العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ

البعد العالمي للرئاسة الأميركية

بما أن الولايات المتحدة مازالت تعتبر القوة العظمى شبه الوحيدة في العالم وبحكم علاقاتها بكل دول المنطقة ووجودها العسكري الدائم في البحار والمحيطات وربط كثير من دول المنطقة سياساتها الداخلية بالسياسات الأميركية وتأجيل مصير بعض القرارات المصيرية بما تحمله الإدارة الأميركية الجديدة، يظل هناك بُعد مؤثر للسياسة الأميركية ليس بما يجري في الشرق الأوسط فحسب ولكن بكل ما يحدث في العالم سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى المناخ.

وأبسط مثال على ذلك أنه خلال الأشهر الماضية ربط الرئيس السوري بشار الأسد المفاوضات المباشرة بين سورية و»إسرائيل» بما تسفر عنه نتائج الانتخابات الأميركية حتى يتوفر وسيط «نزيه» يستطيع أن يأخذ المفاوضات إلى غايتها وهي توقيع اتفاقية سلام بين الطرفين. وحتى الفلسطينيون أصبحوا يعولون على هذه الانتخابات من أجل معرفة مصير دولتهم الموعودة.

وينتظر كثيرون مبدأ التغيير الذي سيحمله الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة معه إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني المقبل. وبالرغم من صعوبة التفريق بين البرامج الانتخابي لكلٍ من أوباما وماكين في بعض القضايا، إلا أنه يمكن القول بأنه ليس ثمة اختلاف كبير بين هذا الأخير والرئيس المنتهية ولايته جورج بوش، على الأقل على مستوى الأفكار والمبادئ، وإن اختلفا في الاستراتيجيات والتفاصيل.

وكما ذكر المحلل السياسي عبدالمنعم سعيد «لن يكون ضربا من الودع، أو تنجيما سماويا، إذا ما قلنا إن «مبدأ أوباما... التغيير» لن يكون بعيدا عن شعار «أميركا... دولة قوية وصورة جيدة»، وهو بذلك لن يتنصل فحسب من الإرث الثقيل للرئيس بوش، وإنما أيضا سيسعى لترك بصمته على السياسة الخارجية الأميركية من خلال إعادة الاعتبار للكثير من مصادر القوة الناعمة التي ركلها الرئيس بوش طيلة سنواته الثماني، ما أساء لصورة الولايات المتحدة ومكانتها ماديا وأدبيا.

إن الديمقراطيين توفرت لديهم فرص ومعطيات كثيرة منحتهم النصر. فنادرا ما تتجمع جملة من الظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية لكي تميل لصالح مرشح كما هو الحال في انتخابات 2008؛ فهناك رئيس أميركي جمهوري (بوش) هو الأقل شعبية في هذه الفترة من الحكم في تاريخ الولايات المتحدة؛ وهو ينهي عهده وليست له إنجازات ملموسة في السياسة الخارجية أو الداخلية. فعلاقات أميركا بحلفائها عند حدها الأدنى منذ عقود، وعلاقاتها بأعدائها لا تحتوي على انتصار، والاقتصاد الأميركي في حالة سيئة، والمزاج العام الأميركي متعكر بشدة لكل هذه الأسباب.

وإذا أضيف إلى ذلك أن المرشح الجمهوري ماكين ليس فقط كبير السن وتقليديا بحيث يبدو منتميا إلى عالم مضى بأكثر من انتمائه إلى عالم القرن الواحد و.العشرين، ولديه ارتباطات أكثر مما ينبغي بإدارة بوش لا يستطيع فصمها وإلا خسر المحافظين المتشددين؛ وفوق ذلك تبدو دعوته لتغيير واشنطن مضحكة حينما يكون حزبه مسيطرا عليها طوال السنوات الثماني الماضية.

وعلى رغم أن الرأي العام العربي ظل أقرب إلى برامج الرئيس الأميركي المنتخب أوباما، غير ملتفت لأي من التصريحات والبرامج الانتخابية للمرشح الجمهوري الخاسر ماكين، الذي يقول كتّاب عنه إن سوء حظه أنه ترشح للانتخابات عن الحزب الجمهوري بعد 8 سنوات من عهد بوش، إلا أن هذا الانحياز لأوباما لا مبرر له إذ لا اختلاف سياسيا بين الجمهوريين والديمقراطيين، الذين يتفقون عندما يتعلق الأمر بالقضايا العربية وخصوصا الصراع العربي الإسرائيلي. ولولا دعم اللوبي الصهيوني داخل الحزب الديمقراطي لأوباما لما وصل أوباما إلى سدة الحكم أبدا. فمنظم حملة أوباما قيل إنه يهودي الأصل وقد أعطى أوباما من أول يوم إشارات مطمئنة لـ»إسرائيل» باختياره رام ايمانويل ذي الأصول اليهودية لمنصب الأمين العام للبيت الأبيض.

إن أساليب وأفكار فريق أوباما قد تختلف حول كيفية التعاطي مع روسيا وإيران وكيفية معالجة الأزمة المالية دوليا، إنما عندما يتعلق الأمر بالقوات الأميركية فالمسألة تأخذ منحى وطنيا وقوميا. فكل الملفات الأخرى تختلف جذريا عن الملف العراقي لأن في العراق أكثر من 145 ألف جندي أميركي. وأفغانستان مهمة لإدارة أوباما إذ يريد تعزيز القوات هناك لتفوق الـ33 ألفا ليكون في المستطاع الانتصار في الحرب هناك، لذلك فإن أفغانستان مرتبطة عمليا بالقرارات التي تُتخذ في شأن العراق.

لذلك كانت مسألة الانتشار الأميركي في العراق متطابقة في البرامج الانتخابية لماكين وأوباما لأنها تدخل ضمن السياسة الدفاعية. أما نقطة الخلاف الحقيقية تعود إلى أسلوبهما ومزاجهما بشأن القضايا المتعلقة بالأمن القومي.

أما فيما يتعلق بعملية السلام والتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين فلا أعتقد أن أوباما يستطيع الضغط على «إسرائيل» حتى تتنازل عن بعض الحقوق الفلسطينية، ومنح الفلسطينيين الكثير وخصوصا أنه أعلن من قبل موقفه الرافض إلى التعامل مع حركة حماس التي أصبحت واقعا ملموسا وفعّالا في الساحة الفلسطينية لا يمكن تجاهله.

وفي الشأن الإيراني نتوقع أن يميل أوباما إلى التفاوض معها بشأن برنامجها النووي وتهدئة المنطقة، بعكس ماكين الذي بدا عدوانيا ولو لا خسارته لنشبت حرب جديدة في ظل إدارته في إيران أو لبنان أو مناطق أخرى ككوريا الشمالية أو بين جورجيا وروسيا.

وبخصوص الاقتصاد يدخل أوباما البيت الأبيض بينما الاقتصاد الأميركي ينكمش والنظام المالي العالمي يترنح على حافة الانهيار والولايات المتحدة لا تزال واقعة في شرك حربي العراق وأفغانستان.

وتستضيف واشنطن الأسبوع المقبل بالفعل قمة يحضرها 20 من قادة العالم لمواجهة الأزمة المالية التي هوت بأسواق المال العالمية وإرساء مبادئ مشتركة جديدة لتنظيم القطاعات المالية التي تحاصرها المشكلات.

وقد أقر أوباما نفسه «بفداحة» المهمة التي أمامه وطالب بالصبر في خطاب

الانتصار الذي ألقاه في شيكاغو. ولذلك من المحتمل أن يلتزم أوباما بما يمليه عليه حلفاؤه الأوروبييون والدولييون وبما تقرر القمم المرتقبة للتعامل مع الأزمة المالية.

وبسبب كل ما ذكر آنفا فإن الرأي العام الدولي الرسمي والشعبي أولى اهتماما ملحوظا بمجرى انتخابات الرئاسة الأميركية... وذلك يعود إلى أن نتائج الانتخابات لا تنعكس بصورة واضحة على حاضر ومستقبل الأمن الدولي وعلى توريط أو تجنيب أقاليم دولية مهمة وحساسة حروبا وصراعات تنسف الاستقرار والسلام، وتنسف فرص البناء والتنمية فيها فحسب بل وعلى مجرى الاقتصاد وحتى القرارات المصيرية الخاصة بالمناخ والبيئة

العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً