العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ

العرب... الطموح نوويا

53 عاما مضى على تأسيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 1954. إمبراطوريات السلاح النووي خفضت من ترسانتها العسكرية، دول كانت بالأمس القريب محدودة التأثير في الخريطة الدولية تعملقت، أصبحت قوى نووية لها ما لها، وعليها ما عليها.

53 عاما مر من هنا والدول العربية حتى اليوم خارج الإطار العام. عليها أن تتحمل ضريبة أن يكون جيرانها «نوويين» فقط. «إسرائيل» أو إيران كلاهما معادلات مخيفة. الصعود النووي الباكستاني كان من الممكن أن يشكل حالة خاصة من الفاعلية للعرب خصوصا، إلا أن احتضان الولايات المتحدة السريع لباكستان كان كفيلا بأن تزيد هذه الفعالية عن أن باكستان ربما تكون قد زودت المملكة العربية السعودية بأسلحة نووية سرا.

التجارب العربية في الطموح النووي قليلة. فثمة مصر والعراق والجزائر. أنهكت حروب صدام حسين الحلم العراقي النووي، انهت طموحاتها «إسرائيل» العام 1981 حين قصفت المفاعل النووي العراقي، وكذلك فعلت بالجزائر حربها الأهلية. بقت «مصر» لكن مصر مشغولة بمعالجة فقرها فضلا عن الطموح في أن تنظم للنادي النووي.

الطموح المصري النووي

في مصر بدأت أولى الطموحات العربية النووية. وتحديدا في العام 1955 حين أنشأت مصر لجنة للطاقة النووية. وبدات مصر خطوات الإعداد بإرسال بعثات تعليمية في هذا المجال في العام الذي يليه مباشرة. تمتلك مصر فعلا مفاعلين للأبحاث النووية. تأسس الأول سنة 1961، وساهمت الأرجنتين في بناء المفاعل الثاني في سنة 1998.

ويعتبر الباحث حسام تمام كتاب «البرنامج النووي المصري: التطور التاريخي والآفاق المستقبلية» أهم ما صدر عن المشروع النووي المصري.

الكتاب صدر عقب إعلان الهند وباكستان تفجيراتها النووية سنة 1998. وهو بحسب تمام «أول دراسة موثقة عن المشروع النووي المصري جاء كوثيقة شبه رسمية أو شهادة وفاة للحلم النووي العربي؛ إذ إن النتيجة الوحيدة والواضحة التي يخرج بها الكتاب هي أن البرنامج النووي المصري يعيش حال احتضار؛ إن لم يكن قد انتهى أمره فعليا وقت صدور الكتاب... وخطورة هذه الشهادة أنها تقترب من أن تكون رسمية؛ فهي صادرة عن مركز الأهرام، وشارك فيها عدد من كبار الباحثين في العلوم السياسية والاستراتيجية، إضافة إلى خبراء بارزين في الطاقة النووية شارك معظمهم في بناء المشروع النووي المصري منذ بداياته، بعضهم تولى الإشراف عليه في بعض الأحيان، وكلهم يمثلون الجيل الأول لخبراء الطاقة النووية في مصر والعالم العربي ممثلا بـ 22 خبيرا استراتيجيّا وذريّا».

ويعتبر المعلقون الاستراتيجيون تصديق مجلس الشعب المصري على اتفاق حظر انتشار الأسلحة النووية سنة 1981، على رغم عدم تصديق «إسرائيل» عليها بمثابة «الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي كررته مصر بالتوقيع على اتفاق الحظر الشامل للتجارب النووية في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1996، وهو ما اعتبره المراقبون إعلانا رسميا (علنيا) بالتخلي عن الخيار النووي».

ويُلخص الأمين العام السابق لهيئة الطاقة الذرية أمين الخشاب الأسباب التي أدت إلى التراجع الشديد للمشروع، في «عدم تعاون القيادات العلمية والإدارية بمؤسسة الطاقة الذرية ودخولها في صراعات ونزاعات، وعدم الاستقرار الإداري، وهو ما أدى إلى تعاقب أكثر من 12 قيادة على رئاسة الهيئة في فترة وجيزة، حتى أن بعضهم لم يستمر في منصبه سوى عدة. وزاد من فداحة الأمر أن كل تغيير في المسئولين كان يصاحبه تغيير في السياسات والتوجهات التي تنظم عمل الهيئة، وهو ما ظهر في تمزق الهيئة وتفتيت وحداتها وتغير سياستها بعد ترك «صلاح هدايت» لإدارتها في العام 1965».

المصريون أنفسهم رفضوا - أثناء المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا سنة 1966- عرضا أميركيا بتزويد مصر بمفاعل نووي مقابل السماح بتزويد «إسرائيل» بنظير له، وكانت أميركا تحاول سحب البساط من الاتحاد السوفياتي. كما لم تستفد الحكومة المصرية من علاقاتها مع كندا في الحصول على مفاعل نووي مثلما فعلت الهند، وألقت القيادة المصرية في عهد عبدالناصر بكل أوراقها في الملعب السوفياتي، خصوصا مع تعهد السوفيات ببناء مفاعل نووي لمصر؛ لإحداث توازن مع القوة النووية الناشئة في «إسرائيل»؛ ولكن الاتحاد السوفياتي أخل بتعهداته، بل حاول تعطيل بناء المفاعل النووي الأول الذي استكمل سنة 1961، وانسحب الخبراء الروس قبل إتمامه بحجج مختلفة، بل وتدخلت القيادة السوفياتية لدى الكنديين للحيلولة دون حصول مصر على مفاعلات (كاندو) المتوسطة، بعدما رأوا إصرار المصريين على استكمال قدراتهم النووية في ذلك الحين.

الكثير من الاستراتيجيين في مصر - خصوصا المقربين من الحزب الحاكم - يشددون على أن خيار مصر بالتراجع عن إمتلاك مفاعلات أو قوة ننوية رادعة هو خيار سليم، إذ يعتقد هؤلاء أن «إسرائيل» لن تستخدم في أي من حروبها السلاح النووي البتة. دلالة ذلك الحروب التي خاضتها مصر مع «إسرائيل» والتي انتهت بانتصارات مصرية من دون أن تسخدم «إسرائيل» أسلحتها النووية التي مازال الإسرائيليون ينكرون امتلاكها حتى اليوم. وفق الرؤية المصرية طبعا.

في الجهة المقابلة لهذه النبؤات السلبية. زعمت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نهاية العام 2004 «أن علماء مصريين أجروا تجارب نووية داخل مصر وخارجها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وقالت الصحيفة إن مفتشي الوكالة نقلوا أخيرا عينات من مواقع مصرية لتحليلها معمليا، لتحديد توقيت إجراء هذه التجارب وطبيعة المواد المستخدمة فيها، وزعمت الصحيفة أن جانبا من التجارب المصرية تم في إطار اتفاقات للتبادل العلمي، وأن تجارب منها تمت في فرنسا وأخرى في تركيا». كما ذكرت وكالة أنباء «أسوشيتدبرس» أن مصر حاولت إنتاج عدة مركبات من اليورانيوم من دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك، واشتملت مواد تسبق إنتاج مادة مكسافلورايد اليورانيوم (سادس فلوريد اليورانيوم) القابلة للتخصيب وإنتاج يورانيوم للأغراض العسكرية. وفي معرض ردود الفعل على هذه الضجة، أكّد وزير الخارجية المصرية تعاون مصر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واحترامها لالتزاماتها بشكل مستمر، وقال «إن وضع مصر بشأن برنامجها النووي سليم تماما، وإن الوكالة ستصل قريبا إلى اللحظة التي ستقول فيها ذلك، إذ تم إبلاغ الوكالة أن أحد الأنشطة النووية متوقف منذ 25 عاما».

الجزائر... مفاعلان نوويان من العيار الخفيف

يذكر الباحث العسكري علي المليجي تفاصيل عن المشروع الجزائري، ويعتبر «الوضع الاقتصادي وكثرة القلاقل الداخلية، وعدم توفّر كوادر علمية متخصصة للنهوض ببرنامج نووي ذي فاعلية» عوامل ساهمت في أن يقتصر النشاط الجزائري في هذا المجال على «صور للتعاون مع بعض الدول مثل ألمانيا، والأرجنتين، وكوريا الشمالية، وباكستان لإنشاء مفاعلات أبحاث، وتمتلك الجزائر اليوم مفاعلين نوويين بقدرة ضعيفة يستخدمان للأغراض السلمية».

العراق... حلم تحت الرماد

حصل العراق على أول مفاعل نووي العام 1968 بتمويل مباشر من الاتحاد السوفياتي، وشهدت الفترة منذ العام 1975 حتى العام 1979 تعاونا نوويا بين العراق وفرنسا تم خلالها تزويد العراق بمفاعلين يعملان باليورانيوم المخصب الذي تعهدت فرنسا بتقديمه وبتدريب (600) عالم ومهندس وفني عراقي في المجالات النووية.

وأضاف الباحث الاستراتيجي والعسكري علي المليجي علي أنه «تم توقيع بروتوكول للتعاون النووي في مجال الأبحاث العلمية والتطبيقية بين العراق وإيطاليا العام 1977 بشأن التدريب وأعمال الصيانة للمفاعلات النووية الأربعة التي تم توقيع اتفاق لشرائها. ومنذ العام 1974 ظل العراق يبذل جهودا كبيرة لتوفير مصادر الوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعلاته محليا ومن مصادر خارجية، وشهد العامان 1979 - 1980 قيام «إسرائيل» بتعطيل البرنامج النووي العراقي كاملا».

العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً