العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ

حكومة بوش تزيد من تمويل حملتها الدعائية الموجهة إلى العرب

إذاعات وفضائيات ومجلات جديدة باللغة العربية

تتعرض جهود الحكومة الأميركية لتحسين صورتها في العالم العربي لانتكاسات متتالية وخصوصا في ظل حربها على العراق لاحتلاله وتحويله إلى قاعدة عسكرية واسعة للولايات المتحدة في المنطقة.

فقد قدمت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشئون الدبلوماسية العامة شارلوت بيرز المكلفة بالترويج الإعلامي، استقالتها من منصبها بعيد الانتقادات الواسعة التي تعرضت لها في جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يوم السابع والعشرين من شهر فبراير/شباط الماضي، إذ أوضح العضو الديمقراطي البارز في اللجنة جوزيف بادين فشل حكومة الرئيس بوش في استثمار برامج الدبلوماسية العامة مثل إذاعاتها المختلفة بدرجة كافية، مشيرا إلى أن بوش يضر بجهود وزارة الخارجية الرامية إلى تحسين صورة الولايات المتحدة. وهو ما اعترفت به بير إذ قالت إن الهوة بين صورة الولايات المتحدة الآن وتلك التي تتطلع إلى أن يراها الآخرون تتسع بشكل مخيف. وتقول مصادر مطلعة إن استقالة بيرز لم تكن بسبب مرضها الذي لم تكشف عن ماهيته في كتاب استقالتها، بل إنها نصحت بتقديم الاستقالة لفشلها في مهمتها والدفاع عن سياسة الحكومة الأميركية.

فقد تأكد أن الحملة المثيرة للجدل للعلاقات العامة بكلفة 15 مليون دولار بشأن المسلمين في الحياة الأميركية لم تخرج بنتائج ملموسة في العالم العربي، بل إن الحكومة الأميركية تواجه مزيدا من العداء في العالمين العربي والإسلامي على ما كانت تواجهه منذ تسلم بوش السلطة في مطلع العام 2001.

وقال بايدن إنه «في أعقاب الهجمات الإرهابية مباشرة فإن التأييد والعواطف تجاه الولايات المتحدة كانت عامة تقريبا، وفي غضون أقل من 18 شهرا بددت حكومة بوش إلى حد كبير المشاعر الطيبة». وأضاف: «لدينا مشكلات جمة الآن في أوروبا وآسيا ومثلها أيضا في العالم الإسلامي».

سلعة غير مرغوبة !

وقد اعترفت بيرز قبل استقالتها بهذه المشكلة وقالت: «إن لدينا ـ كما يظهر لنا كل استطلاع للرأي ـ قدرا كبيرا من عدم الاتفاق بيننا وبين بقية العالم بشأن ما يرونه وكيفية رؤيتهم لسياساتنا» وأضافت: «إنني لا أعرف إن كان ذلك يعتبر قياسيا ولكنني أكره أن يزداد هذا الخلاف».

ويعتقد الكثير من المحللين وكبار أعضاء الكونغرس أن المشكلة الأساسية هي سياسة بوش الخارجية نفسها، وخصوصا حربه على العراق التي أدى إلى بروز توترات في السيطرة على الشئون العسكرية والاقتصادية إلى السطح، وقد غذى ذلك المخاوف من أن الولايات المتحدة تحاول زيادة هيمنتها على العالم. ويناقش هؤلاء بأنه من المستحيل بيع سلعة لا يريد أحد شراءها.

وقال العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ راسل فينغولد إنه «على رغم أهمية الحفاظ على الشركاء نجد أن بعض تصريحاتنا وبعض سياساتنا تفعل العكس تماما، ونقوم بعزل الناس في شتى أنحاء العالم». مشيرا إلى أن الجهود الأميركية لمكافحة ما تسميه واشنطن «الإرهاب» تبدو أنها تستهدف المسلمين وشعوب المنطقة، مؤكدا أن ذلك «يذكي المشاعر المناهضة للولايات المتحدة».

ويقول المنتقدون أن هناك سياسة خارجية أميركية مثيرة للجدل بضرب أعداء محتملين أولا، يضاف إلى ذلك بيئة مقيدة للزوار العرب للولايات المتحدة وتعليقات مؤذية من جانب كبار المسئولين الأميركيين استفزت الأسرة الدولية.

وبعد سنوات من التخفيضات في موازنة الخارجية الأميركية إذ تم تخفيض 30 في المئة خلال السنوات الـ 15 الأخيرة، فلم يعد هناك إلا القليل من البنى التحتية الخاصة بالدبلوماسية العامة التي تستخدم للرد على الانتقادات. ويقول مدير الوكالة الدولية للتنمية أندرو ناتسيوس «لماذا يكون لدينا برنامج مساعدات خارجية عندما لا يكون هناك تهديد للولايات المتحدة؟» مشيرا إلى أنه يعتقد أن من الخطأ إحداث تلك التخفيضات. ففي التسعينات من القرن الماضي في أعقاب انتهاء الحرب الباردة فإن المشروعات الخارجية مثل مكتبات اللغة الإنجليزية والمراكز الثقافية تم تفكيكها وهبطت البعثات الدراسية للطلاب الأجانب في المعاهد الأميركية من 20 ألف سنويا في الثمانينات إلى 900 بعثة فقط هذه الأيام.

«لماذا يكرهوننا»؟

وللرد على المانشيتات المدوية في وسائل الإعلام الأميركية بشأن «لماذا يكرهوننا؟» بدأت الخارجية الأميركية جهودا جديدة لرفع درجة التأييد العالمي للولايات المتحدة بعد 11سبتمبر/أيلول. فقد دشن الرئيس بوش رسميا في وقت سابق من العام الجاري مكتب الاتصالات العالمية الذي يلعب دورا بارزا في بث معلومات إلى وسائل الإعلام العربية، وتم تعزيز أجهزة الدعاية والبروباغاندا الأميركية مثل إذاعة «راديو سوا» التي تبث أغاني أميركية وعربية من الموجة الجديدة وأخبارا باللغة العربية بمنظور أميركي، بالإضافة إلى إطلاق قناة فضائية تلفزيونية على النمط نفسه موجهة إلى العرب بكلفة 30 مليون دولار.

وفي سياق الترويج للأخبار والتقارير من منظور أميركي، دفعت إذاعة «راديو سوا» بعدد من العاملين فيها إلى العمل مراسلين لبعض الإذاعات والفضائيات العربية من واشنطن. ويذكر أن القانون الأميركي يمنع الموظفين الأميركيين من العمل مع جهة أجنبية.

وقد اضطرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى إعلان أنها أغلقت مكتب التضليل الإعلامي المعروف باسم «مكتب التأثير الاستراتيجي» برئاسة وكيل وزارة الدفاع دوغلاس فايث بعد افتضاح دوره بأنه يُستخدم لبث دعاية كاذبة لتقويض الحكومات التي تعاديها الولايات المتحدة.

كما استهدف المنتقدون حملة علنية من وزارة الخارجية بعنوان «قيم مشتركة» انتجتها بيرز، والتي أظهرت شهادات من مسلمين أميركيين يعيشون حياة سعيدة في الولايات المتحدة بالتنسيق مع مؤسسة يمولها مكتب الدبلوماسية العامة باسم «مجلس أميركيين مسلمين من أجل التفاهم»، إذ تم طبع 300 ألف نسخة من منشور طبع بعشر لغات بعنوان «حياة المسلمين في أميركا»، اعتبرها دبلوماسيون وحكومات أجنبية دعاية مكشوفة وفاضحة، ورفضت معظم الحكومات عرض شريط فيديو لهذه الحملة. ولم يبث إلا في إندونيسيا وماليزيا وباكستان والكويت. وحدث الشيء نفسه لموقع على شبكة الانترنت يموله مكتب الدبلوماسية العامة باسم «حوار مفتوح» بهدف «جمع الشعوب والثقافات معا من خلال الحوار» ووجه بمعاملة فظة مماثلة للحملة الإعلامية. فقد نشر الموقع تعليقا لكاتب من ماليزيا اسمه أحمد، قال فيه «أعتقد أنكم تضيعون وقتكم في محاولة لاسترضاء المسلمين، فمن الأفضل لكم أن تخرجوا من هذا الموقع، فنحن نعرف أنكم جزء من الدعاية الأميركية القذرة».

ويخطط مكتب الدبلوماسية العامة أيضا لإصدار مجلة ناطقة باللغة العربية لتسويقها في البلدان العربية إذ تمت إحالة عطاء إصدارها إلى شركة «ماغازين غروب» التي تترأسها جين أوتنبيرغ إذ سيتم اعتبارا من أواخر الربيع الجاري إصدار أربعة أعداد بصفة تجريبية بقيمة 755 ألف دولار، وقد يجري تمديد هذا الترتيب لمدة خمس سنوات بقيمة ثمانية ملايين دولار إذ سيتم نشر المجلة شهريا، وستكون بديلا عن مجلة «المجال» التي كانت تصدرها وكالة الإعلام الأميركية بالعربية وتوقفت في أواسط التسعينات بعد التخفيض في موازنة الدبلوماسية العامة. وتسعى المجلة الجديدة مثل غيرها من وسائل الدعاية الأميركية الناطقة بالعربية إلى اجتذاب الشباب العرب من سن 20 إلى 25 سنة والذين يشكلون الأكثرية من سكان الوطن العربي، إذ يعتقد بعض المسئولين الأميركيين أنهم يمكن أن يكونوا أكثر قبولا للثقافة الغربية من العرب كبار السن.

وعلق العضو الجمهوري البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك هاغل على ذلك بالقول: «يجب أن نبدأ بجوهر السياسة وبالنية والهدف من السياسة... إن باستطاعتنا أن نلعب لعبة التسويق... ولكن في النهاية لن تكون هناك أية جدوى مهما كانت جهود التسويق عظيمة. إذا كانت السلعة لا تصمد... فإنك ستواجه مشكلة»

العدد 215 - الثلثاء 08 أبريل 2003م الموافق 05 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً