العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ

من فكّك «حزمة الحلول» لإصلاح سوق العمل التي لا تتفكك؟

الرسوم الجديدة تراجعت من 2400 دينار إلى 440 دينارا فقط

«إنّ حزمة الحلول لإعادة هيكلة سوق العمل بحاجة إلى جملة تشريعات كاملة، إذ إنّ المشروع يقوم على أساس متكامل لحزمة الحلول الموجودة والتي من الضروري تطبيقها بشكل كامل حتى يضمن نجاح المشروع، وذلك من خلال إقرار جملة التشريعات التي ستسهل تطبيق هذه الحلول العملية لإصلاح سوق العمل».

عبدالإله القاسمي الوكيل المساعد للتدريب بوزارة العمل والشئون الاجتماعية (سابقا) الرئيس التنفيذي لصندوق العمل (حاليا) .

هذا الحديث كان في أكتوبر/تشرين الأوّل 2004، الوكيل المساعد للتدريب بوزارة العمل والشئون الاجتماعية (سابقا) الرئيس التنفيذي لصندوق العمل (حاليا) عبدالإله القاسمي ،الذي أكّد أنه لا يمكن تطبيق إصلاحات سوق العمل مطلع 2006 من دون حزمة التشريعات.

مجلس التنمية الاقتصادية قد توصّل بمشاركة مؤسسة «ماكينزي» وعدد من المستشارين الدوليين إلى «حزمة الحلول» لإصلاح سوق العمل في المملكة، وشملت هذه الحزمة ست سياسات تطبق بحسب جدول زمني مدعوم بخطة تنفيذية شاملة، تتكامل مع مشروعين إصلاحيين وهما: مشروع الإصلاح الاقتصادي، ومشروع إصلاح التعليم والتدريب.

وجاءت مساواة كلفة العامل الأجنبي مع المواطن البحريني بصورة تدريجية بحيث يصعد أجر الأجنبي «المستوى الأدنى منه» الى 230 دينارا شهريا مع حلول العام 2009، وهذا المستوى سيكون مماثلا لأدنى كلفة لأجر المواطن البحريني «220 دينارا شهريا مع حلول العام 2009». رفع الكلفة سيكون من خلال دفع رسوم جديدة على كل أجنبي في البحرين، أهم ما شملت عليه «حزمة السياسات».

ومن ثم تأسيس «صندوق العمل» من الرسوم الإضافية التي سيتم فرضها على كل أجنبي بقدر 75 دينارا شهريا يدفعها كلّ صاحب عمل عن كل أجنبي يعمل لديه، بالإضافة الى رفع رسوم «رخص» الأجنبي «سواء أكانت تجديدا أم طلب رخصة جديدة» إلى 600 دينار عن كلّ رخصة. وسيباشر صندوق العمل إعادة توزيع المال على تدريب البحرينيين ودفع مساعدات لمن يتدرّب من أجل الحصول على عمل، ومساندة الشركات الصغيرة لتحمل أعباء الانتقال إلى الوضع الجديد.

السياسة الثالثة لإصلاح سوق العمل إلغاء نظام «الكفالة» التي يعمل بها أصحاب العمل حاليا، مع الوافد الأجنبي، وسيكون من حق الأجنبي الموجود في البحرين الانتقال بين أصحاب العمل، من خلال عقد مبرم وبشرط أنْ يكون صاحب العمل يحتاج إلى العامل ويملك رخصة عمل سارية، وذلك للحد من العمالة السائبة أو ما تسمى بـ «فري ويزا»، أمّا السياسة الرابعة فهي إدخال تغييرات «طفيفة» على قانون العمل بحيث تتم موازنة تصعيب توظيف الأجنبي مع سهولة التعامل مع المواطن البحريني على أساس الأداء.

وتشير السياسة الخامسة إلى إلغاء أهداف البحرنة وإزالة القيود عن الشركات في القطاعات المختلفة بحيث يتمكّن صاحب العمل من تشغيل مؤسسته على أساس ضوابط السوق وليس على أساس قوانين وإجراءات وزارة العمل الحالية، وأخيرا تطبيق متطلبات منظمة العمل الدولية بالنسبة إلى معايير ظروف العمل ويجب أن يعطى جميع العاملين سواء أجانب أو مواطنين حقوقهم، وبذلك يتم القضاء على حالات تشبه العبودية في كثير من جوانبها.

منذ العام 2003 عندما طرحت فكرة إصلاح سوق العمل ودراسة «ماكنزي» وحتى يومنا هذا حدثت تغيرات كثيرة فككت الحزم والتشريعات وغيّرت في السياسات التي كانت لن تتغير، وأعتبر البعض نتائج المشروع الإصلاحي لسوق العمل فضفاضة أصابها العجز والترهل بعد سنوات من مناقشات وتجاذبات ومشاحنات طويلة بين أطراف مختلفة.

في يونيو/حزيران الماضي رفع مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل الذي يرأسه وزير العمل مجيد العلوي توصياته إلى مجلس الوزراء بشأن الرسوم الجديدة على العامل الأجنبي التي أقرّها بعد أنْ تشاور مع جميع الأطراف المعنية (كما ينصّ قانون هيئة تنظيم إصلاح سوق العمل) والتي تأتي ضمن حزمة التشريعات التي سيفرضها مشروع إصلاح سوق العمل لتوحيد السوق بين العمالة الأجنبية والعمالة البحرينية تمهيدا لجعل العامل البحريني هو الخيار المفضّل للقطاع الخاص بدلا من العام الأجنبي الذي سيتم رفع كلفته التشغيلية.

مجلس إدارة الهيئة توافق على الرسوم الجديدة والتي بلغ معدلها الشهري على كلّ عامل أجنبي 18.33 دينارا، على أن يعمل بهذه الرسوم الجديدة مطلع العام المقبل (2008) بعد إقرار مجلس الوزراء له، بينما تبلغ كلفة العامل الأجنبي حاليا 7.4 دنانير شهريا.

حسم مجلس إدارة الهيئة مسألة الرسوم الجديدة من جانبه بعد أن أطلع على مرئيات غرفة تجارة وصناعة البحرين بشأن الرسوم الجديد، إذ تحفظ ممثلو أصحاب العمل على رسوم التسجيل والتجديد والتي حددت بـ200 دينار كل عامين، بل طالبوا بتقليلها أو تأخيرها.

تأخر إقرار مجلس الوزراء للرسوم الجديدة يثير الكثير من التساؤلات أهمها المتعلق بتاريخ بدء عملية إصلاح سوق العمل الفعلي وفرض الرسوم الجديدة والتي تعد الركيزة الأساسية للمشروع على رغم رفض البعض القول إنّ مشروع إصلاح سوق العمل يرتكز على فرض رسوم عالية على العمالة الأجنبية.

التأخر في الإقرار يعني تأخر في عمل هيئة تنظيم سوق العمل، وبالتالي تأخر في تنفيذ سياسات المشروع الإصلاحي، الذي سيجر وراءه بقاء العامل الأجنبي باعتباره القوى الفاعلة في سوق العمل، وبقاء العامل البحريني «الحلقة الأضعف» وليس الأقوى كما يلمح له القائمون على إصلاح سوق العمل من خلال جعل البحريني هو الخيار الأفضل للقطاع الخاص بمهاراته ورخص كلفته، إذا ما رفعت كلفة العامل الأجنبي.

المشروع المرفوع إلى مجلس الوزراء والذي تدرسه اللجنة المالية حاليا ينصّ على أنّ كل عامل أجنبي سيكلف صاحب العمل سنويا 220 دينارا، بواقع 10 دنانير تدفع عن كلّ عامل شهريا، بالإضافة إلى 200 دينار تدفع دفعة واحدة عن كل عامل كل عامين كرسوم تسجيل ومن ثم رسم تجديد، لتصبح الكلفة التي سيفرضها إصلاح سوق العمل على العامل الأجنبي كلّ عامين 440 دينارا.

وبالتالي فإنّ المناقشات التي دارت في مجلس إدارة هيئة إصلاح سوق العمل أسفرت عن تراجع الحكومة والعمّال عن مقترحهما السابق الذي تقدّموا به وهو فرض رسم 10 دنانير على كلّ عامل أجنبي شهريا، و300 دينار رسم تسجيل أو تجديد كل عامين، وذلك نزولا لرغبة التجّار الذين تحفظوا أيضا على رسم التسجيل والتجديد، وطالبوا بإلغائها أو تقليلها.

مشروع إصلاح سوق العمل في نسخته الأصلية أو كما جاءت بدراسة «ماكنزي» فرض رسوم مختلفة جدا على كل عامل أجنبي تصل إلى 2400 دينار كلّ عامين، بواقع 75 دينارا رسوم شهرية يدفعها صاحب العمل، و600 دينار رسم يدفع كلّ عامين مرة واحدة كرسوم تجديد، إلا أن رفض أصحاب الأعمال لهذه الرسوم التي جاءت بها دراسة «ماكنزي» جعل مشروع إصلاح سوق العمل يدخل في دوامة الشد والجذب بين أطراف الإنتاج الثلاثة (الحكومة، وغرفة تجارة وصناعة البحرين، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين)؛ لينتهي مصير تحديد الرسوم الجديدة لإصلاح سوق العمل بيد مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل (الشق الأوّل من مشروع إصلاح سوق العمل) والمكون من الأطراف الثلاثة.

وبذلك فقد بلغ الفارق بين الرسوم التي اقترحتها شركة «ماكنزي» والرسوم الجديدة التي فرضتها هيئة تنظيم سوق العمل نحو 1960 دينارا كل عامين.

إن هدف مشروع إصلاح سوق العمل المتمثل كما قلنا في جعل البحريني الخيار المفضل للقطاع الخاص، وجعل القطاع الخاص جاذبا للعمالة البحرينية، يبدأ من خلال إزالة التباين في الكلفة لزيادة قدرة البحرينيين التنافسية، لذلك قدم المشروع الإصلاحي في مراحله الأولى مجموعة من السياسات المقترحة لتقليل كلفة توظيف البحرينيين وزيادة كلفة توظيف الوافدين، وبتطبيق هذه السياسات معا، سيتمكن البحرينيون من التنافس بإنصاف مع الوافدين.

بعد عرض الفارق بين المشروعين في الرسوم الجديدة (مشروع «ماكنزي» ومشروع هيئة تنظيم سوق العمل) فإنّ التأثير الذي كان من المفترض أنْ يحققه فرض الرسوم الجديدة لإصلاح سوق العمل لن يتحقق خلال السنوات المقبلة، إذ إنّ كلفة العامل البحريني ستبقى أعلى بكثير من كلفة العامل الأجنبي، ومن ثم سيبقى الخيار المفضل لدى القطاع الخاص وأصحاب الأعمال العامل الأجنبي لانخفاض الكلفة على رغم إقرار الرسوم الجديدة.

كما أن تفكيك حزمة التشريعات المتكاملة للمشروع الإصلاحي ستؤدي إلى إضعاف قدرته التأثيرية في ظل التدرج البطيء في فرض الرسوم والذي من شأنه سيؤخر كثيرا خلق المعادلة المالية التي يقوم عليها مشروع إصلاح سوق العمل وهي جعل البحريني الأقل كلفة مقابل العامل الأجنبي، هذا التفكيك سيؤدي إلى خلق مكاسب إضافية للعامل الأجنبي على العامل المحلي من أهمها مشروع إلغاء نظام الكفيل، والذي من شأنه سيزيد من حدة منافسة العامل الوافد للعامل الوطني على الوظائف الجديدة في سوق العمل، وجعل باب المنافسة مشتركة على الوظائف من الداخل. وزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل خففت من مخاطر تلك القضية من خلال طرحها للخطة الوطنية التي تقوم على مبدأ إيجاد التوازن بين مصالح جميع الأطراف في المجتمع، وإيجاد التسهيلات والخدمات الميسرة في منح التراخيص، يقابلها من دون شك التزام بدعم العمالة الوطنية وحمايتها وإعطائها الأولوية في الحصول على فرص العمل المناسبة واللائقة.

وزارة العمل أكدت أن مبدأ التدرج في فرض الرسوم سيقابله أيضا تأن وتريّث وتطبيق متدرج للركن الموازي وهو نظام البحرنة، مؤكّدة أنّ نظام الحماية والمساندة للعمالة الوطنية لن يضعف ولن يتراجع إلا عندما تظهر نتائجه ملموسة على صعيد جعل المواطن يحتل الأولوية والأفضلية في التوظيف لدى أصحاب الأعمال، والقيادة العليا حريصة على مصلحة العامل المواطن وضمان حقه في العمل وحمايته من المنافسة غير المتكافئة.

العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً