العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ

إنقاذ «المعلومات» وتحرير «الجامعة»... المهمة الصعبة

الاقتصاد المعرفي... بين الإنسان والمال والمجتمع والدولة

أن تعرف ما في المستقبل، ما يحتاج إليه، ما يكمّله ويسد حاجاته، فهو أكثر مما قد يوصف بأنه شكل من أشكال «الفطنة»، أو بوصفه فعلا من أفعال «الكهّان». وما خلا أن يكون في البحرين تأسيس قويم لاقتصاد مبني على أسس معرفية، سيكون على البحرين أن تستثمر أقصى ما لديها من حالات الكهانة الاقتصادية علها بذلك، تصل إلى حلول طال انتظارها.

لا يكون المجتمع معرفيا، ولا تكون الدولة معرفية، ولا يكون الاقتصاد معرفيا، إلا حين يستطيع كل منهم أن يقرأ المستقبل عبر أدوات العلم والمعرفة، وحين يختار من مجالات التنمية ومستوياتها ما يحتاج إليه فعلا. وثمة خيار آخر، هو أن تدور رحى التعليم ورأس المال والدولة في «الهواء» فتنتصر للجهل، أو تنامي رأس المال الطبقي، أو الإبقاء على نمط سياسي معين يُبقي الأوضاع على ما هي عليه. وفي أي من النتائج الثلاث الماضية، ما هو أكثر من «مشكلة».

المجتمع والدولة والإنسان

تتداخل التشكيلات بين «المجتمع» و «الدولة» و «الإنسان» لتنتج فيما بينها عمليات متداخلة وشديدة التعقيد. فلا يجدي أن نحقق في البحرين تعليما معرفيا على شاكلة البدء في المدارس الإلكترونية ما لم يكن لدينا البناء المحكم من المؤسسات الحكومية الشفافة فيما يتعلق بالمعلوماتية، ولا يمكن أن تكون هذه المؤسسات قادرة على صناعة المعجزات ما لم يكن الإنسان حرا في استقبال المعلومة، واستثمارها، وتوظيفها، والتعامل معها كيفما شاء، ومتى شاء.

بين التعليم والرهان على العنصر البشري المدرب والسياسة والاقتصاد تنشأ فرص الوصول إلى مجتمع معرفي يعتمد على مؤسسات دولة معرفية تلتزم حكما شفافا يستثمر موارده في الطريق الصحيح. الذي يحدث في البحرين هو أن ثمة حلقة مفقودة بين العملية التأسيسية لهذا المجتمع، فلا التعليم مرتبطا بالحاجات الاقتصادية ولا الجسم الاقتصادي مطلعا على معلومات واضحة توضح حاجات المجتمع ومستويات نموه. الأكثر من ذلك، أن الجسم الاقتصادي لا يستطيع أن يطلع على عدد سكان هذه الجزيرة الصغيرة فضلا عن خصائص مجتمعها وصفاته ومنهجياته وسلوكاته الاقتصادية.

وفي سياق الفرص المتاحة في الخليج، أكدت مجموعة جي. اي. بي العالمية - المتخصصة في اقتصادات المعرفة ومقرها في البحرين - على لسان مدير وحدة الاستثمار المباشر لمنطقة الشرق الأوسط جواد سبت أن «المجال مفتوح لمثل هذه المشروعات - الاقتصادية القائمة على المعرفة - لأن منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا تفتقر اليها كما ان كثيرا من القوانين في دول المنطقة أخذت في التغير باتجاه التلاؤم مع متطلبات منظمة التجارة العالمية التي تحترم حقوق الملكية الفكرية وهو ما يضمن عدم ضياع حقوق الشركات العاملة في هذا المجال».

وأكد سبت أن وجود بنية تحتية متقدمة إلى حد كبير في معظم دول الخليج وخصوصا في مجال الاتصالات يشكل داعما رئيسيا لمشروعات اقتصادات المعرفة كما ان المنطقة مازالت تتمتع بسهولة ويسر في التحويلات المصرفية منها وإليها على رغم كل القوانين والاجراءات التي تم تطبيقها بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بهدف محاصرة تمويل الإرهاب التي تبدو في بعض الاحيان معقدة.

وقال إن «عدم وجود ضرائب في معظم دول الخليج يعد ميزة اضافية تعزز نمو مشروعات الاقتصاد الذكي ولاسيما أن عائداتها دائما ما تكون مرتفعة للغاية»، مشيرا الى ان بعض الدول غير الخليجية تفرض رسوما تلتهم جزءا كبيرا من عوائد الشركات وهو ما يجعل هذه الشركات مترددة في دخول هذه الدول حتى لو كانت تحظى بمميزات استثمارية خاصة.

من ناحيته، اعتبر مدير الدراسات الاستراتيجية والشئون الدولية في «جي. اي. بي» حمزة قاروني المنحى الزمني للتطور الاقتصادي للإنسان يؤكد سعيه الدائم نحو المعرفة وتوظيفها اقتصاديا.

وأشار إلى أن «هذه النقلة تبعتها نقلات اخرى حتى تم الانتقال من عصر المعلومات الذي ساد في النصف الأخير من القرن العشرين إلى عصر المعرفة الذي نعيشه حاليا ولا حدود فيه لقدرة الانسان على الاستفادة من عقله وأفكاره».

وأوضح أن المعرفة تحولت فعلا إلى استثمار اقتصادي فمثلا شركة مايكروسوفت التي تربح سنويا مليارات الدولارات لا تبيع الناس سلعا مادية وإنما تبيعهم المعرفة وكذلك شركة اي. باي العالمية هي عبارة عن «دلال الكتروني» وهي تربح سنويا 5 مليارات دولار وارتفع سعر سهمها من 3 الى 70 دولارا على رغم انها حديثة النشأة إذ بدأت عملها في العام 1998 فقط.

ركائز الاقتصاد المعرفي

ويذهب الباحثون إلى أن الاقتصاد المعرفي يقوم على أربع ركائز أساسية، وهي:

أولا: التعليم والتدريب، إذ يتطلّب هذا الاقتصاد مجتمعا متعلّما وماهرا، بإمكانه إنتاج المعرفة واستخدامها بفاعلية. ولا تقتصر جزئية التعليم على توافر الأكاديميات والمعاهد التعليمية بقدر ما تتسع هذه الجزئية لتشمل القدرات الأكاديمية وتوافر الدعم المالي وإعداد براءات الاختراع التي تنتجها هذه الأكاديميات، فالجامعات الأميركية والأوروبية اليوم تعتمد في تمويلها على مجمل الشراكات الكبرى مع الشركات الاقتصادية الكبرى التي تدعم الجامعات أملا في الحصول على أكبر قدر ممكن من مجمل الإنتاج المعرفي المتعلق بمجالات عملها.

ثانيا: توافر بنية تحتية معلوماتية ديناميكية، كـ «الإنترنت» ووسائل الاتصال الحديثة والحواسيب؛ لتسهيل التواصل الفعّال، ونشر المعلومات ومعالجتها. وهو ما يتداخل بشكل مباشر مع القوانين والأنظمة الحكومية وآليات العمل في المؤسسات الحكومية عموما، والمؤسسات المعلوماتية خصوصا.

ثالثا: توافر شبكة تفاعلية تربط مراكز البحوث والجهات الاستشارية والجامعات والشركات التجارية ومؤسسات المجتمع المدني، بحيث تتمكّن معا من امتصاص المخزون المعرفي العالمي المتراكم، وتكييفه وفقا للاحتياجات المحلية.

رابعا: وجود بيئة اقتصادية وتشريعية تسمح بتدفّق المعرفة بحريّة، وتدعم الاستثمار في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات.

بحرينيا، تبدو «المعلومة» سرا من أسرار الدولة، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى الجامعة التي تبدو عاجزة عن مواكبة ما تحتاج إليه السوق من مستويات. وفي مطالعة سريعة لركائز الاقتصاد المعرفي يتضح بجلاء أن المهمة تبدو الموضوعة «سياسية» صرفة، أكثر مما هي موضوعة «تقنية».

جزئية التعليم الإلكتروني

اليوم، يشير الباحث في مجتمع المعرفة يحيى اليحاوي إلى أن ثمة «6 إلى 7 ملايين مقال علمي يصدر سنويا في أكثر من 50 ألف مجلة متخصصة، بشبكة الانترنت. ويحتوي محرك البحث «ياهو» على ما يناهز مليار وثيقة بوتيرة وثيقة لكل ثانية، ولو أراد الفرد فقط تعدادها لتطلب منه الأمر خمسين سنة وأكثر. الكم - إذا - موجود وكذلك النوعية والسرعة، سرعة تداول المعلومات والمعارف»، ويضيف اليحاوي «هناك إذا ضرورة حتمية للتعلم وإعادة التعلم إلى ما لا نهاية ولاسيما أن المعرفة بدأت نسبيا (تتدمقرط) ورأسمالية المعرفة تتكرس يوما بعد يوم. وهذا أمر خطير بالنسبة إلى ما أسميهم (الشيخوقراطيين)».

أما الذي لابد من تأكيده، فهو أن التعليم الإلكتروني عبر استخدام وتطويع التقنيات المعلوماتية والاتصالاتية في عملية التعليم والتعلّم هو اليوم من أكثر أنماط التعليم انتشارا وتسارعا في العصر الحاضر. ويتطرّق أستاذ التعليم الإلكتروني في جامعة أم القرى علي العقلا في إحدى دراساته الأكاديمية السعودية إلى المجتمع المعرفي بوصفه حلما تسعى جميع الأمم إلى الوصول إليه، فيقول: «في مجتمع المعرفة تكون المعلومات والمعرفة هي العصب الرئيسي للاقتصاد، وعليه فلن تكون الفجوة بين الدول والأمم، كما كانت في السابق، متعلقة بالدخل، بل قامت تقنية المعلومات والاتصالات بتغيير المعادلة الاقتصادية فصارت الفجوة بين الدول والأمم هي الفجوة المعرفية (Knowledge divide)».

وتؤكد الدراسة «ومن المهم تأكيد أن التعليم الإلكتروني لا يعني مجرد نشر أجهزة الحاسب الآلي في الفصول الدراسية أو الممرات في المباني الأكاديمية، ولا يعني - أيضا - تمديد الشبكات وزيادة سعات الاتصال، ولا يعني نقل المحتوى التعليمي كما هو ونشره على شبكة المعلومات العالمية، فقضية التعليم الإلكتروني ليست تقنية بالمقام الأول، بل هي تطويع التقنية لتيسير عملية التعليم والتعلم. التعليم الإلكتروني، مرة أخرى، هو تعلمّ مرتكز على الطالب (Student - Centered) ويتضمن ذلك أن دور المتعلّم في عملية التعليم والتعلّم تغير، وبالتالي فإن دور المعلم تغيّر هو الآخر من كونه مصدرا للمعلومات إلى كونه ميسّرا ومدربا ومنظما ومخططا لعملية التعلم وغير ذلك من الأدوار التي يقتضيها تحول المتعلم من مستقبل سلبي للمعلومات إلى متعلم فعّال، وهذا الموقف التعليمي يتم في بيئة غنية بمصادر المعلومات وتقنية المعلومات والاتصال».

العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً