العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ

استراتيجية بوش بين معارضة الواقعيين وتحريض الايديولوجيين

يشير بعض المحللين الاميركيين إلى أن اعلان الرئيس الأميركي جورج بوش رفع عدد القوات الأميركية في العراق بمقدار 21 ألف جندي إضافي يمهد الطريق لكارثة استراتيجية أخرى من تدبير نائبه ديك تشيني متمثلة بضربة عسكرية ضد «مواقع الأسلحة النووية السرية» المزعومة داخل إيران. ويضيف هؤلاء ان الخبراء العسكريين والاستخباريين الأميركيين المتابعين لمسيرة الحوادث في منطقة الخليج ما زالوا مقتنعين أن خطة «ضربة عالمية» (Global Strike) ضد مواقع منتقاة داخل الجمهورية الإسلامية الايرانية موجودة على طاولة البيت الأبيض وسيتم شنها بدون سابق إنذار للكونغرس أو مجلس الأمن. ويوضح المنتقدون ان آخر تقليعة إعلامية ضمن خطة «ضرب إيران» هي أن السبب المنطقي لحرب وقائية ضد إيران هو أن الولايات المتحدة أو «إسرائيل» عليها أن تضرب إيران قبل أن يتم تخصيب أول كمية من اليورانيوم الصالح لصناعة القنابل النووية ويتم تخزينها في مواقع مجهولة. لكن إذا أخذنا في الاعتبار أنه حتى محللي «الموساد» الإسرائيلي قد استنتجوا أن إيران غير قادرة على إنتاج قنبلة نووية قبل العام 2009 - وذلك في أحسن الظروف الإيجابية المتاحة لإيران - وأن الخبراء الأميركيين يعتقدون أن أقرب موعد لتمكن إيران من تحقيق ذلك هو بعد عام 2010، إذ يمكن القول إن إدارة بوش قد لجأت إلى أقصى درجات التصعيد لتبرير االتوجيهي ضربة عسكرية إلى إيران في حال فشلت خطة بوش الجديدة في إحتواء الوضع في العراق وصد النفوذ الايراني.

في ردة فعل قوية على التوجه المتسارع الصادر من البيت الأبيض، برزت انتفاضة مضادة شارك فيها ضباط كبار لا يزالون في الخدمة العسكرية وأعضاء من مجلس الشيوخ وآخرون. تذكر مصادر في بغداد أنه عندما سافر وزير الدفاع الأميركي الجديد روبرت غيتس إلى العراق قبل بضعة أسابيع للتشاور مع كبار جنرالات الجيش الأميركي، حصل غيتس على تقييم صريح وواضح جدا من قبل القادة العسكريين. فقد قام القائد العام للقيادة الوسطى الجنرال جون أبي زيد وكبير قادة الجيش داخل العراق الجنرال جورج كيسي، بحسب المصادر، بإبلاغ غيتس بأن الوضع على الأرض كارثة حقيقية، وأن «رفع» عدد القوات لن يغير من صورة الأوضاع شيئا ـ خصوصا إذا تم إرسال القوات إلى العراق من دون مهمة واضحة وسياسة انسحاب معلنة. عاد غيتس إلى الولايات المتحدة وتوجه مباشرة إلى كامب ديفيد لإعطاء الرئيس تقريرا عن زيارته.

بعد أسبوع من ذلك توجه غيتس إلى مقر إقامة بوش في مزرعة كراوفورد في تكساس للاجتماع بالرئيس وجميع أعضاء مجلس الأمن القومي. وحسب التقارير، تم إخبار غيتس في ذلك الاجتماع بانه سيكون هناك تعزيز للقوات الأميركية في العراق، وأن عليه أن يأتي بمخطط يناسب مواصفات الرئيس. فقط قبل تعيينه وزيرا للدفاع خلفا لدونالد رامسفيلد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006.

كان غيتس عضوا في «مجموعة دراسة العراق» (Iraq Study Group) التي يترأسها جيمس بيكر ولي هاملتون، وكان في الواقع هو المؤلف الرئيسي لمسودة توصيات المجموعة. لقد وضع قرار بوش وتشيني رفض فتح حوار دبلوماسي مع إيران أو سورية - وهو من التوصيات المحورية لمجوعة «بيكر وهاملتون» - وضع غيتس المبتدئ في منصبه في وضع لا يحسد عليه وهو أن عليه أن يضع توصيات «لرفع» عدد القوات في العراق وهو الأمر الذي كان هو شخصيا يعارضه باعتباره أسوء من السيء، حسب مصادر مطلعة على دوره في مناقشات «مجموعة دراسة العراق». بينما لا تزال تفاصيل اجتماعات كراوفورد وكامب ديفيد غير معروفة لحد الآن، إلا أن أحداثا أخرى أحاطت بتلك الاجتماعات توحي باتجاه سياسات ونوايا البيت الأبيض. فالجنرال أبي زيد خرج بشكل مفاجيء إلى الرأي العام ليعلن عن خططه للاستقالة من الخدمة العسكرية ابتداء من شهر مارس/ آذار المقبل. وربطت مصادر عسكرية بين استقالته واعتقاده الراسخ بأن بيت بوش وتشيني الأبيض عازم على «تغيير النظام» في إيران بالوسائل العسكرية، وأنه لا يريد أن يكون له أي شيء يربطه بتلك العملية. وفي الخامس من يناير ظهرت تقارير إعلامية تفيد بأن الجنرال كيسي ستتم إزالته هو الآخر من موقع قيادته المباشرة للقوات الأميركية في العراق، نظرا لرفضه كما يبدو لأوهام سياسة رفع عدد القوات. لقد انعكست رؤى الجنرالات ومجموعة دراسة العراق في رسالة موجهة إلى بوش من زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي هاري ريد (من ولاية نيفادا) ورئيسة مجلس النواب النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي (من ولاية كاليفورنيا) في 5 يناير. حث القائدان الديمقراطيان للكونغرس في رسالتهما، المكتوبة بلغة شديدة الدبلوماسية، الرئيس على أن يتخلى عن مخططه لرفع عدد القوات وأن يعمل من أجل حل دبلوماسي للورطة في العراق.

بدأ ريد وبيلوسي رسالتهما بالإشارة إلى انتخابات الكونغرس في 7 نوفمبر كالآتي: «برهن الشعب الأميركي في انتخابات نوفمبر على أنه لا يؤمن بأن سياستك الحالية في العراق ستقود إلى النجاح، وأننا بحاجة إلى تغيير الاتجاه من أجل قواتنا ومن أجل الشعب العراقي». ثم توجه الاثنان بسرعة إلى الحقائق الاساسية: «إن رفع عدد القوات هي استراتيجية قد قمت بتجربتها من قبل وقد فشلت. مثل الكثير من القادة العسكريين الحاليين والسابقين، نعتقد أن القيام بالمحاولة مجددا سيعتبر خطأ خطيرا. إنهم يعتقدون، كما نعتقد نحن بأنه ليس هناك حل عسكري صرف في العراق. يوجد حل سياسي فقط. إن إضافة أعداد أكبر من القوات المسلحة سيؤدي فقط إلى تعريض حياة المزيد من الأميركيين للخطر، وسيمدد قواتنا المسلحة إلى درجة الانكسار من دون أي نفع استراتيجي. وسيؤدي هذا أيضا إلى إضعاف جهودهنا لجعل العراقيين يأخذون مسئولية أكبر لمستقبلهم. لقد تجاوزنا نقطة إرسال مزيد من القوات إلى العراق». وأفصح أعضاء ديمقراطيون آخرون بشكل لا لبس فيه عن أنهم سيضعون استراتيجية بوش «الجديدة» في العراق على قمة الأولويات في مناقشات الكونغرس المقبلة. وهنالك سبب كافي للاعتقاد بأن الاستجواب سيكون غير تحزبي (أي من قبل أعضاء الحزبين كليهما). ذكر الكاتب روبرت نوفاك في الأول من يناير أن غالبية قوية من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تعارض أية زيادة لعدد القوات في العراق، مالم يطرح البيت الأبيض استراتيجية كافية لتبرير ذلك. فقد وصف السيناتور تشاك هايجل (جمهوري من نبراسكا) وهو من قدماء المحاربين في فيتنام وحاصل على أنواط شجاعة، خطط بوش الجديدة بوصف «أليس في بلاد العجائب». أما زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ترينت لوت (جمهوري من ميسيسيبي) فقد عبر عن شكوكه القوية بقدرته على دعم البيت الأبيض. هنالك أسباب فعلية للاعتقاد بأن الرئيس لن يعرض أية «استراتيجية للنصر» جديدة.

مخاوف حقيقية

في الثاني من يناير حذر رئيس تحرير الخدمة الإخبارية (UPI) أرنو دي بورشجراف (Arnaud de Borchgrave) من أن اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو يشن حربا إعلامية يتهم فيها الحكومة الإسرائيلية الحالية «بالاسترضاء» والتراخي في وجه سعي إيران المزعوم إلى الحصول على قنبلة نووية لمسح «إسرائيل» من الوجود. وكما عبّر دي بورشجراف عن ذلك بقلمه: «إن المحافظين الجدد (الأميركيين) الذين يتعاونون بقوة مع نتنياهو بخصوص ما قد تكون عليه المرحلة المقبلة من حرب جديدة في الشرق الأوسط، يقولون إن لدى بوش السلطة للقضاء على التهديد النووي الإيراني. لأن له (البرنامج النووي الإيراني) غرضا واحدا وفقط وهو القضاء على «إسرائيل». قنبلة نووية واحدة من نوع قنبلة هيروشيما وتختفي «إسرائيل» من الوجود». لقد أقلق ما ذكره دي بورشجراف بشدة أحد الجنرالات المتقاعدين ومرشح سابق للانتخابات الرئاسية، هو ويزلس كلارك. فقد كتبت أريانا هافنجتون في الخامس من يناير الجاري على موقع «هافنجتون بوست»، عن مقابلة أجرتها مع الجنرال كلارك مباشرة بعد صدور مقال دي بورشجراف. ذكرت هافنجتون أن كلارك كان غاضبا بشدة من فكرة توجيه الولايات المتحدة لضربة وقائية ضد إيران: «كيف يمكنك الحديث عن قصف بلد وأنت ترفض حتى الحديث معهم؟ إنني قلق من فكرة رفع عدد القوات، لكن ما يقلقني أكثر هو هذا الأمر». في جوابه على سؤال عن سبب اقتناعه بصحة تحذيرات دي بورشجراف في تقييمه لوجود ضربة وشيكة ضد إيران، أجاب كلارك: «ليس عليك سوى أن تقرأ ما ينشر في الصحف الإسرائيلية... إن المجتمع اليهودي منقسم، لكن هناك الكثير من الضغط الذي يتم تمريره بواسطة الداعمين الماليين من نيويورك إلى الراغبين بالترشيح لمناصب سياسية». إن هذه لغة غير معتادة من ضابط كبير متقاعد يفكر في الترشح مجددا للرئاسة الأميركية. لقد وردت لغة حتى أكثر صراحة من ذلك في 31 ديسمبر/ كانون الأول من الكاتب في مجلة «نيويورك تايمز» نيكولاس كريستوف، الذي منح بوش مخرجا أنيقا من حربه البيلوبونيزية على ضفاف دجلة. فقد كتب كريستوف في مقاله التي تعطي الرئيس عشرة توصيات «رابعا، شجع تشيني على الظهور بمظهر شاحب أمام الناس. بعد ذلك يمكنه الاستقالة لاسباب صحية، وتستطيع بعد ذلك تعيين كوندوليزا رايس أو روبرت غيتس لأخذ منصبه. لقد كان للسيد تشيني أسوأ تأثير على سياستك الخارجية، بالإضافة إلى كونه أكثر الشخصيات تطرفا في إدارتك. ليس هنالك من حركة أفضل يمكنك القيام بها للتدليل على بداية جديدة مثل القبول باستقالة السيد تشيني.» في مكان آخر في مقالته يضيف كريستوف: «سابعا، نحي جانبا كل أفكار توجيه ضربة ضد المواقع النووية في إيران، ووضح للإسرائيليين جيدا بأننا نعارض قيامهم بهجوم مثل هذا. فقد تؤخر ضربة عسكرية برنامج إيران 5 أعوام فقط، لكنها ستدعم سيطرة المتشددين على الحكم لـ 25 عاما على الأقل».

يتحرك بوش حاليا ضمن إستراتيجية تصعيدية استعددا لتوجيه ضربة عسكرية إلى ايران فيما لو فشل في تحقيق خطته مع شهر نوفمبر المقبل. وإسترتيجية بوش يقودها إيديولوجيون مثل نائب الرئيس ديك تشيني، بينما يعقلنها واقعيون مثل وزير الدفاع روبرت غيتس... وبحسب التجاذبات بين هذين الطرفين وتطور الاوضاع الاقليمية والدولية فإن الخيار التصعيد العسكري يبقى قائما ، حتى إشعارا آخر.

العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً