العدد 1832 - الثلثاء 11 سبتمبر 2007م الموافق 28 شعبان 1428هـ

يمكن للديمقراطية أن تصنع الديمقراطيين

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

السؤال الرئيسي الذي يكمن في الحوار عن الأحزاب الإسلامية والديمقراطية في إندونيسيا هو ما إذا كانت الأحزاب الإسلامية، بالتزامها الذي يبدو محددا إلى أبعد الحدود بالديمقراطية، تستطيع المساهمة بالعملية المستمرة لإدخال الديمقراطية.

قد يبدو الالتزام الخطي من قبل بعض الأحزاب الإسلامية بتطبيق الشريعة أنه يدعم فكرة أن هذه الأحزاب لن تتمكن من المساهمة في العملية الديمقراطية. إلا أن مجرد الاعتماد على القناعات الأيديولوجية للحزب لتقييم قدرته على المساهمة في الديمقراطية قد يثبت أنه غير مناسب.

تظهر بعض الدراسات للأحزاب السياسية، مثل الدراسة التي أجراها ستاثيس ن. كاليفاس من جامعة شيكاغو العام 2003 أن الممثلين السياسيين الذين ألهمهم الدين ليسوا مقيدين أو محصورين بالقناعات الأيديولوجية فقط، وإنما كذلك بحسابات الكلفة مقابل الفائدة للحصول على السلطة وضمانها. وحتى يتسنى الفوز بالدعم الشعبي مع الإبقاء على شخصيتها المميزة كأحزاب دينية، تبدأ هذه الأحزاب بتعديل مواقفها السياسية. وفي اللحظة التي يصبح فيها حزب ديني معتدلا، يصبح بإمكانه المساهمة في الديمقراطية.

أحد الأمثلة على ذلك تجربة الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا. وقد يبدو استخدام أمثلتهم للمقارنة في البداية أمرا منافيا للعقل والمنطق. ولا تختلف الأحزاب الديمقراطية المسيحية الأوروبية مثل حزب الاتحاد الألماني الديمقراطي المسيحي، الاتحاد الاشتراكي المسيحي في ألمانيا (الذي فاز بمنصب المستشار العام 2005) أو الحزب الديمقراطي المسيحي في بلجيكا (الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات العام 2007) عن نظرائها من الأحزاب الاشتراكية أو الليبرالية. وهي تبدو أنها جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي الليبرالي في دولها.

إلا أننا لو تقصّينا جذور هذه الأحزاب يتضح أنها نشأت من حركات كاثوليكية بهدف جعل الكاثوليكية أكثر ظهورا في الحياة العامة. وهي جزء من ردة فعل الكنيسة لموجة الليبرالية التي لوّنت عملية الدمج الديمقراطي في أوروبا. وما زالت هذه الأحزاب تحافظ بصراحة ووضوح على التزامها بالقيم المسيحية في وثائقها الرئيسية، ومازالت مواقفها عن قضايا مثل الإجهاض تعتبر أنها تمثل إلى حد ما وجهة نظر الكنيسة.

على رغم ذلك كله، لا يُنظَر إلى الأوروبيين الديمقراطيين المسيحيين كتهديد للديمقراطية، بل بالتأكيد، يعتبرون مساهمين مهمين في عملية إدخال الديمقراطية في بلادهم. السؤال الذي تتوجب الإجابة عليه إذا هو كيف يمكن شمل هذه الأحزاب الدينية في أنظمة بلادها الديمقراطية.

ويظهر كاليفاس أن الإجابة تكمن في قدرة هذه الأحزاب وقابليتها لأن تصبح أكثر اعتدالا. ويظهر هذا الاستعداد، على سبيل المثال، في توقها إلى بناء تحالفات مع أحزاب علمانية، الأمر الذي يتطلب منها إعادة تحديد هويتها السياسية وتعديل أجندتها الدينية.

وفي إندونيسيا أثارت مشاركة حزب العدالة والازدهار في الانتخابات القلق والخوف. صحيح أن هذا الحزب يسعى إلى تطبيق الشريعة في المجتمع الإندونيسي، إلا أنه خلال فترة مشاركته في السياسة الإندونيسية أظهر استعدادا للالتزام بالإجراءات الديمقراطية وتعديل تطلعاته الدينية.

على سبيل المثال، لم يخض حزب العدالة والازدهار، الذي كان يومها اسمه حزب العدالة، الانتخابات على أساس جملة وردت في إعلان جاكرتا: «مع التزام بتحقيق تطبيق الشريعة من قبل أتباع الحزب»، في عملية تعديل دستور العام 1945 في العام 2000. هذه الكلمات أزيلت في اليوم الثاني لاستقلال إندونيسيا، فإن الكثير من المجموعات الإسلامية في إندونيسيا مستمرة في النضال من أجل إعادة إضافة هذه الكلمات.

وكما يشير، الزميل الرئيس في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جوزيف واناندي، لم يقم حزب العدالة والازدهار بتطبيق الشريعة حال فوزه في الانتخابات المحلية في ديبوك وبيكازي، وهما مدينتان في جاوا الغربية. يجب النظر إلى هذا التأخير على أنه مؤشر إيجابي بأن حزب العدالة والازدهار لا ينوي تطبيق تفهم ضيق مؤسَّس للشريعة وإنما يرى الشريعة كنظام مفتوح للتفسيرات المستمرة.

ولكن كاليفاس يشير إلى أن استعداد الحزب الديني للتحول إلى الاعتدال ليس مناسبا لضمان شمله في النظام الديمقراطي. يجب أن تكون هناك كذلك «قدرة» لهم ليفعلوا ذلك. وما يثير الاهتمام أن «القدرة على الاعتدال» تكمن في استعداد منافسيهم للسماح لهم بأن يكونوا جزءا من النظام. ويعتقد كاليفاس أن أحد العوامل التي أدت إلى فشل جبهة الخلاص الإسلامية في المساهمة في إدخال الديمقراطية إلى الجزائر كانت انعدام المواقف التعاونية من نظرائها العلمانيين الذين يسيطرون على الجيش.

من المستبعد جدا أن تلجأ المجموعات العلمانية الإندونيسية إلى أساليب استثنائية. وكما يظهر مثال جبهة الخلاص الإسلامية، فإن مضيافية المجموعات العلمانية، بما فيها استعدادها لأن تثق بأن عملية إدخال الديمقراطية تستطيع أن تؤدي تدريجيا بالأحزاب الإسلامية لأن تصبح معتدلة بشكل متزايد، يجعل مساهمة الأحزاب الإسلامية في الديمقراطية أمرا ممكنا.

نتيجة لذلك، يجب ألا يكون اهتمامنا الرئيسي الشك في ومساءلة الالتزام الديمقراطي لهؤلاء المشاركين في العملية السياسية، وإنما تطوير وحماية مؤسسات ونظم ديمقراطية تستطيع رعاية عملية تحديث حتى من قبل ممثلين غير ديمقراطيين. لا يتم لم شمل الديمقراطية وتعزيزها دائما بوجود الديمقراطيين، إلا أن باستطاعة الديمقراطية أن تصنع الديمقراطيين.

*طالبة علوم سياسية في جامعة أوهايو في أثينز،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1832 - الثلثاء 11 سبتمبر 2007م الموافق 28 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً