العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ

سيناريو «الصيف الساخن»

الترجيحات بشأن حرب الصيف أو بعده متغايرة في معلوماتها. فهناك من يتوقع حصولها (الكويت مثلا) وهناك من يستبعدها (السعودية مثلا). كذلك تؤكد طهران دائما على أن الحرب لن تقع لأسباب مختلفة منها أن الولايات المتحدة ليست في وضع سياسي يسمح لها باتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجي. أميركا أيضا لم تؤكد ذهابها إلى الحرب ولكنها حتى الآن لم تسقط هذا الخيار. كذلك «إسرائيل» تقول إنها لا تفضل خيار اللجوء إلى القوة ولكنها تحتفظ به ملاذا أخيرا وهي أتفقت مع واشنطن على إعطاء مهلة زمنية لإيران أقصاها نهاية السنة الجارية. حتى رئيس الوزراء البريطاني الجديد غوردون براون أوضح أنه لا يريد الحرب ولكنه رفض إسقاط هذا الاحتمال من حساباته.

المسألة إذا غير واضحة المعالم. فالكل يراهن على حل دبلوماسي بشروطه السياسية ولا يستبعد احتمال المواجهة في حال وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود.

إلى ذلك هناك مشكلات كثيرة تواجه إدارة بوش في واشنطن. فالحرب فقدت شعبيتها ولم يعد الرأي العام الأميركي (دافع الضرائب والناخب) في مزاج سياسي كما كان حاله خلال فترة التحضير للانتقام من أفغانستان ردا على هجمات سبتمبر. واختلاف مزاج الشارع الأميركي يعطل على «البيت الأبيض» إمكانات التحرك أو الالتفاف حول رقابة الصحافة وتوصيات لجنة بيكر - هاملتون وقرارات الكونغرس وتشدد الحزب الديمقراطي الذي يراهن على فشل الحزب الجمهوري لتحسين شروطه الانتخابية وتعزيز فوزه في المعركة الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008.

كل هذه الضغوط المحلية تزيد من صعوبات التحرك العسكري وهي في مجموعها تضاف إلى عوامل دولية (أوروبية وروسية) تمانع تفرد الولايات المتحدة في اتخاذ قرارات استراتيجية من دون مشورة. فالدول الكبرى تغير مزاجها أيضا وأصبحت في موقع أقوى يسمح لها بالاعتراض على كل خطوة أميركية إذا لم تأخذ مصالحها (النفط) في الاعتبار.

هناك إذا صعوبات سياسية كثيرة تقلل من فرص إدارة بوش في استئناف حروبها التقويضية وخصوصا أن محصلة تلك المعارك والضربات الاستباقية والاحتلالات أعطت نتائج سلبية حتى الآن. فالإرهاب اتسعت شبكاته والمخاطر الأمنية ازدادت وانتشرت من «الشرق الأوسط» إلى مدريد ولندن والكثير من المدن والعواصم الأوروبية.

الفشل نقطة تضاف إلى خانة السياسة الأميركية التي تظهر أمام العالم في حال من الارتباك والفوضى وعدم وضوح الرؤية. وبسبب الفشل المذكور لم يبق من نجاحات لواشنطن سوى الادعاء أنها حطمت سلطة طالبان في أفغانستان، ودمرت دولة العراق وقسمت بلاد الرافدين إلى ثلاث فيدراليات طوائف، وسحقت سلطة ياسر عرفات وشطرتها إلى دويلتين في غزة والضفة، ودفعت لبنان إلى الانكفاء والتخبط بين سلطة الدولة وسلطة المقاومة. وكل هذه الادعاءات صحيحة ولكنها أحيانا توضع في لائحة الفشل وليس دائما في لائحة الانتصار.

هذا التحليل المنطقي يقود إلى تأكيد مقولة: لا حرب بعد الآن في «الشرق الأوسط». فهل هذا صحيح أم هناك منطق مغامر آخر يقود إلى مقولة مضادة وهي: الولايات المتحدة لن تقبل الهزيمة في «الشرق الأوسط» لأن ذلك يؤسس مخاطر على استراتيجيتها الدولية ومصالحها النفطية وأمن حليفها الثابت «إسرائيل».

المسألة إذا غير محسومة بين حسابات الفشل المرحلية وانهيار استراتيجية كبرى ربما تؤدي إلى انحسار نفوذ الولايات المتحدة وغيابها عن مسرح التاريخ في سرعة قياسية.

بين الفشل والانهيار هناك مسافة زمنية. ويبدو أن إدارة بوش تدرس الخطوة الأفضل لمصالحها الراهنة وفي المستقبل. فهل تغادر منطقة تحتوي على احتياط هائل من النفط والغاز يعادل نسبة تتراوح بين 40 و60 في المئة من المخزون العالمي؟ وهل تنسحب من دائرة إستراتيجية جغرافية (أوراسيا) تعتبر قلب العالم ومحطة عبور للمواصلات والاتصالات؟ وهل تترك «إسرائيل» وحدها تتحمل مسئولية أمنها وتضبط علاقاتها مع الدول العربية المجاورة لحدودها؟ وهل تسمح لإيران أن تستكمل مشروعها النووي من دون ضمانات؟

الأسئلة مخيفة فعلا لدولة كبرى اعتقدت خلال فترة ماضية أنها الأقوى والأكفأ والأعظم وصاحبة نموذج عالمي تريد نشره في الكرة الأرضية. ومثل هذه الأسئلة تقلق إدارة بوش التي تستغلها يوميا لإثارة طروحات سلبية بغية تخويف الحزب الديمقراطي المنافس وابتزازه سياسيا في المعركة الانتخابية. فواشنطن تتحدى الكونغرس بهذه الاحتمالات التي قد تكون متسرعة ومبالغة ولكنها تضرب بقوة على أوتار حساسة تمس المصالح العليا للدولة وما تمثله أللوبيات (المافيات) من مؤسسات مالية وشركات طاقة ومجمعات التصنيع الحربي. وما يزيد الوضع قلقا هو إصرار بوش على ربط الانسحاب الأميركي باحتمال نمو «القاعدة» وتشجيعها وانتشار شبكاتها عالميا وربما نجاحها في تأسيس «إمارة إسلامية» تهدد الاستقرار الإقليمي في دائرة جغرافية تكثر فيها العصبيات والقوميات والتكتلات الطائفية والمذهبية والقبائلية.

نعود إلى السؤال. هل تقع الحرب أم تنسحب الولايات المتحدة تاركة دول المنطقة وشعوبها تتقاتل وتتخبط لتعبئة الفراغات الأمنية؟ أيضا هذه مشكلات تضاف إلى سلسلة توقعات لا تعرف أين تبدأ حلقاتها وأين تنتهي. الإجابة معقدة ويصعب حسمها بهذا الاتجاه أو ذاك. ولكن حين تقوم دولة كبرى بتقييم تجربة فاشلة تعمل بداية على دراسة الجدوى والمقارنة بين خسائر راهنة وانهيار شامل لتعود بعدها إلى قراءة النتائج والمفاضلة بينها. لاتخاذ القرار النهائي والحاسم بين هذا أو ذاك. وحين تكون المفاضلة بين «خسائرَ راهنة» و»انهيار شامل»، فلابد أن يتجه القرار نحو الدفاع عن المصالح الاستراتيجية العليا حتى لو كانت كلفة المغامرة مرتفعة وأعلى من التوقعات المدروسة والمحسوبة بالأرقام.

قرار الحرب لم يطرح حتى الآن وهو لايزال الملاذ الأخير في اعتبار أن كل مراكز القرار في الإدارة الأميركية لم تسقطه علنا. وهذا الأمر يعني أن خيار القوة من الأسلحة التي يمكن استخدامها، في حال تعطلت إمكانات التفاهم مع طهران على رزمة من القضايا المتصلة من بعيد أو قريب بالملف النووي ومشروع التخصيب. وبما أن مسألة الوقت تشكل نقطة ضعف في سباق بوش مع الزمن فيرجح أن يكون سيناريو صيف «الشرق الأوسط» يميل إلى السخونة. §

العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً