العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ

البحرين قادرة على إنجاز مركز متقدم في المعرفة

«الوسط السياسي » يحاور ممثل برنامج الأمم المتحدة في البحرين سيد الآغا:

مجتمع المعرفة مصطلح جديد وواسع، يمكن أن تضيع لاتساعه عندما تدخله ولكن نريد أن نصل إلى جوهر مفهوم مجتمع المعرفة، فلدينا اقتصاد يعتمد على النفط، وهو نعمة ناضبة لا ندري إلى متى ستستمر معنا؛ لذلك يفكر المرء فيما سيكون البديل في حال نضوبه. ولدينا سيولة اليوم ولكنها قد لا تتوافر غدا ما لم يطور المرء بدائلَ تقوم على المعرفة، فهل يمكن قياس «مجتمع المعرفة»، وهل هناك معايير دولية تحدده، وخصوصا في الخليج والبحرين، وما النقاط الأساسية في هذا المفهوم؟ ... بهذا السؤال المحوري بدأ الحديث مع الممثل المقيم في البحرين لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي سيد الآغا، فأجاب:

- البحرين أمامها طريق طويل لتحقيق «مجتمع المعرفة». هناك مبادرات اتخذت على هذا الطريق، وللبحرين بعض المزايا، التاريخ الطويل للتعليم والثقافة بالمقارنة بدول الجوار. بمعنى آخر، هناك نقاط ضعف عند المقارنة بين أوجه المعرفة، فيمكن البحث عما هي متطلبات سوق العمل الآن وما ستكون عليه بعد 10 سنوات. هناك نقاط ضعف أخرى من قبيل ضعف ثقافة البحث العلمي، فهناك خطأ شائع في التفكير في أننا يمكن أن نجلب ونستورد ونشتري ما نريد من منتوجات المعرفة ولا نفكر في طرق البحث والمعرفة، وهو ما يجب تغييره.

في تقرير الأمم المتحدة، هناك في البحرين في العام 2000 يوجد مركز واحد للأبحاث فقط خارج نطاق الجامعة، وفي مصر أكثر من 70 مركز أبحاث، ولكن في «إسرائيل» هناك مئات المراكز البحثية.

*نقرأ عن عصر المعلومات وعن مجتمع المعرفة، وننفق الأموال في بوابات الكترونية، ولكن عند المقارنة ببلدان أخرى كسنغافورة، هل نسير على الطريق الصحيح؟

- عملنا أشياءَ محدودة في مجال «مجتمع المعرفة»، وقدمنا حلولا لبعض التحديات والمشكلات، وعندما يتم تطبيقها فسيكون ذلك جيدا. البحرين أفضل من الكثير من جيرانها في مجال «تقنية المعلومات»، ولكن ليس هناك مجالات دعم متكاملة. كيف نخطط لذلك في مجال التعليم بالمدارس والخدمات المالية... فهي ليست شاملة، وبالتالي يمكن أن تضيع إذا لم تكن متكاملة. هناك طبعا تركيز على بعض المنتجات، أما بالنسبة إلى حجمها فيجب أن تركز على بعض الأشياء مثل الانترنت وعالم الدجيتال لأنها أكثر تأثيرا واستفادة. ولكن هناك مشكلة في الخليج والدول العربية، وهي أن النص في هذه الحال غالبيته باللغة الانجليزية، ويمكن أن يستفاد منه كثيرا في البحرين، سواء من التعليم بالمدرسة إلى الخدمات المالية المتقدمة.

نحن نؤمن بأن البحرين ستستفيد كثيرا إذا بدأت منذ الآن بتعريب محتوى الانترنت، وبحسب دراساتنا فهناك فرصة لتوفير من 10 إلى 20 ألف فرصة عمل للبحرينيين في هذا المجال الحيوي.

*هذه فرصة واعدة. ما متطلبات ذلك؟ هل يحتاج إلى توفير بنية تحتية؟

- خدمة الانترنت جيدة، وما تحتاجون إليه هو توفير ما يشبه «الرصيف الكبير» لفتح وتحميل الوسائل والتسهيلات، وذلك يحتاج إلى سياسات مالية تشجع هذا النوع من الأعمال.

*طبعا في البحرين ليس هناك ضرائب، وهذا موضع جدال بلا شك، فهل يمكن أن يكون ذلك مشجعا وجاذبا للاستثمارات الخارجية؟

- يمكن توفير قروض مخففة لأنشطة تقنية المعلومات، وتوفير مثل هذه التسهيلات إلى جانب رأس المال البشري الذي يجب دعمه ليكون جانبا مشجعا وداعما للتقنية. كما يمكن جذب الطلاب من مختلف دول الخليج المجاورة للدراسة والتدريب؛ ما يشكل مصدرا للدخل، كما أن الصرافة الإسلامية المزدهرة هذه الأيام يمكن أن تنشئ مراكزَ للتدريب أيضا في البحرين.

*ألا يمكن القول: إن المبادرات دائما تأتي من الخارج مثل ماليزيا ونحن إنما نقوم بتطبيقها؟

- يمكن للبحرين أن تستثمر في مجال الصيرفة الإسلامية، فيمكن إنشاء مراكز تدريب مثل كلية خاصة لتدريب الكوادر، فمقارنة بالوضع في دول الجوار، يمكنكم أن تقدموا أنفسكم مركزا للتدريب على الصيرفة الإسلامية على مستوى المنطقة.

*الملاحظ أن إسبانيا شكّلت مركزا كبيرا للترجمة، وبالتالي جسرا للتواصل بين أوروبا وأميركا الجنوبية، من خلال الاهتمام بالترجمة بين الإنجليزية والأسبانية، والترجمة تعني فيما تعني امتلاك المعلومات والمعرفة التي تقوم بترجمتها، فما دور الترجمة هنا؟

- الترجمة جزء من العملية المطلوبة، وهذا هو أحد جوانب التنمية. كان بالإمكان أن يذهب البعض إلى لندن لطباعة كتبه بالانجليزية، ويمكن أن تقوم البحرين بذلك، عبر استخدام التقنيات الحديثة والتطبيقات الرقمية.

*كيف يمكن الترويج لمفهوم مجتمع المعرفة؟

- إحدى القضايا المهمة أن يكون هناك المفهوم والمعرفة، ومن الضروري أن يكون إعلان ذلك، وأنتم في الصحافة والإعلام تدركون أهمية ذلك. دبي وقطر تقومان بذلك بإعلان نفسيهما، وأعتقد أن أمام البحرين الكثير للإعلان والترويج عن نفسها، وما يحتاج إليه ذلك من مؤسسات للترويج.

*في قطر توجد المدينة التعليمية، وفي دبي مشروعات مماثلة كقرية المعرفة... هل نحن بحاجة إلى مثل ذلك فعلا؟

- هناك جانب الكم والكيف، والجودة مهمة جدا. هذه المباني الفخمة والعالية التقنية يكلف إنشاؤها الكثير، ولكن الجودة مهمة جدا جدا. التعليم نعتقد أنه عندما نتكلم عن الجودة والسعر، يجب ألا تتحكم الكمية في الموضوع. وثانيا يجب ألاّ تتحكم الفوائد والأرباح أيضا؛ لأن في مثل هذا المجال لا يكون الربح مباشرا ولكن غير مباشر. فأنت تستثمر في الإنسان والبنية التحتية. المدينة والحواضن مهمة، والبحرين بحاجة إلى تنمية دائمة تحقق الجودة وتراعي الكلفة معا.

*هناك تجارب عدة في المنطقة، فهل تسير في الاتجاه الصحيح؟ وأيها يمكن الاحتذاء بها؟

- ليس لديّ تفاصيل، ولكني أعتقد بأن هناك تجربة خاصة في الأردن، وهناك دروس وتجارب أخرى في دول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية والهند وأيرلندا. هناك أمثلة أخرى أيضا. لدى «مجلس التنمية الاقتصادية» مشروع مهم، ودرسنا بعض الجوانب ورأينا ما فيها من أخطاء، ويمكن للبحرين أن تستفيد منها وتتجاوز هذه الأخطاء.

*أشرتم إلى تبني التجارب وقضايا الترجمة والتعريب... هل تعتقد أن هناك من يهتم أم أن هناك مؤشرات بوجود توجه لذلك؟

- أعتقد أنه لا يمكن أن تقوم بعمل مستقل عن غيره، فيجب أن يتوازى الإصلاح السياسي مع الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وإصلاح سوق العمل، وأعتقد ان الأمور تتجه في الاتجاه الصحيح... ولكن لابد من عمل كبير ومتكامل للصعود الى مستوى تحديات كبيرة تواجهنا جميعا.

*هناك إصلاحات جارية في العالم العربي، وهناك طرح يدعو إلى اعتبار الخليج استثناء، إلى أي مدى يصح ذلك؟

- أعتقد أن الخليج حالة خاصة، فلا يمكن مقارنة البحرين باليمن مثلا، سواء من الناحية المالية أو الاقتصادية أو غيرها. دول الخليج لها خصوصيتها من ناحية الدخل القومي ومعدل دخل الفرد... إلخ، فلابد من مراعاة ذلك.

*بالنسبة إلى مبادرة الشيخ محمد بن راشد ، وما يطرح في الإعلام على مستوى العالم العربي، ماذا يمكن أن تنتجه عشرة مليارات من الدولارات المخصصة للبحث في العالم العربي؟ وهل يمكن أن تضع العرب على عتبة مجتمع المعرفة؟

- إنها يمكن أن تعزز وتقوّي النظام التعليمي في العالم العربي، وخصوصا أن الأنظمة التعليمية دون المستوى. كما انها تتيح الفرصة للوصول إلى التقنية الحديثة في بعض الدول كمصر والمغرب والمناطق غير الحضرية. كما قد تساهم في تعريب العلوم، فيكن أن تدرس الطب وما شابه من علوم باللغة العربية، ولكن هذا يحتاج إلى تعريب جاد.

*ولكن تجربة تعريب تعليم الطب في الكثير من الدول العربية لم تنجح، ربما باستثناء سورية. أليس من الأفضل ترك تدريس علوم الهندسة والطب باللغة الأجنبية؟

- وجهة نظري الشخصية، من المهم أن يكون العلم محليا بتعريبه، وإلاّ فإنك تحرم عددا كبيرا من مواطنيك من هذه العلوم. هناك دول صغيرة تدرِّس العلوم الحديثة بلغاتها الخاصة مثل فنلندا. بل إن دولة مثل «إسرائيل» تدرسها بالعبرية التي كانت لغة ميتة. كل الدول تدرس العلوم بلغاتها. وأنا أدعم تعريب التعليم، ففنلندا بلد صغير، على حين في العالم العربي عندك 22 بلدا و300 مليون نسمة وسوق كبيرة، وليس دولة صغيرة محدودة المساحة والسكان.

*لدينا مشكلة في التعليم بالعالم العربي والإسلامي الذي يعتمد على مدارسَ ذات نمط قديم، فهناك آلاف المدارس الدينية مناهجها المعتمدة تعود إلى مناهج وضعت قبل 700 سنة أو أكثر، وهناك «طبنة» حاليا في كثير من البلدان، فكيف تقيم الوضع؟

- يمكنك أن تنظر الى المدارس الدينية ذلك حافزا وليس تهديدا، فهناك إقبال على هذه المدارس، والإسلام دين يحث على طلب العلم، وعليك أن تغيّر تلك المناهج المكتوبة منذ 700 سنة. هناك مدارسُ حديثة في باكستان تحفّظ القرآن ولكنها تدرّس الهندسة الزراعية، فتدرّس الدين عدة سنوات ثم العلوم سنوات أخرى. وفلسفتها انك إذا كنت مسلما جيدا ستكون مهندسا أو طبيبا جيدا. الخطأ في منطقتنا هو هذا الجدال الذي لا ينقضي بشأن الحداثة والإسلام... والمدارس الدينية يجب ألاّ تكون عائقا أمام اكتساب المعرفة والتقنية الحديثة.

*في مقابل ذلك ألا ترى أن الوضع في العالم العربي والإسلامي يتجه في الاتجاه المعاكس، فبدل طلب التقنية هناك ميلٌ لطلب الموت؟

- العالم الإسلامي عموما يتراجع، ونحن أصبحنا أقل مستوى مما كنا عليه قبل 700 سنة. الأمور مترابطة ولا يمكن عزلها عن بعضها، كما أن التنمية تعني الإصلاح والحكم الصالح والتعليم الجيد. الشعوب الآن تعيش غضبا وقهرا أكثر وأكثر لعدة أسباب، من بينها الحرمان الاقتصادي والفقر والفاقة وعدم وجود الديمقراطية. حتى ما نراه من ميل للموت والعمليات الانتحارية مجرد مؤشرات على ذلك.

العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً