العدد 1731 - السبت 02 يونيو 2007م الموافق 16 جمادى الأولى 1428هـ

التكامل بين قطر والبحرين

الوسط - محرر الملف السياسي 

02 يونيو 2007

التكامل بين البحرين وقطر يمكن أن يتحول إلى واقع معاش، وهناك مؤشرات قوية من قيادتي البلدين باتجاه تحقيق الأمل الذي طالما كان يعتبر حلما، ابتعد في فترة بسبب الخلاف الحدودي، ولكنه سرعان ماعاد إلى الأذهان مع إنهاء الخلاف في مطلع 2001.

ولابد أن يكون تاريخ «القطيعة» السياسية بين المنامة والدوحة إبّان تلك الفترة التي امتدت نحو 63 عام حتى 2001 ومثلت قطيعة نفسية على أكثر من مستوى. مع ذلك، فقد استمرت العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الحكومتين والشعبين الشقيقين وآثبتت انها أقوى من أن تكون رهينة لأوجاع التاريخ. نحاول أن نؤكد أيضا إيماننا بأن مجمل الأوضاع الإقليمية اليوم تفرض على القيادتين السياسيتين أن تكونا متعاضدتين ومشتركين في حلقة توحد سياسي واقتصادي لا خيار لأحدهما فيه إلا أن يكون جزءا فيه.

يقول الرحّالة اللبناني أمين الريحاني في توصيفه تلك القطيعة الطويلة وما انتهت له: «تقود أية قطيعة مهما كان نوعها، سواء أكانت قطيعة للمكان بهجرته والابتعاد عنه، أم قطيعة للزمان، أم القطيعة الإنسانية بين بني البشر، وتلك هي القطيعة الأسوأ، إلى الانهيار والتراجع في العلاقات كلها، وتعوق نمو الأواصر التاريخية في إطار النمو الاجتماعي والسياسي والاقتصادي».

وفي ضوء ذلك، يمكن النظر الى النتائج التي آلت إليها قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي عندما فصلت في النزاع الحدودي بين البحرين وقطر في 16 مارس / آذار 2001بأنها حققت الاستقرار، وهو عامل حاسم في حياة الفرد والمجتمع لتحقيق الطفرات الاقتصادية وإدامة زخم المعطيات والبرامج السياسية.

اليوم، تقف المنامة والدوحة - بعد 6 سنوات من انتهاء الخلافات الحدودية - على أعتاب فضاء جديد من التعاونات الثنائية على أكثر من صعيد، فالقيادتان السياسيتان المتمثلتان في جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وسمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني نجحتا خلال الأعوام الماضية ومن خلال الكثير من البرمجيات السياسية والاقتصادية المشتركة في إذابة معظم الجليد، وكان لوليي العهد في البلدين الشقيقين أن يلعبا الدور البطولي في هذا السياق تحديدا. وإذ يقف اليوم أبناء المنامة والدوحة على أرض واحدة بعد إقرار جسر المحبة، نجد ضرورة أن يعاد الاعتبار فعلا لخصوصية هذه العلاقة التي عانت الكثير من «التأزم»، وآن لها اليوم أن تنطلق من دون توقف لتعوض شيئا مما فاتها هنا في «المنامة» أو هناك في «الدوحة».

تاريخ «قديم» وعلاقات فوق «الدول»

وإذ لا تقتصر العلاقات البحرينية القطرية على مستوى القيادتين السياسيتين فحسب، فإن علاقات «القربى» بين الأسرتين البحرينية والقطرية تمثل أهم دعائم هذا التلاحم التاريخي بين الشعبين الشقيقين، وهو أيضا ما كان يمسك بطيب خاطر وأمل تداعيات مرحلة النزاع الحدودي أن تصل إلى حدود «التخمة» قبل أن تنتقل قضية النزاع الحدودي إلى محكمة العدل الدولية. حينها راهن الجميع على أن الخلاف لن ينتهي وكان لزيارة سمو أمير دولة قطر الشقيقة للمنامة قبل صدور الحكم بالغُ الأثر في التأكيد أن ما يجمع البحرين وقطر هو أكبر من أن يخضع إلى مراهنات تذهب إلى ما لا يتلاءم وحقيقة العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين. هذه الأواصر التاريخية بين العائلتين البحرينية والقطرية وحكمة القيادتين السياسيتين استطاعت أن تتغلب على تصارعات نشوء إمارات الخليج ونزاعاتها الحدودية التي ورثتها مع نشوئها مباشرة مطلع السبعينات. هذه «اللُحمَة» الإنسانية الرفيعة التي ارتضت في البلدين طي صفحة الماضي بجميع تعقيداتها وخلافاتها تستحق أن يعقد عليها أبناء البلدين اليوم المراهنة على النجاح في خيارات المستقبل.

قد يمثل التاريخان السياسي والاجتماعي لقطات من الأمس بكل تعقيداتها، إلا انه يمثل في السياق ذاته امتدادا آخرَ لأواصر العلاقات الأخوية والتحالفات التاريخية بين العائلتين في أكثر من موقف. ولا تمثل مجمل التحالفات السياسية بين البحرين وقطر خصوصا، وعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي عموما إبان الحرب العراقية الإيرانية وحرب احتلال نظام صدام حسين البائد الشقيقةَ الكويت إلا صورا واضحة لعمق العلاقات التاريخية، والإدراك لدى القيادتين أهمية رسم معالم المستقبل الواحد للجميع الذي يضمن رفاهية الشعوب وتحقيق أعلى المستويات على جميع الأصعدة.

أما بعد قرار محكمة العدل الدولية الذي أنهى صراعا بدأ منذ العام 1971 بعد الانسحاب البريطاني من الخليج، فقد أصبحت أحلام البحرينيين والقطريين خصوصا، وباقي مواطني دول مجلس التعاون الخليجي عموما بالأمن والاستقرار في منطقتهم انطلاقا من أهداف مجلس التعاون الخليجي، أحلاما تقارب الواقع وتلتصق به من دون مبالغة. أما الهدف الأخير فهو تحقيق وَحدة خليجية تضامنية تتوافر لها كل المقومات التاريخية والحضارية والبشرية والمادية. هذا الحلم الذي لايزال مُضْمَرا في الكثير من الخطابات السياسية من دون إعلانه بوضوح لابد أن يكون هذا التوقيت تحديدا، هو التوقيت المناسب لإعلانه والمضي فيه بخطى واثقة وخصوصا بعد ما شهدت المنطقة من خطوات ناجحة في سبيل اعادة مستويات الثقة التي عصفت بها اوراق التاريخ طويلا.

أكثر من «جسر»... أكثر من «غاز»

تأتي مجمل التعاونات والمشروعات المشتركة بين البحرين وقطر - التي نشطت بشكل ملحوظ خلال السنوات الست الماضية - لتؤكد متانة العلاقات والإيمان بوجوب صناعة المصير المشترك بين البلدين الشقيقين. إن جهود سمو وليي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة والشيخ تميم بن حمد آل ثاني في المضي قدما بأعمال اللجنة المشتركة العليا نحو تحقيق الكثير من المشروعات التكاملية تعتبر الحلقة الأهم في مشروع التكامل البحريني القطري. لابد أن تكون الدوحة الصاعدة خليجيا بلا منازع في الكثير من القطاعات الاقتصادية - وخصوصا فيما يتعلق بمجال المال والطاقة - مدركة أهمية التعاون مع الخبرات البحرينية في هذا المجال، أضف إلى ذلك، أن إقرار مشروع جسر المحبة يمثل في حقيقته بوابة جديدة على الاقتصادين البحريني والقطري وهو ما سيمثل دعما لوجستيا للاقتصاد القطري المقبل على ارتفاع في نسب طلب العمالة وارتفاعا مماثلا في مستويات الاستهلاك.

ومن جهة أخرى، فإن «الغاز» القطري يمثل إحدى الدعائم الرئيسية لاستمرار عجلة النمو الاقتصادي في البحرين، وخصوصا فيما يتعلق بصناعة الألمنيوم والصناعات الأخرى... مع أهمية فرص العمل التي ستكون متوافرة للبحرينيين في قطر.

تمثل اليوم هذه التعاونات الاقتصادية البعد الأكثر أهمية في استكمال مرحلة التكامل السياسية والاجتماعية، بوتقة العلاقات هذه ستمثل في الخليج «الحلقة الأقوى» وستكون النموذج الأقدر على الترويج لتحقيق طموحات الشعوب الخليجية كافة نحو تكامل أكبر وفرص نمو أوفر.

العدد 1731 - السبت 02 يونيو 2007م الموافق 16 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً