العدد 1649 - الإثنين 12 مارس 2007م الموافق 22 صفر 1428هـ

حاضر... سيدي

بالنظر إلى واقع الحال في هذه الأيام، والقضايا «الموحدة» التي تتداولها الألسن والأقلام، أخذتني الذكريات نحو الصغر، إذ «لا شيء يحتاج إلى تفسير، الحياة هكذا تسير»، ممنوعة عليك «لماذا» التي في الأساس لن تطرأ لك على بال كي تبادر بتوجيهها... كان السؤال علينا محرما، والاعتراض أمر مكروه... وكلما كنت كتوما، هادئا، مطيعا وصلت إلى درجة «مؤدب مع مرتبة الشرف العليا»... والطريق للوصول إليها بسيط جدا، يختصر بكلمة «حاضر»... ومن منا لا يقدر عليها؟!

كبرنا وكبرت معنا «حاضر» حتى في أمورنا المصيرية، لا شيء سوى «حاضر»... حتى جاء الجيل الحالي بكلمة «كلا»، وكأنه رد فعل عكسي تماما على حياتنا نحن، ليبدأ الصراع بين الاثنتين «حاضر» و»كلا» إذ لا وسط بينهما أبدا.

للحظة، ظننا أننا انتهينا، و«كلا» تغلبت علينا... حتى تكشفت لنا الحقيقة بأننا (أهل حاضر سيدي) مازلنا موجودين... ومازال الصراع مع «كلا» قائما... ولكن، لا مشكلة، إذ إننا نمثل السلطة العليا وبيدنا القرار... ومن يستطيع التغلب على «من بيده القرار»؟!

أجيال تعاقبت، ارتفعنا عاليا وقلنا وصلنا إلى مرتبة «الدولة الديمقراطية المتقدمة» ومع ذلك بقينا محافظين على إرثنا القديم «حاضر... سيدي»، إذ مازال بيننا من يسلط نفسه «أبا»، علينا تقديم فروض الطاعة والولاء له حتى لو بلغ بنا العمر مبلغه، فنظل أبناءه الصغار الذين يجب عليهم طاعة من هم أكبر منهم سنا (مركزا) وإلا اعتبروا «مرتدين» يجب إقامة الحد عليهم!

هذا فعلا واقع الحال الذي يعكسه النظام الإداري عندنا... مازلنا نرهب «السلطة العليا» حتى لو كان «الحق» معنا... نشدنا الحرية والشفافية وقلنا «وصلنا»، لكن مازالت «نشوة السلطة» (التسلط) طاغية على «أصحاب الكراسي ومن بيدهم القرار»، ومازالت الغالبية منا تنشد «المثالية» بطريقها السهل «حاضر... سيدي»، وإن حصل شيء قد يهز «عرش مثاليتك» فما عليك إلا التكتم وتهديد من هم أصغر منك (في سلم المراكز) بالويل والثبور إن هم نبشوا فيما أمرتهم بكتمه. إن وقع «زلازل» وهز الأرض كلها وتحدث عنه العالم، ولكن ذلك يحط من «مثاليتك» ويجعلك من «المغضوب عليهم» في نظر من هم أعلى منك، فما عليك سوى «تكذيب» الخبر، وليصدق من يصدق، وليكذب من يكذب... فالأوامر جاءت هكذا، «حاضر... سيدي».

العدد 1649 - الإثنين 12 مارس 2007م الموافق 22 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً