العدد 192 - الأحد 16 مارس 2003م الموافق 12 محرم 1424هـ

رجال الأمن يعثرون على سفاح الدار البيضاء... منتحرا

هل هي بداية فك لغز قتل وتقطيع الجثث؟

على امتداد الأشهر الماضية خيم الخوف بشكل غير مسبوق على سكان الدار البيضاء كبرى المدن المغربية، وبدل أن ينصبّ حديثهم على المشكلات الحياتية أو مستجدات الوضع الدولي من انتفاضة فلسطين إلى وضع الخليج والاستعدادات لضرب العراق، فإنه انصبّ على مسلسل الجرائم المتوالية والمتمثلة في تقطيع جثث عدد من القتلى، والذي غزا مختلف مقاطعات ولاية الدار البيضاء الكبرى، وكان آخر حلقاته العثور على جثة شاب مقطعة إلى جزءين. إلا أن الغموض الذي تميزت به هذه الجرائم بدأ - فيما يبدو - في التبدد بعد عثور الشرطة على المتهم الرئيسي في هذا المسلسل المرعب... لكن منتحرا.

أفاد مصدر مطلع في ولاية أمن الدار البيضاء أن المشتبه في مسئوليته عن جريمة حي المعارف - والذي يعتقد أنه يقف وراء جرائم القتل والقطع التي اجتاحت الدار البيضاء أخيرا - عثر عليه صباح يوم الثاني من مارس/آذار الجاري منتحرا بعد أن شرب مادة كيماوية سامة. وذكر المصدر أن المشتبه فيه ويسمى «محمد زويتة» عثرت عليه الشرطة ميتا في مقر سكناه، موضحا أنه من المحتمل أن يكون قد تناول المادة السامة حين علم بقدوم قوات الأمن وتأكد من انكشاف أمره. ووفقا للمصدر ذاته فإن المشتبه فيه كان يشتغل بوابا بإحدى العمارات الملاصقة لمحكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء.

صاحب سوابق

وكان المدير العام للأمن الوطني بالمغرب حفيظ بن هاشم قد انتقل شخصيا من مقره في العاصمة (الرباط) إلى الدار البيضاء ليترأس بنفسه عمليات التحري في جرائم القتل الأخيرة التي أدخلت الفزع في نفوس السكان بالدار البيضاء. وبعد التحريات الأولية تبين للشرطة أنه كان مطلوبا في جناية قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد بمدينة (الجديدة) على بعد (84 كلم) جنوب الدار البيضاء. واعتبرت الشرطة في تقريرها أن «زويتة» انتحر لما تيقن من وصول الشرطة إليه، ومن أن يتابع بتهمة قتل شاب يبلغ من العمر 28 سنة والتمثيل بجثته والتخلص منها بحي المعارف في ليلة عيد الأضحى الأخير، والذي ظهر فيما بعد أنه على قرابة عائلية معه.

وحسبما أفاد الملحق الإعلامي بولاية أمن الدار البيضاء في تصريح خص به «الوسط» فإن زويتة قرر التخلص من حياته لما استشعر قرب سقوطه بين أيدي العدالة. وعن التحريات قال:

مباشرة بعد عثورنا على «جثة المعارف» فتحنا تحقيقا عن ملابسات الجريمة والتمثيل بجثة شاب عثر على أجزائها في حي المعارف، وكانت أولى خطواتنا البحث عن مصدر العلبتين الكارتونيتين اللتين وضع فيهما طرفا الجثة. ومن خلال شبكة الإنترنت الموجودة على ظهر العلبتين تبين لنا أن عنوان الشركة المنتجة لهذا النوع من الكارتون يوجد في إسبانيا، ليتعرف المحققون بعد ذلك على شركات البناء المغربية المستوردة له، ليخلص البحث والتحريات الأمنية إلى شركة موجود مقرها بقرب محكمة الاستئناف، والتي تتخلى عن العلب لفائدة حارس العمارة الذي يعيد بيعها.

المسئول الإعلامي بأمن الدار البيضاء ذكر في تصريحاته أيضا أن قوات الأمن كانت قد أوقفت حارس العمارة زويتة وأجرت معه تحقيقا أوليا، إلا أنه تبين لها في البداية أنه غير معني بموضوع بحثها فأطلقت سراحه وطلبت منه أن يبقى رهن إشارتها كلما طلبت منه ذلك، غير أن الشرطة فوجئت - بحسب المسئول - برفض «زويتة» المثول أمامها وتوصلت أيضا من خلال هويته إلى أنه مطلوب في جناية قتل عمد بمدينة الجديدة، فانطلقت للبحث عنه وإيقافه، لتجده ميتا في المرحاض. وبحسب مصادر مطلعة في الأمن المغربي فإن التحقيقات جارية حاليا عن علاقة البواب المنتحر بباقي الجرائم السابقة التي هزت العاصمة الاقتصادية المغربية، وهو ما قد تثبته التحليلات والتحقيقات.

التخلص من ابن العم والعشيقة

أيام قلائل بعد العثور على جثة «السفاح زويتة» أكد مصدر مقرب من التحقيق الجاري عن ثلاث جرائم قتل وصفت بـ «الغامضة» أن «زويتة» بحسب نتيجة تقرير الطب الشرعي والمختبر العلمي للشرطة أن الأخير ابن عم صاحب الجثة التي عثر على أطرافها السفلى في شهر مايو/أيار الماضي خلف إحدى المؤسسات التعليمية بضاحية المعارف الراقية بمدينة الدار البيضاء. وأوضح المصدر نفسه لـ «الوسط» أن المحققين توصلوا إلى مؤشرات متطابقة تؤكد تلك القرابة ومنها أن أم وأخ صاحب نصف الجثة تعرفا عليه من خلال إحدى العلامات المميزة التي كانت على أطرافه السفلية.

ومن المؤشرات التي اعتمدها المحققون لتأكيد قرابة العمومة بين «زويتة السفاح» وقتيل «ضاحية المعارف» أنهم وجدوا بعضا من ملابسه بغرفة «زويتة» بالعمارة التي كان يشتغل حارسا لها، وأن زويتة اختفى أسبوعا كاملا بحسب تصريح للشرطة، التي تبين لها أن العثور على جثة ضاحية المعارف تزامن مع الأسبوع الذي اختفى فيه زويتة والذي روج بين أفراد عائلته - مباشرة بعد جريمته - أن «ابن عمه» قد هاجر بطريقة غير شرعية إلى أوروبا.

ووفقا للمصدر ذاته فإن هذه الفرضيات سيتم ترجيحها مباشرة بعد توصل الأمن المغربي بنتيجة تحليل الحامض النووي «DNA» لقتيل المعارف والحامض النووي لأمه وأخيه، وكذلك بين القاتل والقتيل.

من ناحية أخرى، نسب المحققون أيضا إلى السفاح «زويتة» ارتكابه جريمتي قتل المسماة «سعيدة نديري» التي كانت على علاقة غير شرعية بزويتة، وفقا لتصريحات لأخ القتيلة التي وصفت علاقتهما بالمتوترة والتي تخللتها مشاهد عنف في حق أختها من طرف زويتة.

وحسم المحققون أن القتيل الثاني لضاحية المعارف هو الضحية الثالثة لمحمد زويتة. وإذا كان الغموض في طريقه للتجلي عن الجرائم المذكورة، فإن الغموض مازال يلف جريمتي ضاحية الحي الحسني وضاحية سيدي عثمان.

يذكر أن الشرطة البيضاوية قد عاينت في وقت سابق هوية امرأة وجدت مقطعة إلى جزءين وعلى رأسها كيس بلاستيكي أسود مشدود إلى العنق بقرب إحدى الأسواق.

وعاينت أجزاء جثة فتاة لم يتجاوز عمرها 17 سنة تعرضت للقتل والتقطيع، ووضعت أجزاء جثتها في أكياس بلاستيكية ورميت بالقرب من مقبرة، وإذا كانت هوية الفتاة معروفة فإن مرتكب جريمة القتل والدوافع مازالا مجهولين.

الراقصة تدخل على الخط

وإن كانت الافتراضات الأولية تظهر أن السفاح زويتة يقف وراء بعض هذه الجرائم، فإن جريمة بلدة مديونة شرق الدار البيضاء تبين أن يد السفاح منها براء، وهو ما أكده إعلان الشرطة المغربية عن إحالة امرأة - تبلغ من العمر 34 عاما، تشتغل راقصة في فرقة موسيقية شعبية - على النيابة العامة للتحقيق لاتهامها بارتكاب جريمة قتل ذهب ضحيتها عشيقها. وبحسب التحقيقات الأولية فقد ساعدها في اقتراف ذلك امرأة ورجلان، ويرجح أن هذين الأخيرين يستعان بهما في مثل هذه الجرائم بمقابل مادي، إذ عثر على الجثة مقطعة، بعد تخزينها بأكياس ورميها في مطارح النفايات، إلا أنها اكتشفت من طرف كلاب المنطقة وعمال التنظيف. وكان الضحية حل ليلة مقتله ضيفا عند «عشيقته» الراقصة إذ احتسى معها كؤوسا من الخمر على غرار ما كان يقوم به طيلة تسع سنوات من العلاقة غير المشروعة، وكان قد وعدها بالزواج، إلا أنه أخل بوعده فيما يظهر، وهو ما دفعها إلى قتله. وأثناء معاينة الشرطة للمكان الذي عثر فيه على الجثة، تم التعرف على الضحية من خلال «بطاقته التعريفية»، ليتبيّن أنه كان يعمل في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء. وقد اعترفت الراقصة للشرطة بأنها شنقت في البداية عشيقها بحبل كهربائي بعد أن دست له منوما في كأسه، وبعد ذلك ذبحته بسكين وقطعت جثته بساطور بمساعدة رجلين. لتحال على محمكة استئناف الدار البيضاء، في حين أصدرت قوات الأمن مذكرة تتضمن رسما تقريبيا للشخصين المساعدين في ارتكاب الجريمة للبحث عنهما.

وكان مسلسل القتل وتقطيع الجثث قد بدأ بالدار البيضاء الصيف الماضي حينما اختفت ليلى ذات 17 ربيعا عن بيتها ليعثر عليها بعد يومين موزعة في أكياس بلاستيكية بجانب مقبرة على بعد أكثر من 8 كم من سكنها بالحي المحمدي، وتلا ذلك قتلى بينهم ثلاث نساء. ووفقا لتقرير المختبر العلمي التابع للشرطة في الرباط عن عينات من الجثث فإن تقطيع الجثث تم بطريقة احترافية شبيهة جدا بحرفة الجزارة.

مسلسل القتل بين الصحافة والبرلمان

مسلسل قتل وتقطيع الجثث وبعد أن أصبح موضوع الجلسات العائلية أو المهنية، انتقل إلى قبة البرلمان ليزاحم القضايا التي تهم الشارع من قبل التشغيل والصحة والتعليم والصحراء الغربية، بل أصبح علكة تلوكها الصحافة لانتقاد حكومة ادريس جطو بسبب الوضع الأمني المتردي في الدار البيضاء كبرى المدن المغربية، والثانية من حيث عدد السكان في القارة الافريقية بعد القاهرة. مثال ذلك ما جاء على لسان صحيفة «العلم» اليومية التي دعت الحكومة إلى التدخل من أجل وضع حد لهذا المسلسل الذي بات يخيف السكان، وجاء في تهكمها على الجهات الأمنية المغربية «أليس لقوات التدخل السريع - التي تستخدم عادة في قمع المظاهرات - من دور غير إطلاقها بعصيها وبفظاظتها ضد العاطلين عن العمل والمعتصمين والمطالبين بحقوقهم؟ إذا عجز الأمن التقليدي (أي الشرطة)، فلماذا لا تخرج قوات التدخل السريع من ثكناتها وباقي القوات السرية للمشاركة في إنقاذ المجتمع من العصابات؟». وحسب الصحف المغربية المختصة ومن خلال العمليات السابقة يتبين أنها خرجت من إطار المصادفة إلى الجريمة المنظمة، خصوصا في ظل ارتكاب هذه الجرائم وسط أحياء ومناطق كانت إلى وقت قريب آمنة بحكم الحركية المتواصلة فيها وتوافرها على مراكز للشرطة وحراس الطرق والمتاجر والعمارات السكنية، ما يثير الأسئلة عن التجهيزات الأمنية التي لم تعد قادرة على تغطية أجوائها ومكوناتها الجغرافية والبشرية والحركية، بعد أن وجهت إلى عمل آخر يتمثل في ملاحقة الجماعات الإسلامية ومتابعة تحركاتها في ظل الهلع العالمي من شبكات تنظيم «القاعدة» الذي تحاكم إحدى خلاياه بمدينة الدار البيضاء نفسها، التي حولتها دماء الضحايا إلى «الدار الحمراء»

العدد 192 - الأحد 16 مارس 2003م الموافق 12 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 7:55 ص

      hay mohamady

      wach al safah hay

    • زائر 11 | 10:01 ص

      houda

      hada kolchi kdob

    • زائر 8 | 6:23 م

      fes

      hda kolho kadib

    • زائر 17 زائر 8 | 3:52 ص

      سامي

      لا, هذا الكلام كله صحيح .. فأنا أقيم بحي النخيل بمنطقة المعاريف وشاهدت بأم عيني الجثث التي ألقيت وعند قيام زويتة نفسه بالقائها وكأنه يلقي القمامة بشارع ابراهيم الروداني وبالضبط في مدخل زنقة جورا وأنا عائد من مسرح محمد زفزاف وكان عمري أنذاك لا يتجاوز 12 سنة وربي شاهد على ما اقول.

    • زائر 6 | 5:49 م

      السفاح

      مهمه

اقرأ ايضاً