العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ

قرار مقاطعة ثالث صارم مع فرصة لحفظ ماء الوجه لحل الأزمة مع إيران

«الإيكونوميست» تصف قيادة إيران بـ «المنهكة» وثورة إيران بـ «المتعبة»... وتدعو إلى

افتتاحية مجلة «الإيكونوميست» البريطانية بتاريخ 19 يوليو/ تموز 2007 

04 أغسطس 2007

«النظام الإيراني ما هو أساسا إلا مجموعة تبشيرية تؤمن بنهاية العالم وتمهد لهذه النهاية»، هذا ما يقوله رئيس وزراء «إسرائيل» السابق - وربما رئيس الوزراء في المستقبل القريب - بنيامين نتنياهو. وإذا كان على حق فيما يقول، فالعالم يترنح على حافة أزمة مرعبة.

فبينما كان العالم يلتهي بالعراق وأفغانستان والكثير غير ذلك، إذ إيران تمضي بلا هوادة نحو النقطة التي تمكنها من بناء قنبلة ذرية. واستطاعت إيران تحويل الكعكة الصفراء إلى غاز «سادس فلوريد اليورانيوم»، والأن هي تفصل الغاز عبر آلاف من أجهزة الطرد المركزي التي ركبتها في مكان ما تحت الأرض في نطنز (جنوب طهران). التخمين المتداول هو أنه إذا استطاعت إيران أن تدير 3000 جهاز طرد مركزي بسرعة عالية مدة سنة، فستحصل على وقود كافٍ لصنع قنبلة ذرية واحدة. ووفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن أن تشغل إيران 3000 جهاز طرد مركزي قبل نهاية يوليو/ 2007، والإيرانيون يقولون إن هدفهم القادم هو تشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي، علما أن تركيب ذلك الوقود - في حال تم تخصيبه بدرجة كافية - في سلاح مناسب سيتطلب وقتا اضافيا، ربما سنة أو أكثر.

ولكن صناعة الوقود النووي المخصب هي الأصعب في المعادلة، والنتيجة بالنسبة إلى «إسرائيل»، وبعض الخبراء الأميركيين، هي أن إيران قد تصنع قنبلة نووية بحلول نهاية العام 2009، على رغم أن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أكثر تحفظا عن هذه الأرقام، ولكنه يقر أنه إذا كانت إيران تريد صنع قنبلة فإنها تحتاج بين ثلاث إلى ثماني سنوات.

ما تقوم به طهران في نطنز عمل غير قانوني تماما، وهي وقعت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتكرر دائما أن أهدافها سلمية. ولكن بعد عقود من خداع المفتشين النوويين فحتى الأصدقاء لا يصدّقون إدعاءات إيران. وفي يوليو من العام الماضي انضمت روسيا والصين إلى بقية أعضاء مجلس الأمن التابع إلى الأمم المتحدة وأمروا إيران بالتوقف عن برامجها. وحاليا يتابع مجلس الأمن الإجراءات مع هذين القرارين، وكرر مطالبه بتطبيق الجزاءات، ولكن أجهزة الطرد المركزي استمرت في العمل.

هذه القصة يمكن أن تكون لها ثلاث من النهايات غير السعيدة. في إحداها، ستكون لدى إيران أسلحة نووية؛ ما يزيد من عدم الاستقرار. ومع وضع الزناد على النووي ضد «إسرائيل»، فالمنطقة ستتحوّل إلى أقل دول العالم أمنا.

على صعيد آخر، قد تتخذ أميركا أو «إسرائيل» قرار الضربة العسكرية الوقائية وتتمكن إحداهما من إيقاف برنامج إيران النووي، على رغم عواقب هذا الهجوم الخطير جدا.

في الخيار الثالث، إن الهجوم على إيران يجرها إلى السخط والانتقام وتتمكن مع ذلك من صنع قنبلة نووية على أية حال. ومن الأهمية بمكان أن نفهم أن هذا الخيار الثالث هو الكابوس الذي لا نود أن نحلم به.

بعد زيف معلومات المخابرات الأميركية التي أدت إلى غزو العراق، والفوضى التي أعقبت ذلك، قد يبدو من الصعب أن نصدّق أن أميركا و «إسرائيل» تفكران في مهاجمة بلد إسلامي أكبر بكثير. ولكنهما مجنونتان، وهما أيضاُ ليستا بمجنونتين. فهذه المرة - على كل حال - ليس هناك شك في معلومات الاستخبارات، ومخاوف العالم تستند إلى قدرات إيران التي تفتخر بها علانية.

لا نتوقع أن يكون هناك غزو آخر، ولكن نتوقع احتمال هجوم من الجو يهدف إلى تعطيل أو تدمير المواقع النووية الإيرانية. من وجهة نظر تقنية، إن شن مثل هذا الهجوم بمقدرة أميركا القيام به - وقد عززت أميركا أسطولها في الخليج - وربما حتى «إسرائيل» تستطيع توجيه الضربة العسكرية.

هذا الهجوم سيكون مغامرة كبيرة. حتى لو تأخر أو توقف البرنامج النووي الإيراني، فإن العلاقات بين أميركا والعالم الإسلامي ستزداد سوءا. وإيران سترد، حتى لو كان الرد من أجل المحافظة على هيبة وبقاء النظام، فإيران تستطيع أن تطلق مئات الصواريخ على «إسرائيل» ومهاجمة القوات الأميركية فى العراق وأفغانستان وتنظيم الهجمات الإرهابية في الغرب أو خنق حركة ناقلات النفط عبر مضيق هرمز، وعرقلة إنتاج النفط.

كيف يمكن لأي زعيم غربي أن يبدأ مثل هذا التسلسل للحوادث؟ الإجابة أوجزها السناتور جون ماكين بقوله: «على رغم أن مهاجمة إيران ستكون سيئة، ولكن السماح لإيران بأسلحة نووية سيكون أسوأ». إنه ليس وحده، فمعظم المترشحين للرئاسة الأميركية سينظرون إلى اختيار الضربة العسكرية وربما يتخذونها في حال وصولهم إلى الرئاسة.

إذا كانت إيران حقا ليست أكثر من «مجموعة تبشيرية تؤمن بنهاية مأسوية للعالم» بحسب تعبير نتنياهو، فإنه يجدر بنا إقصاء أي احتمال لوقف إيران من الحصول على أسلحة نووية، على رغم أن إيران ليست سهلة القراءة.

إيران دولة ثيوقراطية، ومع ذلك أدارت العلاقات الخارجية منذ ثورة العام 1979 على طريقة تبدو منطقية تماما حتى لو لم تكن سارة. رئيسها الناكر لحدوث المحرقة، محمود أحمدي نجاد، ردد على نطاق واسع أنه سيمحو «إسرائيل» من على الخريطة. ولكن في الحقيقة إنه ربما لم ينطق هذه الكلمات الدقيقة، وهناك الغموض وراء حساب التهديد.

النظرة الثاقبة غير متوافرة بشأن أحمدي نجاد عن إذا ما كان ذلك يعني أن إيران ستقوم بتدمير «إسرائيل» أو مجرد أنه يأمل في زوال «إسرائيل»، علما أن هجوما نوويا على «إسرائيل» أو أميركا سيؤدي في حد ذاته إلى الفناء الفوري لإيران، وهذا ربما يكون رادعا... ألم يتوعد خروشوف بـ «دفن» الغرب؟

مادام لـ «اسرائيل» ذكريات محرقة حقيقية، فلا يجوز وضع الكثير من التفكير على أسس ظنية. فنحن (الإيكونوميست) لانزال نعتقد أن من الافضل لـ «إسرائيل» احتواء إيران النووية، وهذا أقل رعبا من خطر الهجوم الوقائي المحتمل الذي لا يمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، بل إنه سيؤدي إلى تعزيز النظام.

إن العالم بأسره له مصلحة كبيرة في منع إيران، فحتى لو لم تستخدم إيران قنبلة نووية، فمجرد حيازتها قد تشجعها على اعتماد سياسة خارجية أكثر جرأة من تلك التي تتبعها حاليا في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية. وعندما تتحول إيران نحو الخيار النووي، فإن بلدانا أخرى في المنطقة مثل السعودية ومصر وتركيا سيصبح على الأرجح لزاما أن تحذو حذوها؛ ما يوقع الشرق الأوسط في لعبة «مهد القط» بأسلاك نووية.

هل هناك وسيلة لتجنب النهايات غير السعيدة؟ وهل هناك طريقة سلمية لوقف إيران من امتلاك السلاح النووي؟

أمل الأوروبيون في أنهم على علم بطريقة الحل العام الماضي، عندما حثوا روسيا والصين على القبول بفرض عقوبات، وجورج بوش عرض احتمال العلاقات الطبيعية مع إيران بعد توقف التخصيب.

ولكن العقوبات الخفيفة المفروضة على إيران لم تؤثر لحد الآن، والساعة التكنولوجية في نطنز تفوق الساعة الدبلوماسية في الأمم المتحدة. إن إيران تقترب من إكمال السرعة الكاملة المطلوبة للطرد المركزي لإنتاج الوقود النووي المخصب على فترات طويلة، وبمجرد أن يتعلم الإيرانيون كيفية ذلك؛ فاحتمالات الشروع في بناء قنبلة نووية ستتسارع. وهذا يعني أن هناك حاجة إلى قرار عقوبات ثالث، وهذه المرة يجب تزويد القرار بـ «أسنان»، من دون تأخير.

إيران عنيدة وطموحة ومتوجسة، إلا أنها أيضا عرضة للخطر. شعبها يغلب عليه الشباب، وهؤلاء لا يتذكرون الثورة ويبحثون عن عمل، وقادة إيران فشلوا في توفير الأعمال. إن فرض عقوبات على معدات لحقول النفط المتداعية، وضرب المصالح المالية للنظام وحماتها في الحرس الثوري سيكون لها أثر فوري في تقويم كلفة برنامجها النووي. هذا في حد ذاته ليس من المرجح أن يؤدي إلى تغيير النظام، ولكن إذا أعطيت إيران مخرجا يحفظ ماء وجهها - بما في ذلك مصالحة تاريخية مع الولايات المتحدة - فإن القيادة المنهكة للثورة المتعبة قد تقبل بالابتعاد عن الخيار النووي. ولكن الوقت قصير.

العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً