العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ

حسابات المخططين الأميركيين تعبّر عن فجور فكري

المناضلة اللبنانية سها بشارة لـ «الوسط»:

هل تتذكرون الفتاة اللبنانية النحيلة، الجنوبية، التي حاولت اغتيال اللواء «انطوان لحد» قائد ما كان يسمى جيش لبنان الجنوبي ابان الاحتلال الصهيوني لجزء من التراب اللبناني الذي اضطرت قوات الاحتلال إلى أن تهرب منه تحت ضربات المقاومة الوطنية، متسترة بالظلام...

هل تتذكرون «سها بشارة» التي قضت سنوات طويلة في سجون الاحتلال، وخرجت محررة بعد تحرير الوطن بمعنويات عالية على رغم بشاعة الأساليب التي مارسها الجلادون بحقها...

«سها بشارة» أكدت في تصريحات لـ «الوسط» أن الشعب العراقي يخوض حرب مقاومة شعبية لن تتوقف حتى لو بسط الغزاة جنودهم في جميع أنحاء العراق، وحتي لو سقط النظام، قتل أو أسر أو هرب قادته، لأن المعركة هي معركة الوطن الذي يتعرض للخطر وليس من أجل فلان أو فلان، وسيثبت شعبنا العراقي العظيم انه ابن تلك الحضارة العريقة التي تمتد جذورها إلى آلاف السنين.

وقالت: سقطت ورقة التوت الأخيرة، وبات المشروع الاستعماري ـ البريطاني مفضوحا تماما، وهو ما نوه إليه وزير الخارجية الفرنسي «دوفيلبان» عندما قال: «إن العراق ليس قالب حلوى يمكن تقاسمه»، مشيرا بذلك إلى العمليات الجارية حاليا في الولايات المتحدة الأميركية لمنح عقود لما يسمونه في «واشنطن» ـ إعادة أعمار العراق ـ طبعا بعد تدميره من قبل الغزاة الأميركيين والبريطانيين الذين لا يمكن أن يكونوا ممن ينتمون إلى الحضارة الإنسانية.

بوش وعرش العالم

المسألة في غاية الوضوح، مشروع امبراطوري يسعى إلى إرساء دعائمه للسيطرة على العالم، من خلال احتلال الأرض العربية واستنزاف الموارد العربية، لينطلق إلى الهيمنة المطلقة على البشرية، معتمدا في ذلك على (التكنولوجيا المتفوقة)، وعلى (الأفكار والمعتقدات) التي تغلف مشروعهم الاستعماري، والتي يرسمها لهم اللوبي الصهيوني المسيطر على مراكز صنع القرار السياسي الاستراتيجي في الإدارة الأميركية، وعلى «إسرائيل» التي ترى أن مستقبلها ومصيرها مرتبطان بنجاح هذا المشروع الاستعماري الأميركي، الذي يلهث مستعجلا، بنزق لا مثيل له، لتحقيق مشروع (الامبراطورية الأميركية)، معلنا نهاية التاريخ، متوهما أن بإمكانه إيقاف عقارب الزمن، في رهان مغامر، يتخيل أن البشرية ستخضع في النهاية للمشيئة الأميركية، وبالتالي يتربع «جورج بوش» على عرش العالم.

وأضافت بشارة في تصريحاتها لـ «الوسط»: لكن الرهان الأميركي والصلف المعتاد من صقور الإدارة الأميركية وحمائمها اصطدم ومازال بمقاومة دولية، رسمية وشعبية لا مثيل لها في التاريخ، فقبل العدوان الهمجي على العراق رفض المجتمع الدولي بشكل حاسم إضفاء الشرعية على حربه العدوانية المجنونة، وتشكلت جبهة رفض عالمية لهذا الغزو الاستعماري ضمت دول العالم، باستثناءات قليلة، وجمعت أيضا الحركات السياسية والنقابية والمؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية.

وبعد بدء العدوان الغاشم الظالم اصطدم مخططو الغزو ومنفذوه بمقاومة الشعب العربي العراقي البطل، والذي سطر ملاحم، بكل ما في الكلمة من معنى، يسجلها تاريخ الإنسانية بحروف من نور، تحفز شعوب الأرض للتصدي لمشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي.

والمؤشرات والدلائل أكثر من أن تحصى، فمن المظاهرات والاضرابات المستمرة، التي تملأ ساحات وشوارع مدن الدنيا، إلى الحملات المنظمة التي يقودها سياسيون ومثقفون وقانونيون، حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها، للاحتجاج على الغزو الهمجي، معلنة بالفم الملآن رفضها المغامرة الاستعمارية لإدارة «بوش» للسيطرة على العراق ناهيك عن الرفض المتجذر لدى غالبية الدول الأوروبية، وكذلك روسيا والصين وغيرهما، للطموح الأميركي الساعي للسيطرة على العالم.

فجور فكري

لقد برهنت الأيام الماضية، أي منذ بدء الغزو الوحشي للعراق البطل، على أن حسابات المخططين الأميركيين تعبر عن فجور فكري لا مثيل له، فمن جهة يفاخر (المحافظون الجدد) في واشنطن بأنهم يمتلكون تكنولوجيا حديثة للغاية، قادرة على التحكم والتدمير، ومن جهة ثانية يؤمنون بميثولوجيا خرافية تعبر عن انحطاط أخلاقي وإفلاس سياسي (أي أن أكبر قوة في العالم سقطت بين أيدي حفنة من المتعصبين الحاقدين، المحاصرين في أقفاص معتقداتهم المتخلفة) كما يؤكد كاتب فرنسي بارز.

وهكذا، فإن ورقة التوت الأخيرة سقطت عنهم عندما اعتدوا على شعب صغير بحجمه كبير بقدرته على التصدي والمقاومة.

العراق وتجذّر المقاومة

وقالت المناضلة اللبنانية «سها بشارة» في تصريحاتها لـ «الوسط»: من الواضح أن العدوان الأميركي ـ البريطاني ـ الصهيوني الوحشي على العراق الشقيق يتصاعد، وحربهم النفسية الإعلامية سقطت أدواتها وحججها مع أول صور بثتها المحطات الفضائية عن أخبار المقاومة والاستشهاد، أطلقوا مئات الصواريخ وقاموا بالآف الطلعات الجوية، وقذفوا باطنان القنابل على بغداد والمدن الأخرى، وأطلقوا اسطولا من طائرات الموت مزودة بأحدث الأجهزة التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وتحمل القنابل وأجهزة الرصد الالكترونية لتجوب سماء العراق وتنشر الموت والخراب على أرضه، وأكدوا لشعوبهم أن هذا الكم الهائل من التدمير يكفي لقهر أعتى القوى، لكن الدهشة أصابتهم لأنهم لم يدركوا معنى تصميم شعب على الدفاع عن كرامته ووطنه ومستقبله، فقرر المقاومة وكبدهم خسائر لم تكن في حساباتهم...

قالوا إن العراق سيسقط في غضون ساعات، وأكثروا من الترويج لسيناريوهات التمرد والانفلات والانقلاب والاستسلام، فاستقبلوا بنيران المقاومة وإرادة القتال دفاعا عن الأرض والكرامة...

وتابعت المناضلة اللبنانية «سها بشارة»: فكروا في النفط، ولم يحسبوا انهم قد يحترقون بنيرانه، ففيما يتحدث العالم كله عن المجازر البشعة بحق المدنيين الأبرياء، ويتحدث الدبلوماسيون في الشرق والغرب عن القتل والتدمير والخطر الذي يتهدد الإنسانية، وعن الأطفال الذين تفتك بهم القنابل العنقودية، يظهر «جورج بوش» على الشاشة، وعندما عاد من «كامب ديفيد» قال: «لقد أمنت قواتنا السيطرة على حقول الرميلة النفطية، وأنقذت عشرات الحقول من الاحتراق، وهي على وشك السيطرة على معدات النفط في الجنوب العراقي».

وفي قلب المأساة التي عاشها عراقنا الغالي نتيجة القصف الوحشي المتواصل، ظهر «طوني بلير» على الشاشة ليقول: جئنا لنحرر العراقيين ونقدم اليهم الديمقراطية، الديمقراطية المحمولة على متن طائرات (الأباتشي) و(ب-52) وصواريخ (كروز) و(توما هوك) وقذائف اليورانيوم المحرم دوليا.

واختتمت المناضلة اللبنانية «سها بشارة» تصريحاتها لـ «الوسط» قائلة: لقد فشلوا في كسر إرادة الشعب العراقي البطل، ولايزال عدوانهم مستمرا من دون أي اعتبار لمعيار قانوني أو أخلاقي، لأن عدوانهم أساسا هو عدوان على القانون الدولي والشرعية الدولية، عدوان على حقوق الإنسان تعززه روح العنصرية وشهوة القتل المجاني، عدوان لا يحترم الإنسانية ولا يقيم وزنا لقيم الحرية والعدالة والكرامة والمساواة.

لكن مقابل هذا العدوان الغاشم هناك إيمان كبير بقدرة المقاومة الباسلة على افشال المخططات الأميركية - البريطانية الصهيونية في العراق لأن إرادة المقاومة إذا فعلت فعلها ستنتصر، ألم تثبت نجاحها الباهر في الجنوب اللبناني المحرر وصمود الانتفاضة الباسلة في فلسطين؟

العدد 218 - الجمعة 11 أبريل 2003م الموافق 08 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً