العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ

لدينا الخصائص الأولية لتحقيق «المجتمع المعرفي»

محلل البرامج التنموية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي علي سلمان:

أعلنت الجمعية العربية للاقتصاد المعرفي عزمها بدء نشاطاتها من خلال إقامة المعرض والمؤتمر الإقليمي الأول للاقتصاد المعرفي في مدينة جدة السعودية في الفترة بين 27 و 28 اكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وذلك تحت عنوان «نحو بناء اقتصاد معرفي في العالم العربي». والجمعية تعتبر الأولى من نوعها في البلاد العربية، وتأسست في مدينة الظهران السعودية بهدف تسليط الضوء على التعليم ورأس المال الفكري والابداع وريادة الأعمال ورعاية الشباب وتدريب الشباب والأطفال والبحث والتطوير والاستثمار المبكر في العلوم والتكنولوجيا.

كما وأعلنت دبي فى 25 اغسطس/ آب الماضي انها ستستضيف الدورة الثانية من قمة ومعرض التكنولوجيا الحكومية «جي تي سوميت» خلال الفترة من 19إلى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وسوف تخصص دورة هذا العام لمناقشة مجموعة من القضايا الأكثر تحديا التي تواجه الحكومات في المنطقة العربية في ضوء ما شهده العالم من مستجدات.

وقد أشارت نتائج الاحصاء العالمي للانترنت الى ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في دول الشرق الأوسط وتجاوز عددهم بنهاية العام الماضي 19 مليون مستخدم، بينما يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العالم أكثر من مليار مستخدم في نهاية العام نفسه.

المؤشرات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المنطقة العربية ما زالت تتسم بالضعف إذ لا تتجاوز نسب انتشار خطوط الهاتف الأرضي والهواتف المتحركة والإنترنت 10 و24 و8 في المائة على التوالي.

وتعتمد المؤسسات قياس أربعة مؤشرات أساسية هي: توافر البنية التحتية والقدرة على تحمل الكلف، ونوعية المعرفة والاستخدام الفعلي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات .

وللتعرف إلى أهمية تطوير القدرات نحو تحقيق المجتمع المعرفي، التقى «الوسط السياسي» الخبير التنموي في الامم المتحدة علي سلمان، وأجرى معه اللقاء التالي:

* ما تعريف مجتمع المعرفة؟

- بحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية، هي: «المكونات المعرفية من بيانات ومعلومات وأفكار، التي يمتلكها المجتمع في سياق تاريخي محدد. وهي التي توجه السلوك الإنساني فرديا ومؤسسيا، في مجالات النشاط الإنساني، التي تؤدي بدورها إلى إنتاج السلع والخدمات وفي نشاط المجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة أيضا». مجتمع المعرفة هو الذي تتوافر فيه هذه المواصفات والبنى الرمزية عبر التعليم الرسمي والخبرات المتراكمة في العمل والحياة؛ للاستفادة منها في تسيير عمله اليومي ورقيه المعلوماتي والعملي.

المعرفة تنقسم إلى قسمين: صريح مدون، وضمني غير مدون يبرز نفسه في شكل سلوك. ومن المهم التأكيد أن المعرفة حالة إنسانية أرقى بكثير من مجرد الحصول على المعلومات، بل هي قد تضيع في خضم فيضان المعلومات على شبكة الإنترنت.

الحصول على المعرفة اليوم يتطلب استخلاص المعلومة ومعالجتها وتطويرها وربطها بغيرها، وصولا إلى ما يسمى «المعلومة المفيدة» التي تناسب المجتمع أخلاقيا وتربويا وعمليا.

* أين نحن العرب ممّا وصل إليه «مجتمع المعرفة» في العالم؟

- مجتمع المعرفة في العالم وصل إلى آفاق كبيرة جدا؛ لأنه قائم على استخدام المعلومة يوميا، فقلّما تجد شخصا في مدينة أوروبية يركب مترو الانفاق وهو لا يجيد القراءة. حتى المعوق لديه أدوات تمكنه من القراءة. مجتمعاتنا لم تصل بعد إلى هذا المستوى، فمازلنا نؤمن بالتلقين في المدرسة والإرشاد الديني، ولم نرتقِ إلى مستوى التعليم الذاتي بل نعتمد على إيصال المعلومة عن طريق طرف ثالث. مازلنا بعيدين عن مستوى التحليل، وطرح السؤال العلمي على مستوى المجتمع والاقتصاد... البحوث العلمية شحيحة، وقد يبدو للمراقب في الوطن العربي أن هناك يأسا من البحث العلمي.

وعندما لا تمارس المعرفة بشكل علمي فإنك لا تنتج المعرفة على مستوى عالمي. فالبلدان العربية مجتمعة تنتج 5600 كتاب في 1991 مقابل 102000 كتاب في أميركا الشمالية و42000 في أميركا اللاتينية. فهذا مؤشر على خطورة الوضع من ناحية إنتاج المعرفة. وعندما تصنف الكتب لدينا... غالبيتها روايات أو كتب أدبية أو إنسانيات على حين الطرف الآخر يركز على الكتب العلمية.

* ماذا عن وضع البحرين؟

- البحرين تمتلك الكثير من المقومات التي تمكنها من إنشاء مجتمع المعرفة. لديك مجتمع لجأ إلى التعليم الذاتي، تاريخيا المجتمع هو الذي بدأ التعليم الأهلي ثم أخذت به الحكومة. وهناك إمكانات كبيرة تخصص للتعليم النظامي. وهناك قطاع خاص يرغب في المتعلم الذي يجد له سوقا رائجة. لديك إذا الخصائص الأولية للوصول إلى مجتمع المعرفة، والتي تعد المحرك الرئيسي للتطور في المجتمع. وما ينقص هذه التجربة وجود تنسيق حقيقي ودراية بكيفية استغلال هذه الخصائص أو المميزات؛ ما يستوجب ضرورة وضع استراتيجية واضحة المعالم مرتبطة بجدول زمني لما يراد للبحرين أن تكون عليه في السنوات المقبلة.

* ما دور الحكومة باعتبارها القاطرة التي تقود؟

- لا شك في أن الحكومة هي التي يجب أن تقود العملية، ممثلة في وزارة التربية والجامعات. قبل 3 سنوات دخلت الحكومة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدراسة واقع حال التعليم بالبحرين وكيفية الوصول إلى تعليم متميز، وتم خلال المشروع إبراز عدة نقاط وتوصيات جوهرية تتعلق بزيادة جودة التعليم في البحرين. وبالتالي نحن نعتقد أن هذه هي البداية التي ترتكز على تاريخ قديم من التعليم يعود إلى العام 1919، يجب أن تتواصل وتطبق التوصيات، مع الأخذ في الاعتبار كل التطورات الحاصلة في ميادين المعرفة والتعليم بأرقى سبله، مع استخدام كل الإمكانات والطاقات التراكمية لدى المعلم البحريني، والموارد الكبيرة التي تخصص لسلك التعليم في البحرين.

ويجب ربط ذلك بالتعليم غير النظامي أيضا، أي ما يتم تعلمه خارج الصف أو التلمذة النظامية، من هنا يجب أن يلعب القطاع الخاص دوره. فالملاحظ أن هذا القطاع غائب عن هذه العملية، فهناك الكثير من الأرباح التي يجنيها، وعندما يتعلق الموضوع بجانب العطاء المجتمعي، فلا نجده يلعب دوره في إكساب المعرفة إلا في أضيق النطاقات كتدريب بعض الجامعيين بشكل عشوائي وغير مدروس. تحديدا ليست هناك شركة كبرى أو صغرى أو متوسطة قامت بتبني مشروع متكامل يصب في مصلحة رقي المتجمع معرفيا.

* ألا يعدّ وجود 10 إلى 12 جامعة خاصة مشاركة من القطاع الخاص في هذا المجال؟

- بلى طبعا، وجود الجامعات الخاصة وجود محمود على رغم أنه جاء متأخرا، فخلال السنوات الخمس الأخيرة برزت هذه الجامعات وهي بداية صحيحة تحتاج إلى تنسيق إذ يوجد تنافس لاستقطاب الطلاب وبالتالي المال. ولا أعتقد أن هناك تكاملا بين هذه الجامعات كإجراء البحوث الخاصة أو المسابقات، أو القدرة على التنقل بشكل حر. في الجامعات الأميركية مثلا يمكنك استعارة كتاب من جامعة أخرى وتقوم جامعتك بإرجاع الكتاب إليها... فهل يستطيع طالب الجامعة المفتوحة أن يستعير كتابا من جامعة البحرين مثلا، وبالمثل الانتقال إلى جامعة أخرى مع إمكان المعادلة. عموما هذه بداية ولكن لابد من خطوات أخرى تركّز على المعرفة أولا والاهتمام بالطالب، ثم يأتي الربح واستقطاب الطلاب. عندما نتكلم عن التنافس يجب أن يكون للرقي بمستوى التعليم وضمان الجودة.

* هل يمكن تحميل الحكومة وحدها كل تبعات هذه النقلة إلى مجتمع المعرفة؟ أليس للمجتمع دور ينبغي أن يلعبه في هذا المجال؟

- نعم طبعا... فعملية التعليم عملية معقدة متراكبة تكاملية بين عدة أطراف. ليس هناك مجتمع يمكن أن نطلق عليه مجتمع معرفي من دون أن يلعب فيه المجتمع دورا محوريا. التعليم يبدأ من الأسرة، وعندما لا يتوافر ذلك فنحن لا نستطيع أن نحمّل المدرسة كل الأدوار التي يجب أن تلعبها الأسرة والمجتمع ومؤسساته المختلفة. شخصيا، أجد المدرسة هي التي تتلقى النقد وحدها من بين كل التركيبة التي تنتج المعرفة من أسرة ومجتمع ومؤسسات مدنية. ونحن نهمل كثيرا مؤسسات المجتمع لدورها غير الفاعل في هذا المجال، والنقد نفسه يمكن توجيهه إلى الأسرة التي تقع عليها مهمة التكوين الأولي للفرد.

* ما تقويمكم للمعلم البحريني؟ وكيف يمكن أن يساهم في ذلك؟

- المعلم البحريني معلم مثابر يستطيع أن ينجز، لديه الكثير من الأدوات التي يمكن أن يستخدمها في عملية التعليم، ولكن هناك نواقصَ يجب الالتفات إليها من ضمنها وجود رؤية واضحة لترقية المجتمع وسلم وظيفي يجد نفسه يرتقي من خلاله وظيفيا ومجتمعيا خلال فترة زمنية معينة.

هناك حديث طويل عن تغيير كادر المعلمين، وهناك حديث عن ترقية المعلم معرفيا من خلال دورات تربوية تصب في مصلحة الوضع التربوي والتخصصي للمدرس، ويبقى هناك أمل في تطبيق هذه البرامج.

حتى تستقطب مهنة التدريس كوادرَ متميزة ترتقي بالعملية التعليمية فلابد من توافر الحوافز، وتمهين التعليم أحد هذه الحوافز.

مرة أخرى لا أبرّئ المجتمع من عدم إنصاف المدرس الذي وجد نفسه في وظيفة شاقة تتطلب منه أن يكون مربّيا مكملا لعملية تربوية من المفترض أن تكون بدأت في الأسرة.

العدد 1822 - السبت 01 سبتمبر 2007م الموافق 18 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً