسانة.

مهما يكن من الامر فإن الخيانة لا تكون. إلا حين يكون ثمة نقض للميثاق. فحين لا يترك الرجل اية حرية للمرأة، حين لا يترك لها اي مجال للقيام بما ترى هي انه مصلحتها، تصبح الخيانة امرا لا مفر منه.

فهل هناك يا ترى نساء يغدرن للذة الغدر نفسه؟ ان كثيرات من النساء يتوصلن إلى اقناع انفسهن بأنهن لسن خائنات. بل نساء يقمن بلعبة مزدوجة تمليها عليهن الضرورة! وهذا يأتي - عادة - من عمق طفولتهن ومن زمن المراهقة حين يعتدن التحرك في الظل وبكافة اشكال الملعنة من اجل الحصول على ما يردن، أو على ما يرفض الاخرون منحهن اياه على اعتبار ان الفتاة عليها أن تسلك دائما السبيل القويم.

اما حين يخون الرجل، فإنه يكون - عادة - على علم بذلك، ولا يهمه ان يعترف به. ولربما كان في هذا قوة النساء لا ضعفهن: فيما ان النساء لا يعترفن بالخيانة - على عكس الرجال - يبقين على مظهرهن البريء ما طاب لهن ذلك. ولنتذكر هنا ان البطلة، في واحدة من روياتي البوليسية كانت شديدة الحسن منيرة، إلى درجة ان عشيقها احبها حتى حين شك باخلاصها، ذلك انه لم يتمكن من ان يصدق ابدا ان المرأة على مثل هذا الجمال والبهاء يمكن ان تخون!.

ان كثرا من الكتاب يرون ان الخيانة هي في طبع المرأة، ونوع من الدفاع عن النفس، ما يجعل كتابا كثيرين يصفون المرأة في رواياتهم بانها عشيقة محتملة على الدوام. ولا اذكر هنا ان المرأة في روايات الاميركي جيمس هارلي تشيس، لا يمكنها ان تعيش من دون غدر وخيانة... بل ان كل ما فيها خيانة في خيانة: ثيابها، تصرفاتها، كلامها، جمالها... كل شيء. إن كل ما تمتلكه المرأة في هذا النوع من الروايات انما هو وسيلة صالحة للخيانة ومكملة لها.

صحيح ان الخيانة تشكل جزء لا يتجزأ من الروايات البوليسية والتاريخية، بمعنى انها نبضات قلب هذا النوع من الروايات. ولكن ماذا عن عالم السياسة؟ هل تراكم تصدقون حقا ان رجال السياسة لا يخونون؟ انهم يخونون بالطبع، لكنهم يطلقون على خيانتهم اسم «تطور»... بل انهم غالبا ما يخونون انفسهم بأنفسهم وانا بالنسبة إلي ارى ان خيانة النفس هي اسوأ انواع الخيانات. بل اقول: «انها الخيانة الوحيدة التي يجب شجبها. فعندما يغدر شخص بشخص، في الحب، يكون معنى هذا انه كف عن حبه... فهل يمكن ان نسمي هذا خيانة؟ ابدا. الخيانة الحقيقية هي خيانة المرء لمبادئه الخاصة ولمشاعره وأفكاره...

العدد 64 - الجمعة 08 نوفمبر 2002م الموافق 03 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً